وصف البعض عام 2011 بعام الربيع العربي، قسم ثان وصفه بعام المتظاهر في العالم، وثالث بعام التحولات الاجتماعية الكبرى، ورابع بعام الأزمات المالية والاقتصادية، وخامس بعام الأخوان المسملين. هذه التسميات جميعها تبدو صحيحة مع اختلاف موقعها من قارة أو من منطقة إلى أخرى،لكن الثابت ان هذا العام كان استثنائيا بامتياز ولاسيما في المنطقة العربية حيث تلاحقت الاحتجاجات والثورات وانتفضت الشعوب من ركام قمع الأنظمة بحثا عن حريتها بعد عقود من الفساد والقمع والإقصاء والقهر الاجتماعي والسياسي والثقافي. في هذا العام شهدنا حكاما من أمثال زين العابدبن بن علي وحسني مبارك يتدحرجون عن كراسهم بسرعة مذهلة، وأخرون من أمثال معمر القذافي يلقون مصيرا مأساويا لم يكن متصورا حتى في الخيال، وقسم أخر يناور للبقاء في الحكم أطول ممدة ممكنة حتى لو على جثث أبناء الشعب الذي يتحدثون باسمه ليلا ونهارا،فيما معظم الأنظمة العربية الأخرى تخشى من احتجاجات اجتماعية مماثلة تنفجر بوجهها وتقضي عليها. فضلا عن هذه الثورات شهدت المنطقة العربية والإسلامية أحداث بارزة مثل مقتل زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن بعد سنوات من المطاردة والملاحقة وكذلك انسحاب القوات الأمريكية من العراق وتفجر أزمة سياسية بطعم الطائفية في هذا البلد تزامنا مع هذا الانسحاب، وعلى المستوى الإقليمي تزايد حدة التوتر في الخليح بين الدول العربية وإيران وبين الأخيرة والغرب على خلفية البرنامج النووي الإيراني وتزايد الحديث الإسرائيلي عن ضرب المفاعلات النووية الإيرانية وتهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز الذي يشكل الشريان الحيوي للأقتصاد العالمي. هذه الأحداث هي أشبه ببداية صنع تاريخ جديد ستتوالى فصوله وتداعياته خلال العام 2012 بل وما بعده على شكل مرحلة جديدة تثير الكثير من الأسئلة والتساؤلات والمخاوف والتطلعات معا،فالثورات العربية وان انتصرت وتنتصر على الحكام والأنظمة ولكنها تفتقد إلى أجوبة عن أسئلة تتعلق بالقوى الصاعدة إلى سدة المشهد السياسي وشكل الحكم وكيفية الانتقال إلى الديمقراطية وبناء المؤسسات وتحقيق التنمية وتأمين كرامة الإنسان المتمثلة في الخبز والحرية والمعلومة معا. مع صعود القوى الإسلامية وتحديدا حركات الأخوان المسلمين إلى سدة المشهد السياسي العربي،ثمة أسئلة كثيرة عن دور الإسلام السياسي في الحكم في المرحلة المقبلة، وعن مفهوم هذه الحركات للدولة والحكم والأقليات والدستور..،وعن تحالفات هذه القوى مع المؤسسة العسكرية كما هو الحال في مصر،وعلاقة هذه القوى بالغرب في ظل الحديث عن تحالفات غير معلنة بين الجانبين، وتأثير هذا المستجد على قيام محاور أو تحالفات إقليمية جديدة كما يجري الآن بين تركيا حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب اردوغان والعالم العربي على شكل بروز ( هلال سني ) يواجه أو يقطع الطريق أمام ( الهلال الشيعي ) الممتد من طهران إلى بيروت ويحاول التوسع في الخليج وبلاد الرافدين. أسئلة أخرى لها علاقة بالشباب ودورهم،على نحو هل سيكتفي أبناء ثورة كاميرا الجوال والفيسبوك والتوتير واليوتيوب... بما جرى وسيجلسون في بيوتهم أم انهم سيستمرون في ثورة مفتوحة كما نشهد في ميدان التحرير ضد كل من يحاول مصادرة الثورة كمفهوم واستمرارية؟ وماذا عن خطاب الإعلام العربي ولاسيما الفضائي منه بعد انخراطه في الثورات العربية وتحول بعض القنوات الفضائية إلى إدارات للتعبئة السياسية على حساب المهنية؟ الربيع العربي في عام 2011 فجر تاريخ جديد وحمل معه للعام 2012 أسئلة كثيرة وفي كل الاتجاهات. وفي ظل غياب الأجوبة عنها يبدو ليس أمامنا سوى الانتظار لمعرفة لمعرفة إلى أين ستتجه الاحداث والتطورات مع ان كل المؤشرات تؤكد أن الحراك التغييري سيستمر.