هذه هي أكثر العبارات التي يمكن أن تستمع اليها الأن في مجلس الشعب المصري، مجلس ما بعد الثورة quot;اجلس..أصمت..لا تتكلم!quot; هكذا لا يكف رئيس المجلس الجديد الدكتور quot;سعد الكتاتنيquot; عن إسكات نواب الشعب باستخدام هذا القاموس من كلمات المقاطعة.

برلمانquot; الكتتاتنيquot; لايختلف عن برلمان quot;سرورquot;من ناحية شكل إدارة الجلسة علي الأقل، كلاهما يتربع علي الكرسي فارضاً نوعاً من سطوة المنصب والمكان التي تؤل اليه مع أول جلوس له علي ذلك المقعد الوثير مقعد الشعب الذي اسخنته جراح المتأمرين عليه تحت قبة هذا المجلس في عهد النظام السابق علي الأقل.

الرئيس الجديد لمجلس الشعب يستخدم نفس عبارة quot;وبناء عليهquot; التي كان يشتهر بها فتحي سرور في بتر كلمات النواب وإنهاء محادثتهم أثناء الجلسة.. والعبارة ألت اليه تلقائيا، من دون تحسين أو تعديل، رغم أن هناك الكثير من تعبيرات اللغة العربية التي كان يمكن له ان يستعيض بها عن تعبير فتحي سرور الشهير والذي يذكّرنا بأسوأ انواع مجالس الشعب،ليس في مصر وحدها بل في العالم أجمع.

لا أفهم لماذا في مصر بعد أن يتم امتلاك الكرسي والتربع عليه تبدأ صناعة الفرعون من الفرق الخاصة التي تحيط بالمسؤول، فالملابس تصبح أكثر أناقة وفرق الحراسة تصبح أكثر قوة ومتانة والسيارة المخصصة له من دم الشعب تصبح من أغلي الماركات وأحدثها علي الإطلاق في بلد يعيش فيه 40% من سكانه تحت خط الفقر، عند هذا الحد تزداد سطوة المسؤول وسلطاته وتتغير عبارته الي عبارت الأمر والنهي: أنظر الي عبارات الدكتور الكتانتي التي وجهها الي أحد النواب في إحدى الجلسات الأخيرة لمجلس الشعب quot; أجلس..أنا أمرك بالجلوس.. أجلس وإلا طبقت عليك اللائحة.. فلتطبق عليه اللائحة..أخرج من القاعة quot; ويتم طرد عضو الشعب من القاعة ولا تعرف ماذا أنت بصدده هل هذا مجلس شعب ما بعد الثورة؟ أم مدرسة للتربية والتعليم؟

تحاول طوال الوقت وأنت تشاهد جلسات المجلس،أن تجمع شيئاً بين شتات الكلام أو أن تستخلص حقيقة من بين الكلمات المبتورة لنواب الشعب أو أن تمسك بطرف موضوع ما حتي تتكون لديك فكرة عما يجري، غير أن الأمر يصبح صعباً في ظل الدقيقتن المسموح بهما لشرح كل شئ، وبإنتهاء الزمن يصمت الميكروفون عن المتحدث، ولا يعد بوسعك سماع اي شيئ ويتحول المتحدث الي لغة الإشارة في محاولة لإكمال فكرته، عندئذ تصبح صورة المشهد عبثية ولا يخرجها من نطاق عبثيتها هذه إلا صوت رئيس المجلس وهو ينادي هذه المرة علي الأعضاء بالتزام أماكنهم وهم يتكدسون أمام الوزراء للحصول علي التوقيعات والتسهيلات التي تذكّرك علي الفور ببرلمان فتحي سرور.

لابد للسيد رئيس المجلس أن يفرق بين القول الجاد وفقط حب ظهور العضو،ولا ضير من السماح للعضو الجاد من ان يأخذ فرصته كاملة في التعبير عما يطرحه من لب الموضوع وهو أامر قد يحسم تلك الصورة الغير مرتبه والهزلية، فمن السهل أن يتم أاخثيار متحدث لبق واحد لسرد الفكرة في حال اتفاق أكثر من عضو عليها، لكن الإصرار علي الصورة العبثية التي ما فتئت تذكّرنا ببرلمان فتحي سرور هي سمة المجلس الحالي ولا ندري متي ستتغير؟.

كيف إذن للشعب ان يتابع صورة مجلسه في ظل مناخ الكلمات المبتورة؟ والأوامر والنهي عن الكلام؟،حتي ان الفضائيات أصبحت هي بديل المجلس في حرية الكلام، فنجوم المجلس بعد انتهاء يومهم في اروقته، يبدأ ليلهم في استديوهات الفضائيات، والأمر تحول برمته الي قصص مسلية تبدأ فيها مع ساعات الليل وتنتهي منها مع ساعات الصباح الأولي لليوم التالي، تستمع فيها الي كل أنواع والوان الكلام.. الي بطولات زائفة.. ومجد لانجده..واطروحات لاتبرح شفاه متحدثيها، لاتجد فيها غير الكلام، ليس هناك قرار واحد يريح الناس وكلما حدث حادث تهتز له مصرـ فإن خلاصة عمل المجلس جاهزة وسريعة وهو تشكيل لجنة quot;تقصي حقائقquot; للبحث في الموضوع، أكاد أن أجزم بأن الوضع في مصر تحول برمته الي quot;مكلمةquot; كبري وقصص اشد تسلية من قصص علي بابا والأربعين حرامي.

تابعت جلسة المجلس الأخيرة في مناقشة قضية هروب الأمريكان المحتجزين في قضبة ما يعرف بالتمويل الأجنبي وبغض النظر عن جديتها إلا أنها كشفت عن مهزلة حقيقة في فرض سيادة الدولة، التي أكد المجلس فيها أنه بصدد سحب الثقة من حكومة الدكتور الجنزوري لعدم كشف الحقيقة التي تستدعي محاكمة الفاعل في السماح للمحتجزين بالسفر،غير أن تدخل المشير حسم الأمر وانتهي بنا الحال علي بقائه كما هو فلا الجنزوري رحل، ولا الأمريكان عادوا، ولا الرئيس المخلوع ذهب الي سجن طره، ولا المجلس الذي كشر عن انيابه في حجب الثقة عن الحكومة قد نجح وتبقي مصداقيته علي المجلس علي المحك حتي إشعار آخر.

[email protected]