انتقمت طهران بعملية “الوعد الصادق”، حيث أعلن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي عن ذلك وبشكل علني، وفي الدقائق التي تلت بدء الهجوم الإيراني على إسرائيل مساء السبت، كرر على حسابه في موقع “إكس” التهديد الذي أطلقه قبل بضعة أيام (ستتم معاقبة النظام الشرير)، لكنه انتقام مدروس بعناية، ومحسوب بشكل استراتيجي لتجنب تصعيد إقليمي حقيقي، وليس المقصود منه إلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل.

بالنسبة إلى طهران، كان الأمر يتعلق بأن تظهر لإسرائيل أنها لم تعد تقبل رؤية كبار ضباطها يتم القضاء عليهم واحداً تلو الآخر على الأراضي السورية واللبنانية، وبنفس القدر، الإثبات لحلفائها الإقليميين، الذين سئموا تلقي ضربات قاسية دون رد إيراني، أن لديها القدرة على ضرب عدوها، والقيام بذلك من خلال عملية واسعة النطاق. وأيضاً أرادت من خلال الضربات توجيه رسالة للشعب الإيراني ولشعوب محور المقاومة، وكذلك رسالة للشعوب العربية ولحكامها، إن إسرائيل ليست بعبعاً.

إن الضربة الإيرانية لإسرائيل تمثل المرة الأولى التي تشن فيها الدولتان هجوماً مسلحاً على الأخرى، بالرغم من الصراع بين البلدين الذي بدأ منذ الثور الإسلامية في إيران عام 1979. نعم تعلم إسرائيل علم اليقين أن كل فصائل المقاومة مدعومة من إيران، وإن الصواريخ التي يقذفها حزب الله هي صواريخ إيرانية، وإن 7 تشرين الأول (أكتوبر) بتخطيط وتسليح ودعم إيراني لحماس، لكنها المرة الأولى التي تطلق هذه الصواريخ والطائرات المسيرة من الأراضي الإيرانية مباشرةً.

إنَّ الهجوم الإيراني على إسرائيل بصرف النظر عن حجم الخسائر كان رسالة إليها بقدرة إيران على الوصول إلى العمق الإسرائيلي وتجلت قدرة إيران في التعامل مع أهداف عسكرية دون التعرض للأهداف المدنية، ما يشير إلى الدقة الإيرانية في ردع إسرائيل في أية مواجهة مستقبلاً.

أعتقد أن إسرائيل لا ترد على الضربة الإيرانية بضربة عسكرية مباشرة، لأنها ستؤدي إلى تشتت القوة الاسرائيلية بشكل كبير، فهي تقاتل حماس منذ أكثر من ستة أشهر، وهناك حزب الله اللبناني الذي يشاغل القوات الإسرائيلية بنفس الوقت، ويهاجم باستمرار شمال إسرائيل، إذا كان عليهم القتال على ثلاث جبهات، فيبدو أنهم لن يكونوا قادرين، فدخول أفراد حزب الله إلى الجليل أمر وارد، ويمكن أيضاً أن تٌفعل جبهة الجولان، لكل هذ لا أعتقد هناك رد عسكري، وسوف يهللون أن التصدي لهذه الهجمة واسقاط الطائرات المسيرة هي انتصار مزعوم لدولتهم، ويمكن أن يكتفوا بالضغط الدبلوماسي التي سوف تتولاه أميركا وحلفائها ضد إيران.

والأهم من هذا تعلم علم اليقين أن الوضع الأميركي ليس كما كان في السابق، وكذلك لا يمكن للرئيس الأميركي جو بايدن في فترة الحملة الانتخابية أن يردع إيران، أو يدخل في نزاع مسلح مباشر معها.

هذه هي الرسائل الإيرانية التي أرادت أن توصلها من خلال هذا الهجوم، لكن هناك رسائل أخرى لاحت من المملكة الأردنية الهاشمية العربية من خلال تصديها للمسيرات الإيرانية. أما الرسالة الأخيرة فهي مني إلى بعض الشعوب العربية، وهذا ما استنتجته من خلال صفحات التواصل الاجتماعي: لا تحولوا بوصلة العداء من إسرائيل إلى إيران بدوافع طائفية، نعم أنا ضد سياسة إيران في العراق، لكني مع ضرب إسرائيل من أي جهة كانت، لأنَّ إسرائيل هي عدوي الأول، يمكن أن نختلف فيما بيننا لكن لا تجعلوا الصهاينة ينفذوا من الخلاف المذهبي، فالدعم الإيراني والهجوم الإيراني على إسرائيل هو نصر للعرب وللمسلمين كل المسلمين.