مقالتي التالية إستلهمتها من مقالة نشرتها إيلاف يوم 3-3-2008 لمدة ساعتين فقط . وبين ما كتب في تلك المقاله وما بحثته في كتاب الدكتور خليل عبد الكريم , جاءت المقاله التالية لتؤكد حقيقة أن المجتمع الجاهلي لم يكن جاهليا كما درسناه .. وأن وجود ديانات اخرى مهد وساعد في إنتشار الديانة الجديدة .. وأن من أهم ما ساعد على إنتشارها هو الغنائم الحربية التي كانت توزع بين جياع مجتمع طبقي بحت ..
أرجو بل وأتمنى أن يكون فضاء الحرية قد إتسع الآن بحيث تنشر كاملة لفترة أطول ..
حثني مقال الأستاذ سعد الله خليل الجذور التاريخيه للشريعة الإسلامية ndash; الشعائر التعبدية والإجتماعية في 8 سبتمبر 2007 على البحث والتقصي في كتب الدكتور خليل عبد الكريم.. ولكن بنظرة جديده موضوعيه ومجرده.. الرجل خريج الأزهر.. وقام بأبحاث عديده قبل أن يبدأ كتاباته..،بالتالي تأتي مصداقية أبحاثه من كتب التراث التي لا تزال موجودة وتدرّس في الأزهر ..ولكنها وللأسف تفرض على الدارس والباحث أن يقبلها كما هي بدون ربطها في سياق تاريخي أو إخضاعها للبحث العلمي المجرد .

..في كتاب الدكتور خليل عبد الكريم quot;قريش من القبيله إلى الدوله المركزيهquot; يبين بما لا يدع مجالا للشك بإختلاف كبير بين ما كنا درسناه بدءا من المرحلة الإبتدائيه وحتى يومنا هذا بأنه لم يكن هناك وجود فعلي ومحسوس قبل ظهور الإسلام لديانات أخرى في الجزيرة العربيه عدا عن اليهودية والمسيحية.. وأن النظام القبلي الجاهلي كان الوحيد السائد آنذاك.. حيث يؤكد الباحث بوجود وإنتشار ديانات أخرى بنسب متفاوته كانت عاملا مساعدا في تغيير الوعي الديني وقدمت دفعة كبيرة لتقبل الديانة الجديده ولتجاوز النظرة الوثنيه.. وأن هذه الديانات مهدت لعقيدة التوحيد..التي كانت العامل الأهم في توحيد القبائل العربية المتناثرة في الجزيرة , وإعطاء قريش السياده والقيادة التي كانت تطمح إليها وتحضّر لها من سنين خلت حين إستيقن زعماء قريش بدءا من قصي بن كلاب ( الجد الخامس للنبي ) ثم هاشم ثم عبد المطلب ( الجد الأول ) بأن النبوة هي الطريق الوحيد الذي سيضمن حماية قريش ورفعة العرب , كما اليهود والنصارى. على أن ينطق النبي الجديد بلسان عربي مبين.. وأن سيادة قريش وتميزها ورفع مكانتها بين القبائل لن يتم بدون وضع مادي متين يضمن لها إستمرار تدفق القبائل الأخرى للحج لكعبة مكه .. وليس لأي من الكعبات (23 كعبة ) الأخرى التي كانت موجودة في الجزيرة العربية .

في مجتمع شبه بدائي تلعب الخرافة والتهيؤات فيه فعل السحر..عمل العديدون على إذاعة احلامهم ونشرها بين المجتمعات القبلية عن طريق الكهنه.. والعرّافين لتعطيهم مصداقية بأنهم في طريقهم للنبوة بلا محالة.. كمثل أسطورة هبوط كائنات مجنحة شقّت صدر النبي وأخذت من قلبة قطعة سوداء ونظّفته وطهّرته تهيئة لمنحه النبوة .. وهي ذات الأسطورة التي روّج لها قصي بن كلاب . ثم عبد المطلب .. وأيضا الشاعر أمية بي أبي الصلت .
ويبيين د. خليل عبد الكريم في كتاب quot;فترة التكوين في حياة الصادق الأمين quot;quot; أثر السيدة خديجه في الدعوة .. سواء ماديا أم معنويا .. فثروة خديجه في بداية زواجهما كفت النبي عن العمل طيلة الثلاثة عشر سنة التي قضاها في مكة قبل الهجرة .. وأعطته الوقت الكافي للإتصال بأصحاب الملل وأتباع الأديان والمذاهب الأخرى...وأن ورقه بن نوفل إبن عم السيده خديجه كان قسا تحول من اليهودية إلى المسيحية , يقرأ العبرانية وكان ينقل أجزاء من التوراه إلى اللغه العربية.. وهو الذي بشر محمد بأنه نبي هذه الأمه.. وكان على إتصال وثيق به وعمل مع السيدة خديجه على تعريف النبي بالأديان الأخرى ..و برغم أن الفتره منذ زواج النبي بالسيده خديجه إلى إعلانه الرساله أي خمسة عشرة عاما تعتبر فترة معتمه في كتب السيرة ولا يسلط عليها الضوء..إلا أن أثر ثروة السيدة خديجة .. وتأثير إبن عمها ورقة بن نوفل يبدو واضحا جدا في حياة النبي وفي دعوته ..بحيث أن تأثره الشديد بوفاتهما جعله يسمي ذلك العام عام الحزن .. إضافة إلى إنقطاع الوحي لفترة طويله .

الأديان التي كانت موجودة آنذاك :
اليهودية

كتب د. حسن إبراهيم من أن اليهوديه إنتشرت في جزيرة العرب قبل ظهور الإسلام في اليمن كما انتشرت في وادي القرى وخيبر وتيماء ويثرب حيث كانت هناك قبائل بني قريظه وبني النضير وفينقاع. ويؤكد د. جواد علي على أسبقية اليهود في إستيطان يثرب.. ومعرفتهم بالقراءة والكتابه وأنه كانت لهم مدرسة أبوابها مفتوحه لمن يقصدها من طالبي العلم الديني.. خاصة من الحنفاء الميسوري الحال.. بينما كان العرب وعلى قول الرسول quot; نحن امة أميةquot;.. وإن كان د.جواد يؤكد على إنغلاق الديانة اليهوديه على أهلها وصعوبة قبولهم لآخرين بينهم.. وأنها ليست تبشيرية نظرأ لإحساسهم بالفوقية وبأنهم شعب الله المختار.. ولكن ومن المحتمل أيضا أن وجودهم ساعد في تهويد بعض القبائل. وأن إنتشار اليهوديه في يثرب ساهم في تجهيز عقلية القبائل الأخرى بفكرة الإله الواحد وبالتالي في إعتناقهم الإسلام بعد هجرة النبي وأملا في تحويل طريق القبائل لتمر من المدينة بما يعمل على الثراء الإقتصادي .. برغم أنه وعلى وعلى مدى ثلاثة عشرة عاما في مكه لم يؤمن به سوى بضع عشرات. وبرغم إعتراف الديانه اليهودية بنبي قادم إلا أنهم لم يتقبلوا رسالته.... وأن النبي قال quot; لو آمن بي ثلاثة عشرة يهوديا لآمن بي اليهود جميعاquot;.
أسؤا ما كان من عادات اليهود.. هو الربا.. وقد يكون أحد العوامل التي أغرت بعض القبائل للدخول في اليهودية لأن الربا ممنوع من الأقارب.. وقد يكون أيضا أحد العوامل المهمه التي أغرت القبائل الأخرى في الدخول في الإسلام.. لأن الإسلام حرم الربا وإن كان هذا التحريم جاء قبل وفاة النبي بأسابيع قليله, ويقال بأن آية التحريم نزلت في العباس بن عبد المطلب وخالد بن الوليد .
أما في موضوع المرأه في الديانة اليهودية والتي تبنى الإسلام العديد مما موجود فيها .. فالديانه اليهودية حقرت المرأه.. حين يشكر الرجل ربه على أنه لم يخلقه حمارا ولا كلبا ولا إمرأه.... وأن عادة الرجم التي إنتقلت إلى القبائل العربيه وأصبحت بمثابة عرف لم يحرمه الإسلام وإن كان قد نهى عنه( بينما يعتقد ويؤكد عمر بن الخطاب بأنها آية نسخت من القرآن وأن النبي عمل بها وإقتدى به الصحابة والآخرون ) .. هي أصلا مترجمه من قانون العقوبات لحمورابي ولكن عقلائهم نسخوها.. إضافة إلى أن فكرة حجاب المرأة موجودة في اليهودية أيضا . ..
يقول د. خليل.. من المعروف أن اليهودية شريعة متكامله لم تقتصر على نواحي العقيدة والعباده والأخلاق.. بل تناولت الحياة من جميع أقطارها ومن بينها الحدود.. بمعنى العقوبات الجنائيه والجزائيه , وكان عمر بن الخطاب هو الذي طردهم من الجزيرة.

المسيحيه..
يجب الإقرار بأن المسيحيه إقتصرت على نواحي العقيدة والعبادة والأخلاق.. وتركت العقاب للخالق وحده يوم القيامه. ويؤكد العميد الدكتور طه حسين بان العرب عرفوا النصرانيه بفضل من كان يصل إليهم من الرقيق والنصرانية تعترف علنا بالنبي المنتظر... أيضا أن من أشهر النصرانيين الذين تنبأوا بنبوة محمد الراهب بحيرى...
ويؤكد د. جواد علي أن الشعر الجاهلي قد حفل بالعديد من الأفكار المستمده من عقيدة النصارى مثل الإقرار بإله واحد..وهي ما تعتبر نقطة الإلتقاء بين الديانا ت الثلاث.. وأن ورقه بن نوفل كان مسيحيا.. كما أكدت جميع كتب التراث.. وأنه كانت هناك صورا للمسيح عيسى ولأمه مريم في داخل الكعبة.. وأن النصارى بقوا في نجران حتى خلافة عمر حيث أجلاهم تحت شعار لا يجتمع في جزيرة العرب دينان.

الصابئه
وهم قوم عدلوا عن الديانتين اليهوديه والمسيحيه.. وعبدوا الملائكه كوسيط للوصول إلى الله.. يصلون للشمس و الكواكب خمس مرات في اليوم. في ركعات وسجدات .ويتوضؤون قبل صلاتهم وحرموا لحم الخنزير والكلاب.. ولا يتزوجون إلا بشهود و أباحوا الطلاق.. بشرط وجود فاحشة ولا يراجع المطلق.. ولا يطأ إلا لطلب الولد.
ولكن أكثر ما يلفت الإنتباه هو فريضة صيامهم.. لأنها إمتناع كامل عن الطعام والشراب من الفجر وحتى غروب الشمس لمدة ثلاثين يوما .. بينما اليهودية والمسيحية إمتناع عن أنواع معينه من الطعام ولفترات معينه.. وأن الصابئة لهم أضحية يتقربون بها إلى الكواكب.. ويؤدون الزكاة.... وإعتقدوا بالتسامح كعاملا مهما في تأليف القلوب.. وأداء الحج بكل شعائرة من طواف وغيرة من الشعائر وتقديم الأضاحي . ولكن أهم دور لعبته الصابئه هو صهر مختلف العقائد التي تؤمن بالإله وتصوير التوحيد كمعنى شامل لا يتقيد باللفظ ولقد ورد ذكرهم في القرآن ثلاث مرات.

الحنيفيه
يؤكد د. خليل أهميتها ترجع إلى انها كانت حلقة في مرحلة الإنتقال من مرحلة ما قبل الإسلام إلى الإسلام.
وقد إعتنقها عديدون من الحكماء الذي سمت نفوسهم عن عبادة الأوثان.. وتميزوا بجانب سلوكي أخلاقي راق..حرموا الرذائل مثل الزنا وشرب الخمر ووضعوا حدا لمخالفيه وحرموا اكل الميته ولحم الخنزير.. والتعامل بالربا ووأد البنات..وأقروا صوم رمضان والإعتكاف في غار حراء للتعبد فيه..والإكثار من عمل البر وإطعام المساكين والفقراء.. وقطع يد السارق.. والغسل من الجنابه.. والإيمان بالبعث والحساب. أي بمعنى آخر أنهم أخذوا ببعض ما جاء في اليهوديه.. وإن رفضوا بعض أفعالها مثل الربا ووأد البنات..
وكانوا على درجة عالية من الثقافه والثروة , بعضهم تكلم العبرانية والسريانيه.. مما مكنهم من السفر لبلاد الشام بحثا عن دين إبراهيم الذي ذكرة القرآن بانه كان حنيفا.. ومن أهم رجالاتهم أميه بن أبي الصلت.. الذي تأمل في النبوة ولم يسلم.. و قس بن ساعدة الشاعر المعروف وعبد المطلب جد الرسول ( سلام الله عليه ) . يعتقد بأن الحنيفيه بدأت مع قصي بن كلاب الجد الأعلى للنبي .. ويعتقد بأنه المؤسس الأول قبل مائة وخمسون سنة من الدعوة .. عمل على نشر رؤاه خلال الحج لينشرها الكهنه والعرافين .. كان له بعد نظر حيث بنى دار الندوة لتنظيم وإدارة العلاقات ما بين القبائل وبين أفراد قريش من زواج أو ختان أو غيره .. نجح في تأمين إقتصاد مستمر ومتواصل حين جعل مكة مركزا كبيرا لإستراحة القوافل التجارية على طريق الخط التجاري بين الشام واليمن وعمل على عقد تحالفات مع القبائل الأخرى لتأمين سلامة هذا الطريق التجاري . إضافة إلى تشجيع وإقناع القبائل الأخرى على وضع آلهتهم وأصنامهم فيها ليضمن عودتهم للحج مرات ومرات على حساب الكعبات الأخرى . وطلب من قريش السكن حول الكعبة وإحسان وفادة الحجاج لها.
ومن بعده هاشم .. وعبد المطلب الجد الأول للنبي (سلام الله عليه) والذي يقال بأنه زعيم الحنفيين تفنن في نشر رؤاه بدءا بحلم عن الملائكة التي اخرجت النقطة السوداء من قلبه , ومرة أخرى بأن شخصا أو كائنا فوق الطبيعه أتاه ليحثه على حفر بئر زمزم .. أن هذا الكائن أتاه مرة ثالثه ليدله على الأضحية التي يجب عليه تقديمها شكرا لله و طلب منه التضحية بأحد أبنائه .. وهي القصة المشابهه لتضحية إبراهيم (عليه السلام ) وأنه قام بالفعل بمحاولة التضحية بإبنة عبد الله علنا في الكعبه حتى تدخل أبناء قبيلته وأعطوه كبشا ..؟؟؟
ومما لا شك فيه بأن ما عرفناه عن اخلاق النبي من ترفع عن عبادة الأوثان.. وصدق في المعامله.. وتعبد في غار حراء.. خاصة في شهر رمضان.. كلها تؤكد بتأثره بالديانه الحنيفيه. إضافة إلى ما تعلمه عن الديانات الأخرى من ورقه بن نوفل ومن المجتمع حوله.

الدهريون
أيقن معظم شعراء حقبة ما قبل الإسلام بأن الموت هو الحقيقة النهائية.. فربط الشعراء قضية الموت بالزمن ربطا وثيقا بحيث أضفى على الزمن-الدهر قوة مطلقة .. فالدهر يحي ويميت .. والدهر هو من ينزل بالإنسان النوازل .. حتى وصف بعض الباحثين شعراء الجاهلية بأنهم دهريون .. يقال بأنها كانت ديانة لبعض شعراء الجاهلية . ولا نستطيع إنكار وجودها او أثرها خاصة وأنها ذكرت في القرآن الكريم ثلاثة مرات ..
(وقالوا ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) سورة الجاثية.
أن سبّ الدهر كان عاماً وشائعاً بين الناس يومئذ، ولعل هذا ما حمل الرسول محمد (ص) على النهي عن سبّ الدهر، فقد جاء في حديث صحيح قوله (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر).

من كل ماسبق يستطيع القارىء أن يتبين بان الدين الجديد لم يكن إلا مكملا لكل هذه الديانات ولكنه نجح في رسالة التوحيد أكثر من بقية الأديان في ذلك الزمن. ولكن من حقنا في هذا العصر أن نضيف بان الهدف الأسمى لكل الديانات توحيد وتنظيم المجتمع لتخفف من عناء الحياة على الإنسان.. ولكن ما كان يمكن أن يصّدق في ذلك الزمان لا يمكن تصديقه في عصر الثورة التكنولوجية التي وصلت إلى القمر وإلى المريخ .. وبالتالي ما كان يصلح لذلك الزمان لا يمكن أن يصلح لهذا الزمان .. والأهم أنه وحين تصبح هذه الديانات مصدر فوقية وإستبداد على العقول .. فإن علينا أن نخضعها لكل التساؤلات.. حتى لا نسمح لمن نصّبوا أنفسهم كحراس للحقيقة بإستعمالها ضد أي شخص أو دين آخر.. على أنها الحقيقه المطلقه.