في كثير من الاحيان يحتاج المرء الى وقت quot; مستنفذ quot; لاجل الوصول الى درجة اليقين في موضوع معين، ومع اليقين المترسخ بان موقف دول الخليج العربي من العراق الجديد وطريقة التعامل معه ستبقى تحمل معها علامة استفهام كبرى على المدى القريب وايضا البعيد، فان دول معينة مثل السعودية وقطر سجلت ريادة غير مبررة وغير مقنعة في قيادة هذا التوجه اتجاه العراق الجديد، وبالتالي عليها تحمل النتائج السلبية والتداعيات القريبة والبعيدة مع العراقيين كشعب ومع العراق الدولة، الاأذا رأت هذه الحكومات ان العراق هو مجرد طائفة معينة لااكثر وان كانت هذه الطائفة أقلية اجتماعية وديمغرافية وهنا الكارثة نفسها.

ويبقى الموقف القطري المعلن قبل واثناء وبعد القمة العربية في بغداد يثير اكثر من علامة استغراب ويحفز كل عوامل الدهشة وفي احيان اخرى عوامل الضحك من النوع المبكي، فقد دست قطر أنفها في الشأن الداخلي العراقي وبشكل متقدم وعلني هذه المرة ومن خلال تصريحات ومواقف من جهات رسمية واعلامية وبشكل متتالي تجاوز كل الحدود السابقة، مما لاشك فيه ان في هذه المنطقة يوجد وقائق جديدة لكن هذه الوقائع لاتلغي الحقائق الكبرى في منطقتنا فاذا كان العراق اخذ حوالي تسعة سنوات حتى الان وهو يعيد بناء دولته الجديدة، على أسس ديمقراطية ودستورية فان مثل تلك الفترة التي تبدو طويلة في الحسابات الشخصية هي فترة جدا طبيعية في بلد كان يحكم بدكتاتورية الاقصاء والتفرد لعقود طويلة مستمدة من قرون اطول، وايضا جدا طبيعية مع شعب صعب المراس وصعب المزاج مثل الشعب العراقي وهذه ميزة تسجل له وليس عليه كما يعتقد البعض، وايضا غياب نقاط ارتكاز اساسية في عالمنا العربي مثل مصر وسورية وليبيا واليمن والسودان لاتعني بالضرورة ان المساحات والطرق اصبحت سالكة امام قطر ان تتجاوز حقائق التاريخ والجغرافية والقوة التي تتحكم بهذه المنطقة منذ وجودها الاول.

وبالرجوع الى التدخل القطري في الواقع العراقي، فان قطر ترتكب خطأ ستراتيجي فادح غير محسوب العواقب اطلاقا، بداية قطر وقبل كل شيء لاتملك اي عوامل تاثير في الداخل العراقي مع الاخذ بنظر الاعتبار ثرواتها المالية الفائضة عن حاجة ساكينها وايضا امتلاكها لقناة الجزيرة المترنحة في وقتنا الحالي، من الواضح ان القراءة التاريخية للشخصية العراقية غائبة تماما عن طاولة وفكر صاحب القرار القطري المنتشي بدور هنا وهناك بين ليبيا وسورية وتشاد والسودان وغزة والضفة الغربية !! الواقع الصارخ ان قطر ليس عامل مؤثر في المنطقة ولاحتى مشارك برسم خطوط العرض والطول بهذه المنطقة العصيبة والمعقدة بل قطر مرسوم لها ان تقوم هنا وهناك بدور quot; كماشة النار quot; التي يستخدمها صاحب القرار الفعلي من ابناء دوائر العم سام ورموزها وذيولها المعروفة.

ومن باب الاقتباس المجازي وعلى طريقة quot; العصا الحجاجية quot; التاريخية الشهيرة، كمواطن عراقي لن اذهب الى بابل والحرف الاول والدولة الاولى في التاريخ لان ذلك لايعني شيئآ في فكر البعض مقارنة بسوق quot; واكف quot; القطري في عصرنا الحالي، وايضا لن اذهب الى ان وطني موطن ابي الانبياء ابراهيم quot; عليه السلام quot; فان ذلك قد لايعني شيئا في فكر البعض امام ثروات الغاز القطري في عصرنا الحالي، ولن اذهب الى ان العراق بلد الانبياء وبلد تأسيس ونشئة وانطلاق كل المذاهب الاسلامية فذلك لايعني شيئا امام تصريح قطري خطير انطلق قبل حوالي شهرين يقول نصا quot; ان الفكر الوهابي يجب ان يسود في المنطقة لانه الاصلح !!quot; وايضا لن اذهب الى ان العراق بلد ال الصدر والعلم والحكيم والفقه وبلد الجواهري اخر شعراء العصر العباسي وبلد علي الوردي وعبد الرزاق الحسني فقد يقول قائل كل ذلك لايعني شيئا امام القرضاوي quot; قطري الجنسية quot; وهو يملك منصب ديني عالمي !! وامام quot;المفكر العربي quot; عزمي بشارة عضو الكنيسة الاسرائيلية quot; سابقا quot; قطري الجنسية حاليا !!
ولن اقول عندنا اولادنا يمثلونا في الرياضة نشأت وسامال ويونس فالرد جاهر عندهم سيزار وايمرسون !!

كل هذه الحقائق ورغم ضعف الكهرباء والخدمات في بلدنا لكن هذه الحقائق عبارة عن quot; جينات تاريخية quot; في الدم العراقي تستفز وتستنفر في اول مواجهة تمس العراق والعراقيين وبغض النظر عن اختلافاتنا السياسية الداخلية رغم ان هذه الاخيرة ايجابية يفتقدها الاخرون، كيف للعراقي ان ينسى ولو للحظة ان في بلده مراقد علي والحسين quot; عليهم السلام quot; ائمة الهدى وال البيت الكرام !!وكيف يمكن تجاوز ان 12 مليون ناخب عراقي خرجوا ليوم الانتخابات فقط بما يعادل خمسين مرة اضعاف العدد الكلي لسكان هذا البلد او ذاك !! العراق ليس ساحة مفتوحة لالقطر ولا لغيرها فمن السهل ان تمد يديك في النار لكن ليس من السهل التعامل مع نتائج مثل هذه الخطوة المتهورة، ثم ان عقارب ساعة العراق لن تعود الى الوراء باي حال من الاحوال فقد انطلقت منذ نيسان 2003 في طريقها الصحيح والصائب. لذلك يسافر السيد الطالباني الى الخارج وهو غير خائف من انقلاب احد اولاده عليه ونفس الشيء ينطبق على السيد المالكي. واعتقد ان هنا تكمن خطورة العراق الجديد على الاخرين.

محمد الوادي
[email protected]