قرأت مقالة الزميل خلدون جاويد التي نشرت بإيلاف في 15 يناير.. بعنوان quot;quot; رسام الكاريكاتير الدانماركي محاط بعشرات الحراس quot;quot; حيث يبين الكاتب تكلفة عملية الحراسه على الحكومه الدانماركيه ومحاولات جميع الهيئات الإسلاميه الموجوده في الدانمارك إحتواء القضيه وحث المسلمين على التسامح والتعايش.. ( بعد أن قاموا هم أنفسهم بعملية التحريض في جوامع الدانمارك وفي زياراتهم للعالم الإسلامي والتي نتج عنها المظاهرات العديده في مختلف أنحاء الدول الإسلاميه ثم محاولة قتله قبل أسبوع من دانماركي من أصل صومالي ).. ومع تقديري للكاتب إلا أنني أعتب عليه عدم إبداء أي رأي في الموضوع وإنهائها برأي للكاتب الشهير إرنست همنغواي يقول فيه quot;quot; انه لمن الخطورة بمكان ان تذهب بعيدا عن المجتمعquot;quot;


أي بمعنى أننا كأفراد سنتعرض قطعا للخطورة في حال إبتعدنا كثيرا عن أفكار مجتمعاتنا التقليديه.. أو بمعنى آخر علينا التأقلم وقبول الأمر الواقع مهما كان حتى لا نخرج عن السائد في المجتمع والذي قد يكون باليا.. أي بمعنى.. إخلاء مسؤوليتنا كمواطنين وأفراد من محاولة تصويب المجتمع حتى وحين نجد أن هذا المجتمع في طريقه للإنزلاق إلى هاوية لا قرارا لها كما هو حاصل الآن في المنطقه العربيه..أن نقف مكتوفي الأيدي إيثارا للسلامه!!!


في الماضي السحيق كانت هذه المخاطره في تصويب وتنظيم المجتمعات هي رسالة الأنبياء.. ولكن في عصر الفضائيات والإعلام الذي لا حدود له وخروج العديد من أفراد العالم من الإيمان المطلق بالغيبيات..وعدم وجود أنبياء في القرن الحادي والعشرين... فأنا أؤمن بأن هذه المسؤولية تقع على عاتق كل فرد في المجتمع ولكن عبئها الأكبر يقع على أصحاب الضمائر الحيه من الناشطين في حقوق الإنسان.. وأيضا من المثقفين الذين عليهم عبء تنوير المجتمع.. بالصدق لا بالشعارات....
أعود لموضوع الرسام الدانماركي.. وكيف يعالج العرب قضاياهم.. سأبدأ بما قرأته سابقا لأحد الكتاب.. يقول..


quot; بعد حادثة المكوك الفضائي الامريكي تشالنجر( المتحدي) عام 1984 وانفجاره بعد ثواني معدودة من اطلاقه،أخبرني احدهم وعلائم البشر والسرور مرسومة على وجهه بان ماحصل لـ (المتحدي ) هو معجزة من الله وجب عليها الصلاة شكرا!!!، قلت له كيف ذلك وهل تصلي وتسجد لله شكرا على اناس ابرياء ذهبوا قربانا لخدمة العلم والانسانية؟؟! واجابني وبكل ثقة بان هذا المكوك سمي بالمتحدي لان رواده ومطلقيه ارادوا به ان يتحدوا عظمة الله (!). وأن هؤلاء الكفره مهمتهم المكوكيه هي تفجير القمر كي يضيع على المسلمين تقويمهم الهجري وبذلك تضيع أشهر السنه الهجريه ومعها شهر رمضان وبالنتيجه سوف يندثر الدين الإسلامي وهو مبتغاهم الأول والأخير.


في خضم المعركة الأخيرة حول إساءة هذا الرسام الدانماركي للنبي quot;سلام الله عليهquot;.. حاولت ان أوضح بان ما فعله quot;وليس تبريرا لهquot;.. يقع ضمن حريه التعبير المكفوله لكل شخص في الغرب.. ولن نستطيع تغيير هذه الحريات الغربيه بل وأننا ندعو لمثل هذه الحريات في كل العالم.. وبالتالي فمن الأفضل تمريرها بدون هذه الضجه.. تماما كما مررت الكنيسه سابقا العديد من الإساءات المشابهه للمسيح إلى أن حصل التصالح بين الكنيسة والإعلام فخفت حدة هذه الإساءات..


ولكن ما لفت نظري في موضوع الرسام الدانماركي ليس فقط عدم تقبل الشارع العربي والمسلم لأية فكره لمحاولة تمرير الموضوع.. ولكن كيف يواجه المسلمون المشاكل التي تستعصي على تمريرها أو مواجهتها.. وصلني عبر بريدي الألكتروني الرسالة التالية..

quot;quot;الرجل الذي رسم الكاريكاتير على الرسول مات محروقا والدنمارك متكتِمَة على الخبر.. أرجوك أن تنشر الخبر هذا لأن هناك أخت من فلسطين شافت رؤية أن الذي سينشر هذا الخبر فإن الله سيفرحة بعد أربع ساعات،و واللهِ إن شخصا اسمه محمد أقسم بالله أنه رأى الرسول في منامه وقال له الرسول: quot; بلّغ المسلمين عني أن من ينشرها خلال أربعة أيام فسوف يفرح فرحا شديدا ومن يتجاهلها فسوف يحزن حزنا شديدا quot;.. أرسِلْها قد ما تقدر فرحك الله quot;quot;


كلا الحادثتين تصب في خانة تسفيه الواقع للقبول بنظرية المؤامره.. وإستفزاز العقل البشري السليم للقبول بنظرية الأسطوره.. أولا لأن الرسام مازال حيا.. ولم يحترق.. ثانيا نحن لم نستطيع رؤية أو تخيل النبي quot;عليه السلام quot; فبأي صورة جاءه النبي في منامه؟ ولكن السؤال هو.. لماذا إستمرأ مسلمو اليوم تحقيق أمانيهم وآمالهم بالوهم بدلا من العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعتهم في الغلو في التعصب والعنصريه.. وذلك عبر تحسين الذات العربيه.. ومحاولة الدخول في حوار ذاتي وموضوعي في لماذا يرانا الغرب بمثل هذه الصورة القاتمه.. لماذا نرفض محاولة فهم الواقع الذي يعيش فيه هذا الرسام والذي وفي قلوبنا نتمنى الكثير من مثل هذه الحريات في بلادنا.. لماذا نرفض محاولة البحث في الدوافع التي دفعته لتسفيه النبي quot; سلام الله عليه quot;quot; والتي في معظمها إنعكاسا لتصرف بعض المسلمين حتى أؤلئك المقيمون في الغرب مثل ذلك الصومالي!

ثم لماذا نلجأ للوهم لتحقيق أحلامنا وإعطائها شرعيه ومصداقية بربطها بالدين حتى لا يستطيع أحد التشكيك بها.. ثم نشرها على أنها واقع لا مجال للشك أو التشكيك فيه.. هل هي محاوله جديده لتخدير الذات والهروب من المسؤولية.


لماذا كلما واجهتنا مشكله فكريه نهرب من مجرد التمحيص فيها ونسلم بما جاء عنها في الغيبيات ونركن إلى تلك الغيبيات.. بينما العالم من حولنا يتحرك ويخرج من سلطتها لما وجد للغيبيات من أثر سلبي عليه. ويعيش الواقع ويتطور معه من أجل بناء وتطور الإنسان الذي وبإعتراف الله عز وجل هو أقدس الأقداس.

لماذا نجتر الأسطورة التي أوصلتنا إلى منتهى العجز والتواكل.. وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى شلل عقلي أصابنا في القرن الحادي والعشرون..ساهم فيه فقهاء الدين!! حين أعادونا بتخدير كامل للقرون الغابره.. وقتلوا في الإنسان روح التحدي والتطور بحيث بقي في مكانه ساكنا ينتظر حلولا لكل مشاكله تأتي من السماء وليس من الأرض التي يعيش عليها والتي ومن واجبه حرثها بأفضل الأفكار ليتماشى مع تحدي الزمن وليضمن مستقبلا أفضل.


أليست مسؤولية رجال الدين تغيير خطابهم في دعوى واقعيه وعقلانيه تصب في صالح الفرد والمجتمع لتحرير هذا الإنسان من القيود التي كبلوه بها للتحرر من قيود الغيبيات وثقافة الخوف والقهر والتسلط إلى تحكيم العقل لكل ما يصب في مصلحة الفرد الإنسان ومصلحة المجتمع ومصلحة العالم من حوله؟

سيدي القارىء.. التعايش بين البشر أصبح سمة العصر التي لا مفر منها.. والديمقراطيه هي الطريق الوحيد لحماية المجتمعات كلها.. الحريه والعداله والمساواة هي القاسم المشترك الأعظم لكل البشر.. ولا يختلف فيها مسلم أو مسيحي أو أي منتمي لأي دين... ولكنها لن تنمو بدون تجذير المواطنه والخروج من تسلط الفكر الغيبي.

باحثه وناشطه في حقوق الإنسان