مشاكل في سوريا، مشاكل في البحرين، مشاكل في اليمن (جنوب - شمال حاليا)، وقبلها مشاكل في العراق (تخلّص من دكتاتور مستبد بغزو خارجي يخلق و يحاول ترسيخ حالة طائفية) و لبنان (التي بدأت مشاكله ولم تنته باتفاق الطائف 1989). كل هذه المشاكل الملموسة على الأرض - ومنها ما أفضى حديثاً لتقسيم البلد الواحد كالسودان ويهدد بتقسيم مستقبلي لدول ديمقراطية حديثة النشوء كاليمن وليبيا) تعيد للواجهة أن الحل الضامن لاستمرار وازدهار شعوب المنطقة يكمن في اجتثاث العقلية التي كرّسها سايكس-بيكو 1916.

إن المنطقة بحاجة لنوع من الوحدة والاندماج لا تضمن الحقوق الفئوية فحسب بل تحضّ على المواطنة والعمل وتقديم الكل على الجزء و الجماعة على الفرد مع ضمان لحقوق الفرد والجماعة و الإقليم مقبول من جميع الأطراف. هذا الاندماج يمكن أن يقوم على أساس الوطن الأكبر أو على مبدأ إتحاد فدرالي أو حتى اقتصادي تبعاً لدرجة التفاهم و الاستعداد اللحظي للشعوب وقيادات الشعوب المنتخبة ديمقراطياً (قريبا في دول عديدة!).

إهمالُ هذه الحاجة الملحّة لن يؤدي إلا إلى إذكاء نار المواجهات الطائفية و إنماء الفكر الفئوي على حساب الفكر الجماعي. ذلك سيترجم على الأرض ببزوغ مواجهات طائفية جديدة واستفحالها أو على الأقل بظهور أزمات وشروخ سياسية عميقة ناشئة من تنافر شعوب البلد الواحد لقناعتها بعدم التقاء مصالحها وشرائها لفكر تحاول الدول المعادية بيعها في كل محفل سياسي أو اجتماعي أو ثقافي أو إعلامي. إن ظهور بعض من تلك الأحداث كفيل بطمس أي إنجاز متوسط وبعيد المدى لدولة متحررة حديثة مما يهدد بتقويض دول المنطقة الناشئة وعودة اليأس وانتشار نسخة متطورة من الفكر الاستبدادي العقيم.

أهمية مناقشة هذا الموضوع تعكسها ضرورة البدء بحوار بين شعوب الربيع متمثلة في قياداتها الشابة المنتخبة. تأخير طرح الموضوع والتمهيد له - من الآن - هو إذاً بمثابة انتحار مبكر لديمقراطيات تحاول النهوض في منطقة ذات تاريخ وتركيب اثني خاص (معقد إذا نُظر لكل قطر بمفرده، أقل تعقيدا إذا نُظر لأقطار المنطقة مجتمعة) يُحاك لها في الخفاء والعلن من قبل قوى عديدة.

كم يُحزن أن المتحدّثين باسم الثوار في أي بلد ربيعي يهملون هذا الموضوع في حواراتهم وتصريحاتهم وندواتهم، خُصوصاً أنّ الثوار على الأرض يتداولون ويشيرون كثيراً لأهمية الاندماج ونبذ الخلاف والفرقة والتعلّم من الأخطاء. فهل الخوف و الطمع في منصب سريع هو الدافع؟ أم أنّ محاولة استمالة قوى عالمية وكسب رضاها لتلقي دعمها هو الدافع؟ بالإضافة لكون كلا الدافعين غير مبرر أخلاقياً فإنّ من يعتقد أنه سيرضي قوة خارجية غربية كانت أم شرقية دون دفع ثمن باهظ - الآن أو في المستقبل- هو أشدُّ وهماً من الاستبداديين الذين لفظهم الشعب مؤخراً. أما الخائف الطامع في كسب سريع على حساب الشعب ومصالحه فسيكشفه الشعب عاجلاً أم آجلاً لينال جزاؤه العادل. فإنّ شعباً كسر القيد وعلّم نفسه التحرر يَستحيلُ أن يعيده لقيد آخر جبانٌ أفّاق.