تابعت بكل عمق ما جرى في بوسطن.. حزنت كثيرا على المقتولين وعلى الجرحى المصابين.. تماما كما احزن كل يوم حين أتابع اخبار القتلى في سورية.. والعراق... وفي فلسطين.. وفي أي مكان آخر.

بكل قوة مخابراتها المشهورة عالميا سي آي إيه فشلت اميركا.. في القبض على الشقيقان مفجري ماراثون بوسطن قبل ترويع وقتل المشاركين فيه..خاصة ومع وجود معلومات بأنه يؤيد الإسلام المتطرف.. لكن فشلها الأكبر هو في فهم عمق وخطورة التطرف الإسلامي الديني على أرضها وفي معاهدها.. فشلت في إحتضان البعض وهم الأقلية من مواطنيها وتغيير نمط عقليتهم وسلوكهم برغم سخائها الكبير المنصوص عليه في دستورها.. فشلت أمام خطباء في مساجدها يحضون على العنف والكراهية برغم كرمها في إحتضانهم.. وإعطائهم فرصة في الحياة الكريمة تفوق بكثير ما قد يلاقونه في دول إسلامية شقيقة.. ولكن ومع كل هذا الفشل هل يستحق الإنسان سواء أميركي أم من أية جنسية أخرى أن يتعرض للإرهاب في أية بقعة من الأرض؟

المعضلة التي ستواجهها في حال وفاة الأخ الأصغر كبيرة وتخضع لعدة أسئلة منها.. هل تصرف الشقيقان بمفردهما وهو الإحتمال الممكن والغير ممكن.. ممكن لأنه ومن السهولة الحصول على أسلحة ومتفجرات عبر الإنترنت.. أو شرائها من بائعي الأسلحة المرخصين في كل مدينة في الولايات المتحدة.. والغير ممكن لأنها عملية أيضا من الدقة بحيث لا يمكن لشخصان أن يقوما بها منفردين.. السؤال الآخر هل هما فعلا طرفا من شبكة دولية موجودة في الغرب.. وهنا تكمن الخطورة الكبرى في حال وفاة الأخ الأصغر لوفاة أية معلومات معه.... وهل تعاطف الإخوة مع جبهة النصرة في سوريا أحد دوافع هذه الجريمة؟؟ ثم هل هذه الجريمة من أجل الشيشان فقط؟؟.. أم من أجل الإنتقام من الإرهاب الأميركي في دول إسلامية شقيقة كما يروّج الفكر الإسلامي المتشدد للهوية الإسلامية على انها هوية للمسلمين أجمعين.. في الأمة الإسلامية!

الفشل الأميركي بدأ في تحريض الشباب المسلم على الجهاد ضد الروس في أفغانستان لم يطرأ بخلد الإدارة الأميركية أن هذا التحريض سيعيد إحياء مبدأ الجهاد العنفي ضد كل ما هو غير مسلم فيما بعد،.. وأنه سيطالها بعد الإنتهاء من الروس لوجود قواعدها العسكرية في العديد من الدول الإسلامية..

لم يطرأ على بال الإدارة الأميركية بأن هذا الجهاد سيطولها خاصة في تحيزها الكامل لإسرائيل وفي تعثرها لحل القضية الفلسطينية بناء على القرارات الدولية.. وأنه سيطولها لإنحيازها للتعامل مع أنظمة ديكتاتورية حرمت مواطنها من العيش الكريم..

وبالفعل طالها العنف الإسلامي بكل قوة في تفجيرات نيويورك.. وفشل العالم الإسلامي في التنديد بقوة وفورية على هذه التفجيرات.. وفشل مواطنيها من المسلمين أيضا حين تلكؤوا في التنديد وإبعاد انفسهم عن هذا الفعل الإجرامي والإرهابي بكل المعاني.. ولكن فشلت اميركا أيضا في إحتواء الغضب والشماتة الإسلامية حين أعتقدت بأن الطريق للإنتقام عبر أفغانستان.. ثم العراق.. لم تتصرف أميركا كقوة عظمى في إحتواء مصيبة نيويورك. وفي لملمة جراحها والتعامل بحكمة مع الحدث.. وإستمرت في أخطائها في التعامل مع العالم الإسلامي.. وظنت أن إنتخاب المواطن العربي للتيارات الإسلامية في عملية إنتخابات ديمقراطية هي طريق لنهاية الكراهية لها من العالم العربي والإسلامي.. وأن مسيرة الديمقراطية ستصل بالعالم العربي إلى بر الأمان لحماية مصالحها.. وحماية إسرائيل..ولكنها فشلت مرة اخرى لأنها وفي دعمها لهذه التيارات نأت بنفسها عن الوجع الحقيقي للإنسان العربي.. وهو المواطنة الحقة.. والعدالة الإجتماعية.. وإحترام الكرامة للشعوب العربية في تسوية عادلة للقضية الفلسطينية..

ولكن وإذا كانت الحكومة الأميركية فشلت في كل خطاها لحماية نفسها وحماية مصالحها.. وفشل الإنسان العربي في الحصول على أي من مطامحة السابقة.. فمن الذي نجح وفاز؟
الناجح الوحيد في هذه المعادلة هو خطباء المنابر في بيوت الله.. الذين نجحوا في شحن الإنسان المسلم بالحقد.. وبأن يحمل سيف الإرهاب متنكرا لكل القيم الأخلاقية.. ومتنكرا لحق المواطن جاره وأخوه في الإنسانية !! نعم التطرف ليس حكرا على دين أو جنسية أو عرق.. وقد يكون موجودا في كل أرجاء العالم.. ولكن يبدو ان التطرف الإسلامي هو من يفوز دوما في هذه المقارنة البغيضة!

نعم نشكر الله أن المجرم هذه المرة لم يكن سعوديا ولا عربيا..ولكن وللأسف الشديد المجرم هذه المرة هو مسلما يداوم على الصلاة في مواعيدها ويؤم المسجد.. ويؤمن بأن ما قدّمه هو لخير الأمة الإسلامية.. وأعتقد أن معظم المسلمين براء منه ومن فعلته.

منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية