وقع الطرفان الكبيران في الساحة الفلسطينية فتح وحماس ورقة المصالحة برعاية مصرية. ابتهج الجميع لتحقيق هذا الانجاز الكبير بعد بضع سنين من القطيعة والاحتراب بين الطرفين حول المسؤولية عن أحداث الانقسام الفلسطيني بين الضفة وقطاع غزة.

ربيع الثورات العربية ألقى بثقله على الطرفين للذهاب إلى القاهرة وتوقيع ورقة المصالحة المصرية، فتغيير النظام المصري كان سببا، يقول بعض المراقبين، والوضع المتفجر في سوريا دفع الطرف الآخر إلى قبول الورقة المصرية دون شروط مسبقة.

مع تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فقد محمود عباس الظهر الحامي في صراعه مع حماس، فرع الإخوان المسلمين المحظور بقوة على الساحة المصرية، فالنظام المصري السابق حارب الحركة بقوة وعمل على عزلها إقليما ودوليا لإفشالها وبالتالي إظهار فشل مشروع الإسلام السياسي في الحكم للشارع العربي.

مع بزوغ الثورة الشعبية في سوريا، وقعت حماس منفردة، فالداعم التاريخي لها يواجه مصيرا مجهولا حول بقائه في الحكم، وهذا اجبرها بطريقة أو بأخرى إلى مراجعة الحسابات محليا وإقليما حول وضعها ووضع الداعمين لها في دمشق، فالوضع يشوبه كثير من الغموض.

الربيع العربي افرز عامل ضغط داخلي في الضفة وغزة، انه حراك الشارع الفلسطيني المطالب بإنهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني، وهذا كان له دور كبير في حسابات الحركتين في التوقيع على ورقة المصالحة المصرية، فالدعم العربي لكلا الطرفين متزعزع، والوضع الداخلي الفلسطيني يتحرك بطريقة لا يمكن السيطرة عليها في ظل ربيع عربي يغير أنظمة قائمة منذ عقود، فرسالة الحراك الشعبي وصلت إلى الطرفين إما مصالحة أو زوال كالأقران العرب.

جاء توقيع المصالحة بنتيجة مباشرة في الضفة وغزة، وهي إسكات الحراك الشعبي الفلسطيني، لكن قيادتي الطرفان ذهبا إلى خلاف جديد يتمثل في عدم الاتفاق على رئيس وزراء الحكومة المقبلة التي نص الاتفاق أن تكون من المستقلين بعيدا عن الحزبين الكبيرين فتح وحماس.

فالأمر يتمثل بسحب البساط من تحت أقدام الحراك الشعبي الفلسطيني الذي كان من مطالباته في تحقيق المصالحة تنحية الطرفين عن حكم سلطة لا حول لها ولا قوة، فالأمر من الطرفين التفاف على مطالب الشارع الفلسطيني بإنهاء الانقسام والعودة بالأزمة إلى المربع الأول، مرحلة الاحتراب لا الوحدة.

الضغوط الخارجية الإقليمية والدولية تلعب دورا كبيرا بين الطرفين لإفشال اتفاق المصالحة، أو على الأقل تركيع طرف على حساب الآخر، وهنا يجب أن يكون للشعب دوره وكلمته في تصويب المسار، فكما خرج قبل توقيع الاتفاق مطالبا بإنهاء الانقسام، فعليه الخروج مجددا مطالبا بتشكيل حكومة وحدة مجبرا الطرفين على الاتجاه نحو هذا الخيار وإلا التخلي عنهما جملة وتفصيلا.

الوضع القائم لا يحتمل التأجيل، فالخلاف مستمر مع غياب بوادر حل للازمة، وإسرائيل برعاية ودعم أمريكيين مستمرة بقوة وسرعة في تعزيز الاستيطان وتكثيفه لخلق أمر واقع في مفاوضات الوضع النهائي وضم اكبر قدر من الأراضي الفلسطينية لسيطرتها.

علينا كشعب أن نتنبه ونعي تماما خطوط اللعبة وما يحاك في الخفاء لمصير القضية الفلسطينية بعيدا عن المناكفات والحسابات الحزبية بين هذا الطرف أو ذاك، والاتجاه إلى توحيد الصف قلبا وقالبا لتحقيق وحدة الشعب الفلسطيني بعيدا عن المصالح الذاتية للأحزاب.