لم استغرب الموقف الامريكي الرسمي من قضية سكان مخيم اشرف ونقلهم الى ( ليبرتي ). لقد بات معروفا ان القوات الامريكية قد احتلت مخيم اشرف ونزعت الاسلحة من مجاهدي خلق المعارضة لنظام الملالي في ايران , مقابل حمايتهم , وظل هذا الحال حتى خروج هذه القوات من المدن العراقية منتصف عام 2008 , وقامت القوات العراقية بتفتيش مخيم اشرف مرة ثانية مستخدمة الكلاب البوليسية بحثا عن اسلحة قد تكون مخبأة في جنبات المخيم المحاصر على مدار اليوم والليل. وعندما قررت الحكومة العراقية المؤتمرة بأوامر نظام الملالي في ايران واوامر قائد قوات القدس ( قاسم سليماني ), والذي قد يرشح نفسه الى انتخابات الرئاسة المقبلة في ايران , عندما قررت حكومة المالكي نقل الاشرفيين الى معسكر ( ليبرتي ) الذي استخدمته القوات الامريكية ( 2003 ـ2011 ) , وهو معسكر اصابه التلف نتيجة الاستخدام ونتيجة السرقة التي طالته عقب انسحاب القوات الامريكية من العراق نهاية 2011.

لقد كان القرار حاسما فاما الرحيل من مخيم اشرف او ملاقاة المصير الاسود , اي القتل والتشريد كما حصل في مجزرتي 2009 و 2011 اللتين راح فيهما 49 قتيلا واكثر من الف جريح. ومن اجل ابداء حسن النية , وتجنب مجزرة جديدة وافق الاشرفيون على الانتقال الطوعي الى مخيم ليبرتي وهو بالاحرى سجن ليبرتي. وقد تم نقل خمس وجبات تحت ظروف قاسية اي في حر الصيف اللاهب , وتحت ظروف امنية قاسية الهدف منها تعذيب الاشرفيين من النساء والاطفال , وخلال تلك الوجبات منعت الحكومة العراقية ادخال الكثير من حاجيات السكان الخاصة او العامة مثل مولدات الكهرباء ومصفيات الماء اي اجهزة الفلترة وكذلك السيارات الخاصة او سيارات الخدمات مثل الصهاريج لنقل الماء او نقل المياه العادمة. ولم يكتف المشرفون على نقل الاشرفيين التابعين لمكتب المالكي بمنع ما تقدم ذكره , بل منعوا ادخال الكتب واشرطة الموسيقى والشعر والالات الموسيقية , كما منعوا اشتال الزينة والزهور امتثالا لتعليمات الجهلة من الطائفيين المتزمتين الذين يرون في الفن والثقافة فسق وفجور, اما الشعوذة والفتاوى التي توفر للملالي اشباع شهواتهم وملذاتهم فهي محللة ومباحة, مثل زواج المتعة الذي يغري من خلاله نظام الملالي الشباب المسلم لكي يؤمنوا بهذه المعتقدات الجاهلية المقيتة.

ورغم انتقال اكثر من 2000 فرد الى سجن ليبرتي ويعيشون في ظروف غاية في الصعوبة والشقاء , بسبب عدم توفر ادنى مستلزمات الحياة الطبيعية من ماء وكهرباء وغذاء وشراب ونحن على ابواب شهر رمضان الفضيل شهر الصوم والبركات, فالمشرفون على مخيم ليبرتي من مكتب المالكي يمعنون في ايذاء السكان فيمنعون ادخال شاحنات محملة بالمواد الغذائية الى ليبرتي , وخلال الايام الماضية منعوا دخول 25 طن من المواد مثل الطحين والرز والعدس والحمص والسكر والشاي والزيت والفواكه المجففة , التي تقدر قيمتها ب 70 الف دولار.

هذه المخالفات من قبل الحكومة العراقية مثبتة في الاتفاقية الموقعة بين الامم المتحدة وبين الحكومة العراقية, ومع ذلك ترى الحكومة الامريكية كل هذه المخالفات المتعلقة بالحقوق الانسانية الموثقة في الاتفاقية الانف ذكرها , وتختلق المسببات والمنغصات والعراقيل التي تصب في استراتيجية الملالي في ايران , لاغرابة في ذلك , فالامر معروف , اذ ان الادارة الامريكية تغلب مصالحها على كل المواثيق والمعاهدات والاعراف الدولية التي تحكم الدول والمنظمات الاقليمية والدولية , انها تسترضي نظام الملالي الذي يكيل لها السباب ويصفها بالشيطان الاكبر , ولكن هذا الصخب الاعلامي ليس الا فقعات في الهواء ,واكبر دليل على ما نقول ان الادارة الامريكية التي سيطرت على نفط العراق , منحت العراق الى نظام الملالي هبة خالصة بدون منافع اخرى. واليوم لا يهمها ان يذبح الاشرفيون على ايدي الملالي واعوانهم في العراق , اذا حققت هذه الادارة مكاسب في الملف النووي وامن الكيان الصهيوني.

مما تقدم لا نستغرب الموقف الامريكي اليوم الذي يطالب باخلاء مخيم اشرف نهائيا والانتقال الى ليبرتي بدون اية ضمانات للاحتفاظ بحقوق الاشرفيين , اي نقل ممتلكاتهم معهم او بيعها في المزاد العلني باشراف لجنة محايدة او نقلها الى بلد اخر لبيعها فيه. فهذا الشرط الامريكي يؤشر وضع العراقيل امام الاشرفيين لاظهارهم بمظهر المتمرد, ووضع العراقيل امام وزارة الخارجية حتى لا تفي بمطالب الكونغرس بشطب منظمة مجاهدي خلق من قائمة الارهاب ,ذاك القرار الذي كان في الاساس لارضاء نظام الملالي ايضا.

ان موقف الادارة الامريكية فيه الكثير من الانتهازية والكيل بمكيالين , موقف بعيد عن الاخلاق والقيم والانسانية التي تتشدق بها ليل نهار. ولما كانت الامم المتحدة هي التي توكلت بامر الاشرفيين فلا بد ان تلتزم بما وقعت عليه وتطالب الجانب العراقي بالالتزام ببنود الاتفاقية , والابتعاد عن وضع العراقيل والمنغصات امام انتقال ما تبقى من الاشرفيين الى ليبرتي , وتأمين احتياجات السكان الغذائية والعلاجية وتحسين البيئة لتكون صالحة للسكن البشري.

* كاتب اردني
[email protected]