من المسلّمات ان الشرق الاوسط يحتوي على اكبر احتياط نفطي في العالم وحسب مصادر احصائية تنشرها وكالة الطاقة الدولية فان ثلثي احتياط العالم يقع تحت رمال دول الشرق الاوسط. تصاعد الاسعار في الأشهر الاخيرة اعاد تسليط الضوء على اوبك كما حدث في السبعينات واوائل الثمانينات. في تلك الفترة عوامل سياسية لعبت الدّور الاكبر في رفع الاسعار. في 2004 تختلف الظروف تماما على الرغم من التشابه على السطح. يجب ان نتذكر نقطة مهمة وهي ان الاسعار لا تزال منخفضة بالمقارنة مع عام 1980 . في تلك الفترة وصل السعر الى ما يعادل 80 دولارا في اسعار الدولار المتداولة حاليا. اذا تم اعادة الحسابات واخذنافي الاعتبار معدل التضخم المالي السنوي خلال 24 عاما نجد ان الاسعار باتت اقل مما كانت عليه اوائل الثمانينات بعبارة اخرى ينبغي ان ترتفع الاسعار الى 90 دولارا للبرميل قبل ان نستنتج انها وصلت اعلى مستوى في تاريخها ويعود السعر المرتفع للمنتجات المكررة والمقطرة في اوروبا وبريطانيا بالذات (حيث الاسعار مرتفعة جدا) الى عوامل لا علاقة لها باوبك او العراق. بل الى الضرائب الباهظة المفروضة من قبل الحكومة.

في العامين الاخيرين واجه العالم مشاكل عديدة: غزو العراق واعمال المقاومة التي عطّلت الانتاج المنتظم، اضرابات في فنزويلا وسياسة هيوغو تشافيز التي شملت طرد الاف الموظفين واغلاق الابار وتغييرات في الادارة لاسباب سياسية.

عمليات العصيان والعنف والاضرابات في نيجيريا خاصة في منطقة الدلتا وكذلك خطف العاملين في الصناعة النفطية وتهديد الاجانب من قبل عصابات "حاجي مجاهد اعصاري-دوبوكو". وفي الاسابيع الاخيرة من عام 2004 اجتاحت الاعاصير خليج المكسيك ودمرّت منصات الانتاج والانابيب وجزءا كبيرا من البنية التحتية وادت الى خسارة انتاجية تقدر باربع مائة الف برميل يوميا وكل هذه الاسباب هي في الواقع العنصر الثانوي في رفع الاسعار. وازمة شركة يوكوس في روسيا التي يحاول بوتين تدميرها لاسباب سياسية ساهمت في خلق الجو الهيستيري في الاسواق.

لكن السبب الاول في ارتفاع الاسعارهو ارتفاع مقدار الطلب العالمي للنفط. وحسب تقارير وكالة الطاقة الدولية ان طلب العالم ازداد عام 2004 بنسبة 3.3% اي 2.6 مليون برميل يوميا. العالم يستهلك الان 82.4 مليون برميل يوميا. قبل عامين كان الاستهلاك بحدود 78 مليون برميل يوميا.

العامل الصيني الهندي : احتياجات الصين والهند قفزت بشدة في الاعوام الاخيرة. الصين تشهد نموا اقتصاديا لا نظير له والهند تمر بمرحلة تغير نوعي في المجال الاقتصادي كمركز صناعات تقنية عالية وفي مجال الاتصالات وارتفاع المستوى المعيشي، الصين لوحدها مسؤولة عن ثلث الزيادة في نمو الطلب العالمي على النفط.

ويعتقد بعض المحللين ان اعضاء اوبك ينتجون الان اقصى كميات ممكنة. لم يعد هناك انتاج اضافي زائد عن الحاجة . بعض كبار المحللين رأى انه كان يتعين على اوبك زيادة الانتاج في وقت مبكر لتفادي اي نقص في الامدادات..

اذا اضفنا عنصر الطلب العالمي المتزايد الى المخاوف الامنية في العراق نجد ان الضغط على الاسعار واضح ومخاوف المتعاملين تلقى ما يبررها. لكن الامر لا يتوقف عند هذا الحد، هناك مشكلة اخرى خلقت عوائق في الامدادات. ارتفاع الاسعار لشحن ناقلات النفط وعدم تواجد ناقلات كافية للشحن من الشرق الاوسط لاسواق اوروبا، اميركا وشرق اسيا.

الطلب المتزايد اوجد ضغطا اضافيا على المصافي، خاصة في الولايات المتحدة، وهذا تزامن مع حلول فصل الشتاء والبرد القارس. ومن ثم الطلب على المنتجات المكررة لا سيما وقود التدفئة. ولا يوجد طاقة تكرير اضافية لسد الثغرات. اضف الى ذلك صعوبة تكرير النفط الخام الثقيل .

والمصافي تفضل الخام الخفيف لسهولة تكريره. وهذا ينعكس في فارق السعر بين الخام الخفيف المرغوب والخام الثقيل غير المرغوب والذي سعره عادة اقل . وعليه توافر الخام الثقيل لا يحل مشكلة العجز في الامدادات. كل هذه العناصر مجتمعة ساعدت في رفع الاسعار الى مستويات لم نرها منذ عشرين عاما.

هل دخل العالم الى مرحلة نقص دائم في الامدادات؟ كلا بالطبع فاوبك قادرة على زيادة الانتاج .

على اوبك الاستثمار في تطوير بنية تحتية لاعمال التنقيب والانتاج. السعودية تخطط لزيادة الانتاج ما بين 12.5 و 15 مليون برميل يوميا. ناهيك عن الانتاج في الدول العاملة خارج اطار اوبك. هذا بالطبع يستغرق عدة سنوات.

الاسعار المرتفعة ترفع الكلفة للمستورد والمستهلك، وتؤدي الى تباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي. توصل الاقتصاديون في الولايات المتحدة الى استنتاج ان كل زيادة 10 دولارات للبرميل اذا استمرت عدة أشهر متتالية ستؤدي الى نقص بنسبة نصف في المئة من اجمال الدخل القومي. والان هناك اجماع على حل وسط مرغوب فيه وهذا يعني نطاقا سعريا ما بين 30 الى 35 دولارا.

ولكن استمرار انهيار الدولار يتطلب تعديلا في الاسعار، وهذا لا يتم الا اذا كان هناك تغيير في كمية الامدادات. المعادلة صعبة في كل الاحوال ولا يوجد حلّ سحري للمعضلة.