مقالتي اليوم ستركز على تعليقات القراء على مقالتي السابقة والتي نشرتها إيلاف مشكورة.. السبب ليس الدفاع عن نفسي أو عن أفكاري.. بل السبب يتمحور في محاولة فتح حوار عقلاني مع هؤلاء المعلقون خاصة أؤلئك الذين لم يكتفوا بتعليق واحد.. وفيما إذا كانت تعليقاتهم وفهمهم للدين ينسجم ويتوافق مع قيم وأخلاقيات الدين بحيث تخدم مصلحة الإنسان العربي اولا والإنسان في كل مكان في هذه القرية الكونية الصغيرة....

إتهامي بأنني استقي معلوماتي عن الإسلام من بروشور أنتجه هولندي فاشي.. ويدعوني للقراءه عن الإسلام من مصادره ومن أهله.. أو من كتابات المنصفين من الغربيين..
سأبدأ بالقول بأنني قرأت للعديد من الكتاب العرب.. وقرأت في العديد من كتب التراث.. والأهم أنني قرأت القرآن الكريم أكثر من مره. وباللغه الأصلية وليس مترجما حسب أهواء بشرية.. وكانت نتيجة قراءاتي أن الأديان الإبراهيمية الثلاثة تحفل بالعديد من المتناقضات وأن كل منها إدعى بأنه الديانة الوحيدة التي تصلح للإنسان والقادرة على ربطة بخالقة الأوحد. و كلهم تباروا في وصف الآخرين باوصاف لا تليق بوصف الإنسان الذي كرّمه الله عز وجل.. ووجدت من خلال قرءاتي بأن الإيمان يقتضي الأخذ بكل الجوانب الإيجابية للكتب السماوية لكي أحمي صورة الله في قلبي وفي وجداني.. أهم الفروق بأن غلإسلام حقق الإنجاز الأكبر لمصلحة سكان الجزيرة العربية آنذاك.. لأنه كانت الطريق الوحيد لتوحيد القبائل في دين سماوي ينادي بالتعايش ووحدانية الله.. ثم توحيد لهجتهم بلهجة قريش.. ووجدت أيضا كما أن الحضارات اخذت من بعضها البعض لترتقي بالإنسان.. فإن الأديان أيضا اخذت من بعضها البعض لتنظيم الحياة ولترقى بالإنسان تبعا لإرادة الخالق.. وأن الإيمان يقتضي الإعتراف بان الإسلام أخذ الكثير من الديانات الأخرى والتي كانت موجودة في الجزيرة العربية آنذاك كما أخذ من الديانتين اليهودية والمسيحية..

نعم قرأت الخبر الذي نشرته إيلاف السبت تحت عنوان أميركا صوّرت عيسى نبيا محبا للسلاح النووي.. وهو أمر لا يقل خطورة عن كيف فسر فقهاء الدين موضوع الجهاد في الإسلام..

ولكن يبدو أن عابر إيلاف لم يلحظ أنه تم إلغاء التدريب بعد رفع الشكاوي من 31 ضابطا قالوا بأن تلك الدورات تتعارض مع التعاليم المسيحية لأنها تمجد الحرب والإبادة بإسم التعاليم المسيحية..

أي أنهم ولفهمهم وإحترامهم للتعاليم الدينية رفضوا الأخذ بهذه التأويلات التي تشوه صورة المسيح عليه السلام كنبي نادى بالمحبة.. ترى كم من ضباطنا يستطيعوا معارضة أي من الأوامر العسكرية التي يتلقونها.. أو حتى رفع شكوى ضد أي أوامر تتعارض مع مبادىء الدين.. وما مصير من يتجرأ على هذه الشكوى ؟؟ إن إنعدام الحرية الفكرية لمعظم مواطني الدول العربية وإنعدام العدالة الإجتماعية يفرض عليهم السكوت المطلق في كثير من الأحيان.. لقد قتل النظام السوري مؤخرا العديد من ضباطه الذين رفضوا الإلتزام بالأوامر لقتل أبناء وطنهم وإخواتهم في البشرية.!!.

أنا لا أدافع عن الأسلحة النووية.. بل أقف بكل قوتي ضد إستعمال العنف بكل أشكاله.. وضد إستعمال أي من هذه الأسلحة القاتلة.. وأدعو وأتمنى أن توجه تكلفة كل الأسلحة لبناء منازل وبناء حياة جديدة لفقراء العالم في كل مكان.. فهذا هو طريق الأمان في القرية الصغيرة.. ولا أغض النظر إطلاقا عن الإرهاب الصهيوني.. ولكني أعتقد أننا أخطأنا طريق إسترجاع الحقوق.. منذ بداية الصراع.. وعدم الإلتزام بالإرادة الدولية بالإلتزام بتنفيذ قرار الأمم المتحدة 181.. وأضعنا أجيالا من خيرة شبابنا في صراع لم نتفهم كيف ربطه العالم المسيحي بكلا الكتابين.. التوراة والإنجيل.. بحيث تصلبت الدولة الإسرائيلية وزادت أطماعها.. وأصبح لا طريق سوى السلام.. وليس بالعنف وإنما عن طريقين الأول المجتمع الدولي الذي إعترف بحق إسرائيل في الوجود وترك الباب مفتوحا للدولة الفلسطينية.. الثاني.. المنظمات اليهودية الموجودة داخل وخارج إسرائيل التي تعترف بحقنا كبشر في الأرض وفي الحياة.. إن ما يحدث في إسرائيل الآن غير مسبوق.. وقد ضاق الشعب الإسرائيلي بتكلفة الإحتلال ليس فقط الإقتصادية وإنما التكلفة المعنوية.. سيدي هل قرأت خبر إحتجاز قوات الأمن في جزيرة فيجي لثلاثة إسرايليين أرادوا زيارتها.. وأذاقتهم من نفس الكأس وبنفس الطريقة التي يعاملون بها الإنسان الفلسطيني على الحواجز.. نعم إعتدوا علينا وطردوا الإنسان الفلسطيني من بيته وحرموه من حياته.. ولكن هل لنا القدرة العسكرية لإزالة الدولة الإسرائيلية.. وهل يستطيع الإنسان الفلسطيني الإعتماد على أي من الدول العربية لإحقاق حقوقه.. وألم يدفع أثمانا باهظة خلال السنوات الماضية كلها.. أليس من حقة الحياة الآمنة..

أوروبا دفعت ثمن حريتها بالعلمانية التي أيقنت انها الطريق الوحيد لحماية مستقبل أطفالها.. العلمانية التي فصلت الدين عن الدولة لينعم الجميع بالمساواة أمام قانون واحد لا يتغير ولا يتبدّل تبعا للون أو الدين أو الجنس.. العلمانية والديمقراطية هي ما فتح الباب للمهاجر الشرقي المسلم والمسيحي ليعيش بحرية وأمان ومساواة وعدالة إجتماعية يفتقدها في كل أرجاء المنطقة العربية وبالتأكيد في الدول التي تدّعي إسلاميتها..

كما قال محمد عبدة..في اوروبا وجدت إسلام بدون مسلمين.. وفي مصر وجدت مسلمين بدون إسلام.. والقول ذاته ينطبق على باقي الدول العربية.. والمسلمة..
كلنا درسنا عن فتح مصر على يد عمرو بن العاص.. وكلنا درسنا عن تصنيف الأقباط وهم سكان مصر الأصليون كأهل ذمة وإجبارهم على دفع الجزية وإرسال أموالهم إلى الخليفة في المدينة. وكلنا درس في كتب الدين والتاريخ لماذا قتل عثمان بن عفّان... وكلنا نعلم ونقرأ عما يحدث مع الأقباط الآن على أيدي متطرفين مللأهم فقهاء الدين بالحقد وبالكراهية فلم تعد تتسع قلوبهم لمحبة الإنسان المختلف.. ولم يتفهموا بأن المحبة هي من صور الله.. نعم أنا أدين كل تطرف ديني.. سواء كان من مسلم أم مسيحي أم أي شخص من أي ديانة..

نعم ما تمر به منطقتنا العربية من تطرف وإرهاب أعمى القلوب والعيون لرؤية طريق آمن لمستقبل أطفالنا يتمثل في إحترام الديانات الأخرى.. وإحترام حق الجميع في مواطنة عادلة ومتساوية لا تخضع إلا للقانون الإنساني المتمثل في مبادىء الحقوق العالمية.. الإسلام دين ككل الأديان من الواجب إحترامه وإحترام كل من يؤمن بأي دين.. ولكن الإسلام الشمولي الذي كان سائدا أيام الخلافة لم يعد صالحا للتطبيق في القرن الحادي والعشرين.. وسنجرم في حق مستقبل اجيالنا وفي حق الدين إن أصررنا على تطبيق شريعته أو تطبيق أي شريعه دينية اخرى.. لأن كل الشرائع الدينية تتعامل مع الآخر بما يتناقض مع حقوقه الأساسية في المساواة برغم علمهم بأنها من قيم الأديان.. ليس هناك مواطن درجة أولى ودرجة ثانية إلا في جوازات السفر العربية.. وحان الوقت لإلغائها.. فكلنا بشر وكلنا متساوون في الحق وفي الكرامة..

لن أتغّير ولن أحيد عما أكتبة لأنني عشت مناخ القمع والقهر في الدول العربية.. والذي لا زلت أراه من خلال ممارسة الحكومات على المواطن الإنسان بكل الأشكال وأعرف مسبقا بأن هذا القمع سيكون أسوأ في حال وصول الإسلاميون إلى السلطة.... ولكنني أكثر منه حظا لأنني عشت الجزء الأكبر من حياتي في الديمقراطية الغربية.. ومن خلال تجربتي هذه إقتنعت بأن فصل الدين عن الدولة هو الطريق الوحيد للخلاص ولإستعادة قيمنا الأخلاقية.. ولإستعادة ضمائرنا... والتي أؤمن بوجود الله عز وجل فيها..

أحلام أكرم ndash; باحثة وناشطة في حقوق الإنسان