يبدو أن العد العكسي لتنفيذ خطة اجتياح رفح قد بدأ، حيث تحاول عشرات العائلات الفلسطينية مغادرة خيمها المنصوبة على مقربة من الحدود المصرية نحو شمال القطاع، في محاولة لإنقاذ النفس من عملية عسكرية قد تتحول إلى محرقة، بالرغم مما يدعيه جيش الاحتلال من إعداده تجهيزات العملية البرية بحيث تشمل خطة إجلاء المدنيين وفتح ممرات آمنة وتوسيع المنطقة الإنسانية. هذه الترتيبات، إن وجدت، فإنَّ فاعليتها ستكون ضئيلة في ظل تكدس عدد كبير من النازحين في مدينة صغيرة المساحة، وسيكون من الصعب ترتيب خروجهم الآمن في ظرف زمني وجيز، الأمر الذي يعني أن دقة الضربات التي تطال الأهداف العسكرية في هذا الاجتياح المرتقب سيكون أمراً شبه مستحيل.

النازحون المتواجدون في مخيمات رفح بين نارين: يمكن أن تدفعهم مصيدة النزوح نحو شمال غزة إلى مصير أسوأ من ذاك الذي عاشوه في رحلة نزوحهم في الأيام الأولى من الحرب، عندما تحولت الممرات الإنسانية إلى تجربة مميتة، واحتمال تكرارها وارد بقوة، أما بقاءهم في محيط مدينة رفح فيعني تواجدهم على مقربة من ساحة معركة أهدافها ستكون بلا شك عشوائية، والأخطر أنها قد تفتح احتمالات إبعادهم نحو الأراضي المصرية، بالرغم من كل ما قيل وما يقال حول وجود تطمينات إسرائيلية للجانبين الأميركي والمصري بالعمل على ألا تتحول خطة الاجتياح إلى خطة إبعاد، لكنها في الحقيقة تطمينات يشوبها الكثير من الشكوك في مصداقيتها.

أسئلة كثيرة تتبادر إلى الأذهان حول خطة اجتياح رفح، وعن اصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومن معه من المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية على تنفيذها، وعن التحفظات الأميركية التي عطلت صدور الموافقة من قبل هيئة الأركان العامة في جيش الدفاع الإسرائيلي والاعتبارات والمحاذير التي اشترطتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، خاصة التداعيات المحتملة لها على العلاقات المصرية الإسرائيلية، إذ أنها قد تفتح الباب لوجود عسكري إسرائيلي دائم في جنوب قطاع غزة.

ليس سراً أن تحمل التحفظات الأميركية على خطة الإجتياح الإسرائيلية في باطنها تركيزاً على تقديم الجانب الإسرائيلي ضمانات بعدم استعمال القوة الغاشمة في هذا الهجوم المرتقب للحد من مخاطره، وخشية أن تنعكس خطة نتنياهو سلباً على معركة الاستحقاق الرئاسي القادم في الولايات المتحدة. لقد وظفت إدارة بايدن حق النقض (الفيتو) منذ بدء الحرب لصالح إسرائيل، وتعاملت بمنطق التغاضي والتجاهل لعشرات التقارير التي أكدت تنفيذ إسرائيل ضربات عشوائية في محاور عديدة شمال القطاع، لذا لن تكون حريصة على سلامة المدنيين بقدر حرصها على ألا يتسبب نتنياهو بانتكاسة جديدة لشعبية بايدن تخلط الأوراق وتقدم نقطة تقدم جديدة لصالح منافسه الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب.

إقرأ أيضاً: من يتحمل مسؤولية تعطيل اتحاد المغرب العربي؟

بالرغم مما تحمله الخطة الإسرائيلية من تداعيات على معاهدة السلام المبرمة مع مصر في عام 1979، إلا أنَّ نتنياهو يجد في خطة اجتياح رفح فرصة ثمينة قد لا تتكرر، سيتم الترويج على أنها تصحح أخطاء رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون وخطته الأحادية لفك الارتباط، التي لم تراعِ التبعات السلبية للفراغ الأمني، وهو ما تدفع اسرائيل ثمنه اليوم، حيث الإصرار على تنفيذ الخطة لا يندرج ضمن هدف القضاء على حماس بقدر ما يركز على وضع قطاع غزة بين فكي كماشة أمنية اسرائيلية، ستضمن الإشراف والسيطرة على معبر رفح وبوابة صلاح الدين وخلق وضع شبيه بوضع الضفة الغربية.

إقرأ أيضاً: من يوقف طبول الحرب بين الجزائر والمغرب

إسرائيل أطلعت مصر على خطة بالمناطق التي ستستهدفها برفح في محاولة لتهدئة الموقف المصري قبل تنفيد خطة الاجتياح، ومع ذلك لاتجد تجاوباً أيجابياً مع تلك التطمينات، وليس مستبعداً أن تلجأ القاهرة إلى تعليق معاهدة السلام مع إسرائيل في حال تنفيذ الخطة، لما لها من تأثير مباشر على أمنها القومي، ما يعني أيضا أنها ستنسحب من الوساطة القائمة في ملف الأسرى، وبالتالي فإنَّ سيناريو استمرار الحرب لأشهر طويلة بات الأقرب. من جانب آخر، قد تكون مصر عرضة للابتزاز الأميركي إذا ما تم الحديث عن تعليق المساعدات العسكرية السنوية، والتي تقدر بنحو 1.3 مليار دولار أميركي، لكنَّ هذا الأمر سيكون دافعاً قوياً لتوجه مصر بكل ثقلها نحو الشرق، ما يعني أن الإدارة الأميركية قد تخاطر بفقدان شريك قوي في المنطقة من أجل خطة تقودها حكومة إسرائيلية تجهز على آخر ما تبقى من عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط.