اسم مخيف ؟ قيل انه مشتق من العربية ومعناه quot;الموس آتquot; أوquot;الموس هاتquot; اي انها مؤسسة مختصة بالذبح والقتل، وهذا الإدعاء عار عن الصحة، لأن معنى كلمة موساد بالعبرية هو quot;المؤسسةquot; ولا اظن التفسير العربي إلا نكتة سَمِجة، فهي لا تتعدى عن كونها quot;مؤسسة أمنيةquot;، وهي احدى أهم مؤسسات دولة اسرائيل، وهذه المؤسسة تطورت بسرعة هائلة حتى وصلت وبزمنٍ قياسي الى مصاف الدوائر الأمنية الكُبرى في الدول المتقدمة. وكانت الدعامة الكبرى التي ساعدة على بناء الدولة في برهة قصيرة من الزمن.

ومن اهم انجازاتها هي التدمير التلقائي وغير المقصود للعقلية العربية والاسلامية التقليدية ! (وسنرى ذلك من خلال البحث) بحيث شَلّت تفكير تلك العقول من دون ان تفعل شيئاً.

فأصبحت أغلب العقول لدى كُتابنا ونُقادنا ومثقفينا عقولا جامدة، ترى في جُل مضامينها هيمنة نظرية المؤامرة عليها بالكامل، وبالمناسبة، فإن هذا الكلام ليس وليد اللحظة، فانه يتناقل منذ عقود، اي قبل وقوع الحروب الثلاثة مع اسرائيل، فنرى في الصراعات الفكرية العربية (ويا ما أكثرها) من الضروري ان تدس فيها كلمة quot;موسادquot; الرهيبة في مواطن عديدة، خصوصاً عند اختلاف اثنين منا في الرأي (وهذا شيء طبيعي وصحي وخال من الكيميائيات)، تجد انسب سُباب يستعمله احدنا ضد الآخر هو quot;انت عميل للموسادquot;، وتشل خصمك ولا يدري اين يهرب من هذه التهمة التي تفوق تهمة الكفر والزندقة، وكذلك نفس التهمة توجه للمواضيع المتواضعة من الادب والفن، وهذا ليس بعيب فكل الاداب والفنون العالمية ولكل الشعوب والحضارات تجد فيها الصالح والطالح، انها مجرد مسألة اذواق وقابليات، ولكن عندنا يُعلق الناقد على مستوى تقافي وأدبي يراه هابطاً متدنيا، فغالباً ما يقول إن quot;الموسادquot; هو من وراء هاذا الانحلال الفني والأخلاقي وللاسباب كذا وكذا، ولا فرق ان كان شعراً ام قصة أم اغنية، فالعلة واحدة. وهذا ما نراه طعنا بالفكر والابداع العربي، من حيث لا يعلمون، فمهما كان فيه من هبوط فهو فن او محاوله فنية يجب نقدها نقداً بنائا لتصحيحها، لذا ترانا مشلولي التفكير البَناء للخروج من اية معضلة، او معالجة مشاكلنا الاجتماعية بموضوعية، وكأنه عار اذا واجهنا مشكلة معينة. في احدى الدول العربية التي قمت بزيرتها قريباً، لديهم محطة تلفزيونية حكومية، وبرأيي المتواضع فإنها تتمتع بمستوى فني جيد، لما فيها من مواضيع متنوعة ومفيدة للاسرة وللمجتمع، ففيها زوايا الصحة والقانون والاجتماع والترفيه والرياضة والادب والفن بكافة اشكاله، فترى أغلب الناس تقول لك ان المحطة الفلانية أسسها quot;الموسادquot; عندنا. عجيب! وكيف ذلك يا سادتي؟ فيجيبون، الا ترى ما فيها من فساد ؟ من اغاني هابطة ورقص؟ (سبحان الله، منذ متى كانت الاغاني والرقص عند العرب فسادا؟)، فهم لا يروا كُل تلك المحاسن التي فيها، من ثقافة ونصائح علمية واجتماعية وكذلك فنهم الكلاسيكي الذي حاز على اعجاب العالم، بل ينظرون فقط للشيء الذي لا يعجبهم. والأهم من كل ذلك هو موقف رجال الدين الذين يفترض ان يكونوا صمام الامان للامة من اي انحراف فكري، نراهم يساهمون مساهمة كبرى في التهويل والمبالغة من شأن تلك المؤسسة وتعظيمها، واعطائها تلك القدرة المبالغ فيها والغير حقيقية.

ومنذ عقود حذر الأديب الكبير نجيب محفوظ من مغبة نسبة كل مصائب العرب والهزات الارضية الى إسرائيل. وكتابنا اليوم يقولون في جُل محاضراتهم وخطبهم بل وكتاباتهم ما مُلخصه: التحذير من quot;الموسادquot; الذي هو من وراء كُل شئ سيئ عندنا، كذلك النزاعات الطائفية ما بين مذاهب الدين الواحد هي الاخرى سببها quot;الموسادquot; الذي يريد الايقاع بين المسلمين، والنزاعات العنصرية مابين شعوب الدول العربية سببها quot;الموسادquot;، الذي يريد بث روح الفرقة والكراهية بين شعوب تلك الدول، وهذا الربيع العربي لتلك الشعوب الثائرة البطلة والتواقة للحرية بعد ان استيقظت من سباتها، هو ايضاً من تحت رأس هذه الداهية وهو سببه، وحتى النزاعات الاسلامية التي مضى عليها قرون فهي تنسب الى مارد quot;الموسادquot; !! نعم ليس باسمه المخيف quot;الموسادquot;، لانه لم يكن ذلك الأسم الجبار العنيد موجوداً آنذاك، ولكن وحسب أقوال امهات الكتب الاسلامية تشير اليه في المضمون تحت اسم quot;الديانة اليهوديةquot;، هناك تسمية اسلامية وهيquot;اسرائيليات القرآنquot; ذُكِرت كثيراً، وهناك كتاب يحمل ذلك العنوان. والحقيقة، إن هذا الموضوع طويل جداً وذو شجون. وقد خطر على بالي للتو قصة الجرذان الاسكندنافية العملاقة التي ارسلها quot;الموسادquot; لتاكل ارجل اطفال فلسطين ! نعم هذا الموضوع ذُكرَ في اواخر تسعينيات القرن الماضي في احدى الفضائيات التي تُتَهم اليوم وكباقي الفضائيات والصحف والمجلات التي لا تروق لاهوائهم (بعميلة الموساد)، ايام كانت تلك المحطة توصف quot;بلسان العرب الصادقquot;، ناهيك عن اساطير العقاقير المسببة للعقم والمسرطنة وارسالها الى مصر، واشاعة الفاحشة عند العرب الذين لا يعرفوا سوى الفضيلة ! اقرؤا على سبيل المثال وليس الحصر كتاب quot;زهر الربيعquot; للعلامة الجزائري المتوفي في ١١١٢هـ، ومافيه من عجائب وغرائب في فنون الفاحشة الكبرى، وفيه ما يُعلم العالم بأسره من امور جنسية فاضحة، ومؤلفه هو من العلماء الاجلاء، وله مؤلفات كثيرة في شتى المجالات ولكنه كتب ذلك الكتاب للإحماض والتعليم والترفيه، كما قال الجاجظ في كتبه quot;البيان والتبيينquot;، وكذلك كتاب quot;رجوع الشيخ الى صِباه في القوة على الباهquot; الذي ألفه ابن كمال باشا للسلطان العثماني، ليساعده على اشباع حريمه من شتى الدول والشعوب التي غزاها، وكتاب quot;في ذكرى مزاج الاحليلquot; و غيرها من الكتب الكثيرة التي كُتبت في هذا المضمار للسلاطين والملوك والعلماء المسلمين والعرب الذين كانت قصورهم تغص باجمل النساء، والتي لا حصر لها ولا عدد، ولو كانت لغير المسلمين لانقلبت الدنيا ولم تقعد. اِذن فنحن نعرف تلك الامور جيداً ولا نحتاج لمن يُعلمُنا اياها.

اقول الم نكتف بعد؟ ام ألفنا العيش في الاوهام ؟ فلماذا نضخم من مقدرة تلك المؤسسة ونبالغ فيها ونجعلها اسطورة ونعطيها اكبر من حجمها كما قال الأديب الكبير المرحوم نجيب محفوظ عن دأب العرب في إلقاء اسباب جميع الكوارث على عاتق إسرائيل وموسادها المخيف؟ وكنت اتنمنة أن نسلط الضوء لا على quot;الموسادquot; بل على مؤسسة quot;هداساquot; الطبية الإنسانية بدلا من وهم quot;الموسادquot; الذي أمرضنا، أما مؤسسة quot;هداساquot; فقد انقذت حياة الكثير من البشر من آفة السرطان والعياذ بالله، ليس بعلاجها للمرضى فقط، بل بأبحاثها التي يشارك فيها ويستفيد منها العالم باسره.

وهنا اذكـّر القراء الى ان بعض اعضاء العائلة المالكة في دولة خليجية يستقدمون الأخصائيين من اسرائيل سرا لمعالجهم وعلاجة ابنائهم وبناتهم وحريمهم، بل ان احد كبار السياسيين العراقيين أرسل عمته وابنتها للعلاج فيها عام ٢٠٠٨ وقد شفيت تلك المرأة من هذا الداء العضال وهي الان في العراق وبصحة جيدة ولله الحمد. فلماذا يرسل الحكام العرب ابناء عائلاتهم الى إسرائيل ويمنعون عامة الشعب من مستشفياتها quot;الموساديةquot; الرائدة في العالم? وقبلهم في العهد الملكي، نصح طبيب العائلة العراقية المالكة، الأنكليزي سندرسن إحدى الأميرات للمعالجة في مستشفى quot;هاداساquot;، لقربها من العراق وتوفير تكلفة المعالجة الباهظة في ألمانيا وعناء السفر الى برلين. ولكن الأمير عبد الاله رفض ذلك واصر على تلقي العلاج في ألمانيا على quot;حساب الحكومة العراقيةquot; الغنية، فقابلت العائلة المالكة هتلر في برلين، وكانت الاميرة تفتخر وتتباهى الى يوم وفاتها بأن هتلر قبل يدها عند اللقاء في برلين. وعادت حليمة الى عادتها القديمة، ترى هل اصابت لعنة هتلر العائلة الملكة العراقية أيضا؟ الله أعلم!

لندن