إذ لم يدرك قادة جماعة الإخوان المسلمون وكوادر حزب الحرية والعدالة المنبثق عنها بشكل أو بآخر أن الأداء السياسي الذي دأبوا عليه سواء فيما يختص بمجلسي الشعب والشوري أو علي مستوى علاقاتمها بالقوي السياسية التى تحالفوا معهم أو الشعبية التى بذلوا لها الوعود والمواثيق ، جاء مخيباً للآمال..
فعلينا أن نقول لهم بصريح العبارة..

أنهم كانوا سياسياً وأجتماعيا ، بعيدون كل البعد عن مستوي الطموحات التى توقعتها الغالبية العظمي من إبناء شعب مصر منذ أن تولي الحزب رئاسة المجلسين ، لأنه تركز فقط في دائرة تلبية أهدافهم الخاصة في الإستحواذ علي مفاصل الحكم في مصر..

لأن هذا الأداء إفتقد مبدأ المشاركة الذي قالوا إنهم حريصون علي إعلاء شأنه بعد أن quot; عانت البلاد من سياسات الحزب الوطني quot; التسلطية التى تعمدت لسنوات طوال أن تحتكر وحدها صنع القرار.. مما جعل قوي الشعب السياسية والإجتماعية وبعض التيارات الإسلامية تسارع بقوة إلي رفض سعيهم لإمتلاك ناصية رئاسة الوزارة والترشح لمنصب رئيس الجمهورية ، حتى لو احتجوا بتجربة حزب التنمية والعدالة في تركيا ، لسببين..

الأول.. أن خلفيات المجتمع المصري وأجواؤه الحالية لا تعطي مجالاً رحباً لخوض مثل هذه التجرية ، فحياته السياسية تحت حكم الحزب الواحد ممتدة وطويلة مما يجعله في حاجة ماسة إلي منظومة امشاركة لكي يتخلص منها بالتدريج من ناحية وإلي ترسيخ مبادئ وثقافة التداول السلمي للسلطة من ناحية أخري..

الثاني.. أن تجربة جماعة الإخوان المسلمون في إدارة العملية السياسية بدأت فقط قبل نهاية شهر يناير الماضي ، وليس هناك مجال للتحجج بتاريخهم الطويل في العمل الخيري والدعوي ونجاحهم في تسيير بعض الشركات ومراكز الانتاج ، لأن إدارة الدولة شئ مختلف جملة وتفصيلاً عن مثل هذه النماذج من الإدارة..
ولنترك جانباً مسعي رئاسة الوزارة ومطلب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية..

فالملاجظ أن القوم..
بدلاً من أن يعرضوا ويمارسوا منهج جديد في التعامل مع مشاكل الوطن التي تتفاقم كل يوم.. منهج وممارسة ينطلقان من قاعدة التعاون العملي مع الآخرين.. ويهدفان إلي إرساء مجموعة من قواعد العمل السياسي القائم علي تبادل الآراء فيما يعود بالنفع العام علي المجتمع المصري بكل أطيافة السياسية وخلفياته الثقافية ومعتقداته الدينية.. تعاون يركز علي العمل والإنتاج والإستثمار والإستغلال الأمثل لطاقات الشباب وحماسهم! يثمر خطة قصيرة الأجل ذات أهداف قابلة للتنفيذ وفق آليات واضحة المعالم وبرنامج زمني معلن..
رتبوا لقيام مظاهرتين مليونيتين إحداهما جرت فعلاً يوم الجمعة 13 الماضي والثانية يخططون لقيامها يوم الجمعة القادم..

هذه الدعوة تبرهن بجلاء علي أن قيادات جماعة الإخوان المسلمين وكوادر حزبهم السياسي ، لم يدركوا بعد حجم الخسائر السياسية الضخمة التى لحقت بهم منذ منتصف العام الماضي وحتى اليوم بسبب إصرارهم علي تباع هذا المنهج ، وهي كما يلي..

-خسروا تحالفاتهم مع القوي الليبرالية والقومية التى سعوا إليها قبل إنتخابات مجلسي الشعب والشوري وكونوا جبهة واسعة معهم..
-وخسروا جانب كبير من ثقة الجماهيرة العريضة التى ظنت أن فوز التيار السياسي الإسلامي بالأغلبية البرلمانية سيمثل أولي خطوات التقدم في مسار الديموقراطية الحقيقية كأحد أهداف ثورة يناير 2011..

-وفشلوا في إنقلابهم علي الحكومة الإنتقالية برئاسة الدكتور كمال الجنزوري بعد ان كانوا من اشد المتحمسين لها ولم يوفقوا في انتزاع حقهم في تأليف جكومة برئاستهم ، لأن مطلب التكليف لا زال حتى اللحظة الراهنة بيد المجلس الأعلي للقوات المسلحة..

-ولحق بالكثير من جوانب صورتهم المشرقة ، التذبذب الملحوظ بعد أن نكصوا تعهدهم بعدم تقديم مرشح يمثلهم في سباق الفوز بمنصب رئيس الجمهورية..
لذلك جاء ما وصف بأنه تصادم وشيك مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة ، ليناً لم يصدقه حتى البسطاء من الناس لما أحاطه من إدعاء..
كنا نتوقع ان يدفعهم حكم المحكمة الإدراية العليا ببطلان تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور بهيكلها الذي أصروا علي فرضه كـ quot; أغلبية برلمانية quot; علي كافة القوي السياسية العاملة في الساحة وعلي كل القوي الإجتماعية وعلي جميع المفكرين والمثقفين وحتى القانونيين.. إلي الإعتراف بخطأ تفكيرهم في هذا الخصوص ، ولكنهم بدلاً من ذلك دعوا إلي تظاهرة لم يترتب عليها سوي الهتاف والتنابذ بالألقاب..

كنا نتوقع منهم أن يبادروا إلي تجميع القوي الليبرالينة والثورية حول مائدة نقاشية يكون هدفها الأول والأخير هو كيف يمكن نقل البلاد إلي الشرعية الثورية بالتدريج وعلي أكتاف كل القوي السياسية والاجتماعية بلا إستثناء ، قبل أن تنجرف مصر أكثر وأكثر ناحية الخطورة المجتمعية المتمثلة في التناحر والتضاد بين اشرائح التى يتشكل منها المجتمع ، وقبل أن يتحول الإنسداد السياسي الذي تعاني منه البلاد إلي طوفان يأخذ في طريقة ما بقي من ثقة في القوي السياسية التي ظن الشعب أنها قادرة علي مساعدته علي تحقيق باقي أهداف الثورة التى قام بها الشباب وأيدتها جميع الفئات بلا تحفظ..

ولكنا فوجئنا بدلاً من ذلك بالتظاهرة التي لم تثمر أي فعل ايجابي يعود بالنفع علي المجتمع وفي مقدمته اهداف الثورة..
يندد التيار الاسلامي السياسي بكل أطيافه ببعض مواد الإعلان الدستوري الذي روجوا ndash; قبل إستفتاء يوم 19 مارس 2011 - أن من سيؤيده بـ quot; نعم quot; سيدخل الجنة ومن سيتعترض عليه بـ quot; لا quot; فسيكون مصيره إلي النار.. لأن مادته الثامنة والعشرون توفر حماية وصيانة quot; دستورية quot; لقرار اللجنة العليا المسئولة عن وضع وتتنفيذ ومراقبة آليات إنتخاب رئيس الجمهورية ، فهو غير قابل للطعن..

ويندد التيار الإسلامي بالمادة التى تَنص علي إستبعاد المرشح المتنافس إذا ثبت أن أحد والديه تجنس بجنسية أجنبية ، بعد أن رحبوا بها ووافقوا علي تعديلها ، عندما طبقت بحذافيرها التى تم الإستفتاء عليها بنعم علي مرشح الحزب السلفي..

ولم يتعرضوا علي الحصار البشري الذي قام به أنصار الشيخ حازم أبو إسماعيل حول وداخل أروقة مجلس الدولة ، وتركوا لهم الحبل علي غاربه عندما سارعوا بمحاصرة مقر اللجنة العليا للإنتخابات إلي الحد الذي هدد حياة فئة من أفضل المستشارين القضائيين مما استوجب إستدعاء قوات الجيش لتوفير الحماية لهم..
علي المنددون أن يعوا تماماً أن الشعب المصري لن يرضي بعد الآن أن يُولي أمر إدارة مفاصل الدولة ، لفصيل سياسي واحد تحت أي شعار ديني أو ايديولوجي.. كما لن يترك زمامها رهناً لمشيئة البندقية..

علي المنددون أن يعوا تماماً أن الشرائح العريضة من الشعب المصري التى صوتت إلي جانب مرشحي التيار السياسي الإسلامي عندما ذهبوا إلي صناديق الإقتراع لإختيار ممثليهم النيابيين في مجلسي الشعب والشوري ، ليست راضية عن إدائهم ولم يشعروا بعد بالإطمئنان لمستقبل قدراتهم علي إدارة المؤسستين التشريعيتين لا علي مستوي الداخل ولا علي مستوي الخارج.. خاصة بعد التطمينات التى بذلوها لواشنطن دون أن يبادروا لتوفير نفس المستوي من التطمينات علي المستويين العربي والإسلامي..
من جانبي..

لا أعتقد ان التظاهرات يمكن أن تعيد ما فُقد في أروقة السياسية..
وفي نفس الوقت أنا علي ثقة تامة أن قادة جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي ، قادرون علي تقييم أداء كوادرهم علي المستويين الشعبي والرسمي.. وعلي قياس مدي كفاءة منهجهم في التعامل مع القوي السياسية الحاكمة لحركة الشارع المصري..

ويبقي الفيصل بيننا..
أن يقتنعوا أن العودة بنفس القوة إلي ساحة التأثير السياسي في عموم مصر تستلزم منهم..
1 - إحترام الشرعية الثورية ، دون القفز عليها أو محاولة إحتوائها..
2 ndash; العمل علي ترسيخ قيمة القانون ، دون الإصرار علي الإنفراد بساحته..
3 ndash; المشاركة في وضع الخطوات والآليات اللازمة للإنتقال الآمن بمصر من حالة البعثرة والتشرذم التى تعيشها في هذه الأيام والتى تؤثر سلباً علي أمنها القومي بكل مشتملاته ، إلي حالة الإستقرار والأمان التى تستحقها..

bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا
[email protected]