الاتفاق الاخير الذي جرى بين الامم المتحدة و الحکومة العراقية بخصوص معسکر أشرف، يعد بحق إنتصارا مبينا و ظافرا للتحرکات السياسية و الاعلامية للمجلس الوطني للمقاومة الايرانية و يعتبر في نفس الوقت إنتکاسة و خيبة نوعية للخط العام لسياسة النظام الايراني بهذا الخصوص.

النظام الديني المتطرف الذي حاول المستحيل و سلك کل الطرق و السبل المتباينة من أجل فرض منطقه و رؤيته الخاصة على قضية معسکر أشرف، وجد نفسه في موقف صعب و معقد جدا بعد أن رأى أنه في طريق ينتهي بمواجهة المجتمع الدولي مرة أخرى، وهو أمر يحاذر منه و يتجنبه ولاسيما في هذه الفترة الحرجة التي يمر بها حيث يواجه سلسلة من المشاکل و الازمات العويصة على مختلف الاصعدة، ولأجل ذلك فقد وجد نفسه في النهاية راضخا و منصاعا لمنطق و موقف تمت صياغته بعيدا عن رؤيته و مصلحته.

تعريق قضية معسکر أشرف، أي جعلها مشکلة داخلية للعراق، کان هو الهدف الاساسي و النهائي للنظام الايراني من وراء ممارسة ضغوطاته المستمرة على الحکومة العراقية لإنتهاج سياسة متشددة و استثنائية ضد معسکر أشرف، لکن، وعلى أثر النشاط السياسي و الاعلامي و التحرکات المتباينة للمجلس الوطني للمقاومة الايرانية و خصوصا ماقامت به السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الايرانية من إتصالات فعالة مع الاوساط السياسية و التشريعية الاوربية و الامريکية، والتي تمکنت في النهاية من حصر النظام الايراني في زاوية ضيقة و أحرجت في نفس الوقت الحکومة العراقية و وضعتها أمام الامر الواقع و أجبرتها في النهاية بقبول حل سياسي وسط لايلبي في خطه العام الطموحات و المخططات المشبوهة لرجال الدين الحاکمين في طهران.

إتفاق الامم المتحدة مع الحکومة العراقية بخصوص تفعيل حل سلمي لمشکلة أشرف، على الرغم من أهميته، لکن لايجب الافراط في التفاؤل و التحسب من کل الاحتمالات السلبية الوادرة و القائمة خصوصا تلك التي ستصدر من جانب النظام الايراني، إلا أنه و في نفس الوقت يجب الانتباه جيدا الى أن المجتمع الدولي و اوساط القرار العالمي رحبت بذلك الاتفاق و تدعمه بقوة، ويکفي الترحيب الصادر عن وزيرة الخارجية الامريکية هيلاري کلينتون لذلك الاتفاق، وهو يعني ضمنيا إيماءة ذات مغزى للنظام الايراني، ولذلك فإن مشکلة معسکر أشرف قد خرجت من إطارها الضيق المحدد و إمتلکت فضائا رحبا وهو الامر الذي طالما تخوف منه النظام الديني المتطرف و حاول جهد إمکانه للحيلولة دونه، بيد أننا نعود و نقول أن کل الاحتمالات و الامکانيات مازالت قائمة وان الاعتدائين الارهابيين الاخيرين على معسکر أشرف بقصفه بصواريخ کاتيوشا، قد تکون هي الاخرى رسالة من جانب الملالي للمجتمع الدولي مضمونها أنه لن يقف مکتوف الايدي أمام خصمه اللدود و هو يتفوق عليه في الصراع الجاري بخصوص أشرف بما يمکن تشبيهه بالضربة الفنية القاضية أن صح التعبير.

قضية أشرف، مهمة لعدة أسباب حساسة، لکن أهمها و أخطرها انها قضية البديل السياسي الفکري للنظام الحالي، وهو أمر يزعج و يثير حفيظة النظام الايراني و بالاخص في هذه المرحلة الحرجة و المليئة بالاضطرابات و التغييرات في المنطقة بشکل عام و إيران بشکل خاص، ويظهر أن المجتمع الدولي الذي کان ينتظر(إعادة تأهيل)النظام الايراني، تيقن في النهاية من أن ليس هناك من أي أمل بهذا الاتجاه ولذلك إلتفت أخيرا الى الجانب الآخر من الصورة، وقطعا فإن العام المقبل سيکون عاما حافلا بتغييرات جديدة لکن التغيير الاکبر و الاهم الذي ينتظره العالم بشغف هو ذلك الذي سيحدث من دون شك في إيران!