ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني الراحل، کان من اوائل الذين وصلوا الى طهران بعد سقوط نظام الشاه عام 1979، وقد استبشر أبو عمار خيرا بالثورة الايرانية و إعتبرها تغييرا و تحولا جذريا استثنائيا في الجغرافيا السياسية للمنطقة لصالح القضية الفلسطينية، لکن، و بعد مرور فترة قصيرة تأکد الزعيم الراحل من أن واقع الامر في طهران و خصوصا بعد ان إستتب الامر للخميني و تياره الديني المتطرف، يختلف تماما عن تلك الشعارات و التصريحات الطنانة و البراقة التي تطلق من طهران.

منذ الايام الاولى لإنحراف الثورة الايرانية عن مسارها و الاهداف الحقيقية التي إندلعت من أجلها، إتسم تعامل و تعاطي النظام الديني الايراني المتطرف مع مختلف القضايا و المسائل السياسية و الفکرية و الاجتماعية باسلوب المکر و الخديعة و الحيلة، فهذا النظام دائما يدعي و يقول شيئا لکنه وفي واقع zwnj;أمره يفعل أمرا مغايرا لما يقوله و يدعيه، وهذه حقيقة أثبتتها الايام و أکدتها للعالم إذ ان هذا النظام الذي وظف الدين بمکر و دهاء غير عاديين من أجل خدمة أجندته و أهدافه و مصالحه السياسية يتصرف دائما وفق هذه القاعدة التي المغرقة و المشرئبة دجلا و نفاقا و کذبا و قد قام وعلى هذا الاساس بممارسة مختلف اساليب المناورة و اللف و الدوران ازاء مختلف القضايا و الامور التي طرحت معه على مختلف الاصعدة.

تدخل النظام الايراني في الشأن الداخلي العراقي و الذي إتخذا أبعادا غير عادية بعد سقوط النظام العراقي السابق، أثار و يثير جدلا مستمرا بخصوص آفاق و أبعاد هذا التدخل الذي فاق التدخل الامريکي ليس بأشواط و انما بمراحل و بات يلقي بظلاله الکئيبة و السوداء ليس على الواقع العراقي الحالي فقط وانما على مستقبله أيضا، خصوصا وان هذا التدخل المفرط قد بلغ مستوى غير مسبوقا عندما صار هو الحاکم الناهي و المحدد لما يجب أن يکون.

الحکومة العراقية التي تعترف و بعظمة لسانها و على أعلى المستويات بالتدخل الايراني و عدم تمکنها من مواجهته وانما هي مضطرةquot;رغما عنهاquot;لمسايرته و التجاوب معه، ولعل تصريحات رئيس الوزراء نوري المالکي بخصوص قضية معسکر أشرف و کون الحکومة العراقية لاتملك خيارا سوى التجاوب مع الضغوط الايرانية و الاستجابة لها کي تأمن شرها و تحدد من سقف تدخلها، وهو أمر يثير أکثر من تساؤل و توجس و يعکس واقع حال غريب بات يتجسد اليوم في العراق، وان قضية معسکر أشرف التي هي اساسا قضية تتعلق بمعارضين إيرانيين للنظام الديني القائم في طهران تسعى الحکومة العراقية لجعلها قضية خلافات بين جهة سياسية إيرانية و بين العراقيين و تدفعها بإتجاهات تحجمها و تحددا في أطر ضيقة.

قضية معسکر أشرف التي مرت بملابسات و تطورات متباينة منذ ان بدأ النظام الايراني بالتدخل غير المحدود من أجل تصفية المعسکر او إغلاقه على أقل تقدير، وحتى بعد أن أبرمت مذکرة التفاهم الخاصة بالحل السلمي لقضية أشرف بين الامم المتحدة و الحکومة العراقية فإن النظام الايراني لم يسمح بأن تطبق بنود مذکرة التفاهم کما تم تحديدها و بات يتدخل يمينا و يسارا في سبيل تحريف و تشويه الاتفاق و جعله يسير بإتجاه غير إتجاهه الصحيح و هذا تجسد جليا في دفع و تحريض الحکومة العراقية لکي تجعل من المعسکر الجديد المعد لسکان أشرف مجرد سجن.

معسکر ليبرتي الذي تم لحد الان نقل 800 من سکان أشرف إليه على وجبتين مختلفتين، وضعت فيه کل التدابير التي تضمن تضييق الخناق على الوافدين و إضفاء أجواء بوليسية أمنية مشددة على داخل المعسکر ناهيك عن إفتقاد ليبرتي الى الخدمات الاساسية و تأکد ذلك للأمم المتحدة لکن من دون أن تحرك ساکنا، والامر الذي يضايق الوافدين الى ليبرتي بشدة هو تواجد القوات العراقية داخل المعسکر وهو مايناقض کل الاعراف و القوانين المتعارف عليها بشأن التعامل مع اللاجئين السياسيين في کل أرجاء العالم، وقد طالب سکان أشرف و ممثليهم مرارا و تکرارا بسحب القوات العراقية المتواجدة داخل المعسکر خصوصا وان هذه القوات قد تم إختراقها من قبل النظام الايراني، غير ان الحکومة العراقية لم تأبه إطلاقا لهذا الطلب المشروع و تصر على المضي قدما بخطواتها التعسفية إرضائا للنظام الايراني، المطلوب اليوم من المجتمع الدولي بصورة خاصة هو قطع يد النظام الايراني و عدم السماح بالتدخل في مسألة الحل السلمي لقضية أشرف و توفير أجواء و شروط الحد الادنى في مخيم ليبرتي لکي تتم عمليات نقل بقية سکان أشرف في وسط اجواء آمنة و مطمئنة وان هذا الامر هو من صميم واجبات المجتمع الدولي و منظمة الامم المتحدة.

[email protected]