بالتأكيد ان الثالث من اغسطس عام 2011 هو يوم لن يٌنسي من قلوب وعقول المصريين ففيه كانت اللحظة الهامة في تاريخ مصر بأكمله، يوم ان وضع المصريون رئيسهم في قفص المحاكمة مثله مثل اي متهم. واهمية هذه اللحظة ليست لان مبارك هو اول حاكم مصري يحاكم، ولكن لأن هذه اللحظة وهذا المشهد اضاف laquo;جيناتraquo; لم تكن لدي المصريين من قبل، فطوال تاريخ المصريين ومنذ قيام دولتهم وهم يعبدون الحاكم فتجد فرعون صغير السن يملك عليهم فيقومون بعبادته هي عادة توارثها المصريون بل وربما علموها لكل محتل مكث عندهم حتي ثورة يناير. واللافت ان كل ما تم مع الرئيس السابق لم يكن متوقعاً يوم تنحي عن حكم البلاد في الحادي عشر من فبراير الماضي، فلم يكن مبارك او غيره يعلم ان الامور ستتطور الي هذا المراحل. فبعد ايام من تنحي مبارك واثناء لقاء المشير حسين طنطاوي مع رؤساء الصحف المصرية توجه احد الصحفيين بسؤال الي المشير عن امكانية محاكمة مبارك فأجابه المشير laquo;ان الرئيس خطاً احمرraquo; بحسب ما قال وائل الابراشي بعد اللقاء، الا ان ضغوط شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير علي السلطة الحالية نجحت في بدء التحقيق مع الرئيس المصري المخلوع ثم منعه من السفر هو وعائلته ثم حبسه احتياطياً ثم محاكمته واخيراً ان تكون اجراءات المحاكمة علنية ومذاعة تلفزيونياً.

وفي رأيي ان نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير فى اجبار الرئيس المخلوع ان يكون كأي مواطن عادي ويدخل القفص ويمثل امام قاضي التحقيق في جلسة علنية يشاهدها الجميع ربما هو انتصار كبير يحسب لهم ربما اكثر من نجاحهم في خلعه. والحقيقة كان ظهور الرجل الذي حكم مصر

ثلاثين عاماً في قفض الاتهام وامام شاشات التلفزيون هو مشهد هام جداً لكل المصريين من كل الاجيال ليس فقط لمن سوف يحكم بعده ولكن ايضاً لشبابنا واطفالنا ليعرفوا قوة الشعوب. ظهور مبارك علي شاشات التلفزيون في قفص الاتهام هو اكثر لطمه لانصار الدولة الدينية وخطوة هامة علي طريق الدولة المدنية، فالحكم الديني اياً كان عقيدته هو حكم ديكتاتوري فاشي يقدس الافراد ويجعلهم فوق القانون بل وفي منزلة الالهة وهذا لا يستقيم ابداً مع شعب وضع رئيسه من قبل في منزلة اي متهم عادي. فمن ذا الذي يستطيع ان يغلق منافذ الحرية الان علي المصريين بعد مشهد محاكمة مبارك. من يستطيع ان يكمم افواههم حتي ولو استعمل عصا الدين الغليظة. بعد مشهد محاكمة مبارك انتهت عبارات كنا نسمعها ليل نهار مثل laquo; نقد الرئيس خط احمرraquo; و laquo;اهانة الرئيس من اهانة الامة بأكملهاraquo; والقاب laquo; الزعيم raquo; laquo; والقائدraquo; تلك العبارات والالقاب والتي ملئت صحفنا في العهود السابقة بل وربما كانت مكتوبة في معابد الدولة المصرية القديمة.

كم كان هذا اليوم هاماً لمصر والمصريين ولهذا لا اخفي استغرابي ممن يطلقون عبارات ضد المحاكمة، علي طريقة laquo;حرامraquo; وlaquo; كفاية كدهraquo; وهم انفسهم ممن كانوا ينادون في موقف اخر بدولة القانون وهيبته، ولا شئ تعيد هيبة القانون الا بتطبيقة بمساواه ودون تمييز علي الجميع. فنحن مع محاكمته الرئيس المخلوع محاكمة عادلة ويحصل علي الحكم القضائي المناسب لأفعاله سواء كان بالاعدام او المؤبد او البراءة. فهذه الايام التاريخية في تاريخ مصر والمصريين ليس بها مكان للعواطف، اتركوا مصر تسمو في سماء الحرية واتركوا المصريين ينزعون عار عبادة حكامهم تلك العقدة والتي عاشت بداخلهم ربما منذ اكثر من سبعة الاف عام. واتذكر حينما تم محاكمة الرئيس الامريكي بيل كلينتون كان الامريكي يقول laquo;انا اميركي واستطيع محاكمة رئيسيraquo; فاليوم يستطيع المصريون ان يهتفوا للعرب وللعالم كله laquo;انا مصري واستطيع ان احاكم رئيسيraquo;.

وكما كان اكثر ما يعرفه العالم عن الرومانيين انهم حاكموا laquo;شاوشيسكواraquo; وعن الفلبينيين بانهم حاكموا laquo;استراداraquo; فاليوم لن ينسي العالم ان المصريين حاكموا laquo;مباركraquo;. مرة اخري تأخذ مصر الريادة بين كل دول المنطقة ومن حق المصريين ان يقولوا لدول الجوارraquo; نحن حاكمنا رئيسنا ومن اليوم نحن احرار واولادنا واحفادنا احرار، خلعنا مبارك وحاكمناه وما ادراك ما مبارك ولكن أيضاً وما ادراك وما المصريين.....