سيلاحظ المراقب للثورة في هذا البلد العربي أو ذاك أنّ اختلافاً بيّناً في ردّات الفعل الخارجيّة تضامناً أو تجاهلاً أو عداءً، وليس من قبل الدول أو الأحزاب وحسب بل من قبل الفرد الواحد أيضاً، فهناك من يقبل أن يغزو quot;أجانبquot; بلداً عربيّاً مثل البحرين وفي آن يستدعي حلف الناتو السيّء السمعة استنكاراً أن quot;يغزوquot; القذّافي ذاته بلده الذي هو ليبيا، وفيما كل إحتلال quot;أجنبيّquot; أو quot;وطنيquot; هو مرفوض إلاّ إنّ هناك من إذا حُشِر في ثنائيّة مغلقة فقد يختار إحتلالَ إبن البلد على احتلال الأجنبي، فالأوّل قد يقتطع من اللحم مكتفياً أما الثاني فقد يريد اللحم إلى العظم، وقد يكسر العظم أيضاً لامتصاص اللبّ، وفي إبادة شعوب دليل.

وهكذا تبرز إزدواجيّة المعايير أو الإستنسابيّة بأجلى صورها بشاعةً، وتجد في الجماعات والأفراد أو في الدول والمنظّمات والمستقلّين، كما ألمحنا، الكثير من هذه الإزدواجيّة، حيث على رغم العِلم إنّ الأميركي هو واحد فإنّ هناك من ينظر إليه مثنّى، فتكون مبارَكةٌ لسلوك الأميركي هنا وإدانةٌ للسلوك ذاته هناك، أي قبول الأميركيّ في ليبيا ورفضه في أفغانستان أو العراق والعكس صحيح، وحدِّث ولا حرج حيث هناك من يتآمر مع النظامين المنهارين تباعاً أي نظام بن علي أوّلاً ثمّ نظام حسني مبارك ضدّ الشعبين التونسي والمصري وينقلب ثائراً مع الشعب السوري ضدّ نظام بشّار الأسد، والعكس صحيح تماماً بلا زيادة أو نقصان، وقد يقول قائل أنّ الأنظمة مختلفة، وهذا حق، إنّما السؤال هو: أليس الشعب واحد؟.

وبخصوص الوضع السوري فمن لا يلاحظ أنّ بعض من يبكي، وربّما يتباكى فليس هنا موضع التقويم، تأثّراً بما يتعرّض له الشعب السوري من قمع، ذاته وبحسب ويكيليكس والوقائع الكثيرة طالما تملّق لإسرائيل لتغزو بلاده أو وهي تغزو بلاده وليس هنا كبير فرق عموماً بين التملّقين وتقتلَ أهله وتحشرَ في معتقلات من كُتبت له النجاة، أو مثلاً هناك من يلاحظ quot;دمويّةquot; النظام السوري، بحسب تعبيره، في تعامله مع المحتجّين ولا يلاحظ quot;دمويّةquot; زعيمه في تعامله مع المنشقّين عليه من رفاقه أو إخوته، وهناك من يلاحظ التوريث، وإنّ بشّار الأسد وريث، ويصبّ جام غضبه على التوريث وهذا حقّ أيضاً، إنّما متناسياً بوقاحة فظيعة أو غباء رهيب إنّه يركب الأبجر حصان أبي الفوارس عنتر ويصول ويجول في ميدان زعيمٍ وارث آخر طالباً المبارزة دفاعاً عن quot;وارثهquot;.

أو على هذا النحو يقول بوجوب حضور المرأة، ثمّ يهيم غراماً بالنظام الذي يئد المرأة، ويتنمّر لنظام يفسح هامشاً للمرأة، ولو هو هامش متنفّس منعاً لوقوع انفجار أكيد أي هو هامش شكلي مبدئيّاً.

وليس هنا محلّ تبرئة أو إتّهام أو تأييد أو رفض أو مع أو ضدّ، وإنّما فقط للإشارة إلى تناقضات مثيرة للعجب، والله من وراء القصد.

[email protected]