عيد نوروز، عيد اليوم الجديد وهو أول يوم من السنة في التقويم الكردي الذي يبدأ بسبعمائة عام قبل الميلاد، وهو اليوم الحادي والعشرين من أذار في التقويم الغربي، يوم يتساوى فيه الليل مع النهار ويحتفل الشعب الكوردي به منذ آلاف السنين باعتباره عيداً قومياً ووطنياً.
والأمة الكردية تحتفل بهذا العيد القومي في كل أجزاء كردستان الكبرى الموزعة على تركيا والعراق وايران وسوريا بفعل مخطط دولي عند انهيار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى، وتجري مراسيم الاحتفال بيوم نوروز في كل مدن كردستان وبهذه المناسبة توقد مشاعل النار رمزا للحرية التي تذكر باشارة نجاح ثورة الربيع الكردي قبل الفين وسبعمائة سنة التي انطلقت ضد ملك مستبد وظالم وجائر محطما جسد الحاكم القاتل الذي كان يفتك بارواح شباب الكرد، ويساهم بهذا العيد كل فرد قادر على المساهمة والمشاركة الجماعية العفوية في الدبكات وحلقات الرقص والاستعراضات والمهرجانات والسفرات التي تقام بهذا اليوم الوطني، والشعب الكردي المضحي من أجل نيل الحرية والكرامة والاستقلال يقيم مهرجان الأفراح وكرنفال المباهج بهذا اليوم المجيد ايمانا منه بعظمة هذا العيد المتوراث من أجيال سحيقة وكتقليد تاريخي من التقاليد القومية التي تجسد ثورة الشعب ضد القمع والاستبداد والظلم.
وقبل سنوات أقرت الأمم المتحدة عيد نوروز كمناسبة دولية على المستوى العالمي، ومنذ أعوام يقدم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كلمة تهنئة بهذه المناسبة الى الشعوب والامم التي تحتفل بهذا اليوم في آسيا والشرق الأوسط وبعض اجزاء اوروبا، ويقدر عدد المحتفلين بعيد نوروز بحوالي اربعمائة مليون نسمة في ايران وتركيا والعراق وافغانستان وباكستان وكازاخستان وبعض الدول المتحررة من الاتحاد السوفيتي السابق وجاليات منتشرة في اغلب بقاع العالم.
ويحتفل بهذا العيد اضافة الى الكرد quot;الفرس والأذربيجانيون والأرمن والبلوج والأفغان والطاجيك والأوزبك والتركمان والكازاخ، وهنالك شعوب أخرى تعتبر هذه المناسبة عيداً (قومياً-وطنياً)، ولكن لا مبالغة ان الكرد من أكثر الشعوب التصاقاً بنوروز، والعثمانيين طوال فترة حكمهم للقسم الأكبر من كردستان حاربوا نوروز وتقاليده بعنف، في ان المسلمين في عصور الراشدين والأمويين والعباسيين لم يعادوا نوروز، بل تقبلوه ولم يبادروا الى منعه لدى المعتقدين به، الا ان الأمة الكردية لم تنسى تراث نوروز، فهنالك اعتقاد شعبي راسخ تتجه الكثير من الأبحاث لتأصيله وتعميقه، يقول بان نشأة هذا العيد وتقاليده يعود بأصله الى جغرافية كردستان، وأقوام زاكروس هي أولى الأقوام التي احتفلت بنوروز وواصلت الاحتفال بهquot;.
وكما جاء في الموسوعة العالمية quot;ويكيبيدياquot; فان يوم نوروز عند الكرد يعتبر عيدا قوميا يحتفلون به في جميع أنحاء العالم،. وفي كردستان العراق يعتبر مناسبة رسمية تعطل فيها المؤسسات والدوائر الحكومية والاهلية قبل العيد بيومين ولمدة اربع ايام ويتم ايقاد شعلة نوروز في كل المدن الكردية، ونوروز الذي يصادف اليوم الأول للسنة الكردية (الحادي والعشرون اذار)، هو العيد القومي لدى الشعب الكردي وعدد من شعوب آسيا، وهو في نفس الوقت رأس السنة الكردية الجديدة حسب التقويم الكردي، وهو من الاعياد القديمة التي يحتفل بها الكرد والفرس والاذريين، وهو يصادف التحول الطبيعي في المناخ والدخول في أول شهر فصل الربيع الذي تتجدد فيه الحياة حسب ثقافات الشعوب المحتفلة بنوروز، ولكن هذا العيد يحمل لدى الكرد بعداً قومياً لارتباطه بقضية التحرر من الظلم وفق الأسطورة التي تشير إلى ان اشعال النار كان رمزاً للانتصار والخلاص من الظلم الذي كان مصدره أحد الحكام المتجبرين.
والأمر المميز في عيد نوروز، أن اغلب الباحثين المختصين بعالم الأساطير والتاريخ القديم يتفقون على أن نوروز هو احد أقدم الأعياد في تاريخ البشرية، وفي التاريخ القديم لبلاد ما بين النهرين يشير أكاديمي مختص بالأساطير الى ان عيد (ديموز) المعروف لدى السومريين هو ذاته عيد نوروز، ويضيف بان هنالك أجماعاً لدى علماء الآثار والتاريخ بان السومريين قد نزحوا من كردستان الى جنوب ما بين النهرين، ويستدل للرابط بين (ديموز) و(نوروز) بان الاثنان يقامان في نفس اليوم حسب التقويم الشمسي ولهما نفس الأبعاد الدلالية من حيث اعتبارهما اليوم الأول من العام الجديد وبداية فصل الربيع.
ويشير احد المصادر الى ان ونظراً لقدم عيد نوروز، فقد دارت حوله الكثير من الأقوال والحكايات والأساطير، منها ما يقول بان نوروز هو يوم بدء الخليقة، يوم هبوط النبي آدم (عليه السلام) على سطح الأرض، ونظراً لثراء تراث نوروز وتشعباته الميثولوجية وعمقه التاريخي، فقد قامت العديد من الأسر الأمبراطورية (كالاخمينية الفارسية والساسانية الكردية)، بدمج تاريخها مع تراث نوروز، واختطت لها تاريخا خاصاً على هامش هذا التراث لتضفي لنفوذها هالة قوة مضافة لها جذورها العميقة لدى شعوب البلقان والقفقاس وآسيا الوسطى والغربية.
وهنا لا بد ان نؤكد أن ما حصل في يوم نوروز قبل الميلاد بسبعمائة عام هو فعلا ثورة شعبية وربيع كردي ضد نظام الحكم المستبد الظالم في ذلك الزمن، وهذا الحدث المدون في التاريخ قد يمنح الكرد السبق في انطلاق اول ثورة في تاريخ البشرية باعتبار نوروز من اقدم الأعياد في تاريخ الانسان حسب ما يذهب اليه المؤرخون في هذا الاتجاه، ولهذا بالرغم من احتفال شعوب وأمم كثيرة بهذا العيد تبقى الخصوصية الكردية ملتصقة بهذا اليوم لأن الكرد فجروا ثورة عظيمة في معانيها لنيل الحرية والكرامة ضد الاستبداد والجور والعبودية، وبحق يستحق ان يقال ان الكرد صاحب أول ربيع لثورة الحرية التي ناضلت من أجلها أغلب شعوب العالم، وبهذا الحدث العظيم تقدم الأمة الكردية مساهمة عملية كبيرة في مسار التاريخ الانساني للثورات.
ولهذا من حق الكرد والشعوب المحتفلة بهذا اليوم التعبير عن الفرح البهيج بكل مشاعره من خلال تقديم التهاني وارتداء أجمل الأزياء الزاهية، واقامة الدبكات والمهرجانات، والخروج المبكر مع صبيحة يوم نوروز الى الطبيعة والمروج الخضراء للاحتفال وتمضية هذا اليوم مع الطبيعة، وهذا التقليد السنوي الجميل حدا ان تكون هذه المناسبة ركنا أساسيا من أركان المكونات القومية والشعبية للامة الكردية، وان يكون جزءا أساسيا من التكوين التاريخي والتراثي والروحي والفكري والسلوكي الجماعي للكرد، وان يكون جزءا فعالا من التراث الانساني المفعم بالخير والتفاؤل والفرح والزهو والأمل والاحساس العميق بالحرية.
لهذا وبمناسبة نوروز، وبمناسبة الذكرى 2711 للربيع الكردي التاريخي المنطلق قبل الميلاد، نتقدم بتهنئة من اعماق القلب لكل انسان يحتفل بهذا اليوم البهيج، ولكل ابناء الأمة الكردية في كردستان الكبرى واينما كانوا، ولكل ابناء الأمة العراقية التي تشارك الشعب الكردي احتفاله بهذا العيد القومي والوطني وهي الأمة التي أطلقت اول ربيع للثورة في العالم العربي سنة 1991، ولكل انسان مناضل من أجل نيل الحرية والكرامة، وتهنئة وتحية كردية وعراقية مطعمة بنسمات يوم نوروز لكل انسان شارك ويشارك في ثورات الربيع العربي، ودعاء من القلب لانجاح ثورة الشعب السوري الذين أطلقوا يوم ئازادي ئازادي، وخير ما نختم به المقال قول الله تعالى quot;وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْquot;.
تمت الاستفادة من المصادر التالية:
موسوعة ويكيبيديا
طارق كاريزي، مجلة صوت الاخر، العدد 332، ثقافة نوروز.