حقيقة دور الضابط الغامض في اغتيال السادات" (2 من 4)
من دبر لممدوح "عقد عمل" في السعودية؟

إقرأ الحلقة الأولى:

حقيقة دور الضابط الغامض في اغتيال السادات(1من 4)
قصة العلاقة بين المقدم ممدوح أبو جبل والظواهري

نبيل شرف الدين: لعل الأكثر إثارة في قصة المقدم ممدوح أبو جبل، هو أنه مازال يعيش الآن بيننا كرجل أعمال مرموق، يعرفه بهذه الصفة وحدها كثيرون في حي "إمبابة"، كما أكد لنا ذلك مصدر أمني عمل سابقاً في هذه القضية، موضحاً أن فريق البحث وجمع التحريات والتحقيقات الأمنية في تلك القضية لم يكن حكراً على جهة أو جهاز بعينه، بل كان فريقاً ضخماً يضم مئات الضباط من عدة أجهزة أمنية مدنية وعسكرية، كمباحث أمن الدولة والمخابرات العسكرية والعامة والمباحث الجنائية والتحريات العسكرية وغيرها.

السادات يصافح بيغن وبينهما كارتر
يقول الضابط السابق إن المقدم ممدوح أبو جبل أبدى بالفعل رغبته في التعاون بأي طريقة يراها المحققون، ووضع نفسه تحت أمرهم تماماً، مشترطاً أن يكون ذلك مقابل "تحييده" وتحويل موقفه في القضية من متهم بتزويد قتلة السادات بأبر ضرب النار وعبوات ناسفة، إلى "شاهد ملك" لا تتضمن لائحة الاتهام اسمه، بل سيدلي بشهادته ضد أبرز عشرة من قادة التنظيم، وكان أن رحب المحققون بالعرض، وتعاطوا معه بجدية، خاصة وأن أجهزة الأمن "كما قالت المحكمة في حيثيات حكمها"، كانت آخر من يعلم بتحركات التنظيم وما كان يدبره عناصره من ترتيبات لعملية الاغتيال ضمن خطة لم يكن الأمن يعرف عنها ولا عن منفذيها أو المخططين لها أي شئ، ولم يستفد الأمن حينئذ من صيد ثمين هو "نبيل المغربي"، الذي كان لاعباً أساسياً وخطيراً في التنظيم قبل أن تعرف عنه أجهزة الأمن شيئاً، ورغم إلقاء القبض عليه فلم يفلح المحققون في سبر أغواره، والتوصل إلى ما يخفيه في قرارة نفسه من معلومات وأسرار، كان كشفها حينئذ من شأنه أن يجهض عملية اغتيال السادات، وما كان سوف يترتب على ذلك من نتائج أهونها أنها ربما غيرت مسار تاريخ مصر المعاصر، لكن ما حدث أن أجهزة الأمن في تلك الأيام كان قد بلغت من الترهل والثقة المفرطة حداً أصبحت معه كالزوج المخدوع، آخر من يعلم .

السادات .. رجل كل الأدوار
وبعيداً عن شهادة رجل الأمن السابق، فهناك شهادة العضو السابق في جماعة "الجهاد" الذي أشرنا إليه ، وهي تؤكد صحة الشاهد الأمني في مجملها، إذ يقول "الجهادي السابق" إن المقدم ممدوح أبو جبل التقطته عين مدربة من داخل الأجهزة الأمنية، أثناء تعرضه للتعذيب في سجن "القلعة"، لتحوله إلى "شاهد ملك"، خاصة بعد أن أبدى استعداده للتعاون مع المحققين، وحتى يجري "حبك التهمة" حول بقية المتهمين في مقابل أن يفلت برقبته، وهنا يعرب "الجهادي السابق" عن اعتقاده بأن أن ممدوح قد وافق عل ذلك العرض هرباً من ألم السوط، وليس خوفاً من حكم المحكمة، فلم يكن أحد وقت التعذيب والتعليق ـ وهي من أساليب التعذيب الشائعة ـ يفكر في محكمة أو حكم بالسجن أو الإعدام، بل كانت الشهادة وقتها أمنية الكثير من المتهمين فراراً من التعذيب والتنكيل، غير أن "الجهادي السابق" يستدرك قائلاً إن "المقدم ممدوح أبو جبل قد خسر كثيراً باختياره هذا، ولعله أحسَّ بحجم هذه الخسارة لحظة دخوله القاعة ليقف موقف الشاهد ضد إخوانه القابعين في أقفاص المتهمين"، ويمضي في روايته قائلاً إن المخابرات حاكت له قصةً ليدلي بها أمام المحكمة ليصبح بذلك شاهداً، لا شريكاً متهماً في القضية، وقد نفذ بالفعل كل ما طُلب منه، وقال ما أرادوه تماماً دون أدنى تردد" .

خالد الإسلامبولي
ويمضي محدثنا قائلاً إن المقدم ممدوح أبو جبل كان يتردد على مسجد "الجمعية الشرعية" ويعتنق أفكارها السلفية، ثم كان تحوله إلى "تنظيم الجهاد" بعد أن تعرف على قيادي التنظيم الشهير ومهندسه ومنظره محمد عبد السلام فرج، بصفته "أخاً مسلماً ملتزماً"، وأنه هو الذي ضمه إلى التنظيم، وكان موضع ثقته وبالتالي تعرف من خلاله على معظم قادة التنظيم، وحين وصلت الترتيبات الخاصة بخطة اغتيال السادات إلى نقطة حرجة، حين كان خالد الاسلامبولي ورفاقه مستعدون تماماً لتنفيذها، وكانت إحدى أخطر المشكلات التي واجهت مهندس التنظيم ومنظره ومنسق دعمه اللوجيستي عبد السلام فرج، هي العثور على قنابل دخان وعبوات ناسفة و"إبر ضرب نار"، لوضعها في البنادق الكلاشينكوف التي تنزع منها الإبر كإجراء أمني روتيني يجري اتخاذه خلال أي عرض عسكري تشهده شخصيات سياسية رفيعة، وحين لم يجد فرج أمامه إلا ذلك "الأخ المسلم الملتزم"، ضابط "الأسلحة والذخيرة" ممدوح أبو جبل، فقد أرسل إليه كلاً من طارق إبراهيم، وصالح جاهين ـ وهما من قادة التنظيم ـ وفي رواية أخرى أنه أرسل أنور عكاشة، وأعطاهما عنوانه في حي "إمبابة"، و"كلمة السر" التي ينطقان بها قبل أن يبلغاه رغبة فرج في الحصول على هذه الأسلحة، وبالفعل جرت الأمور بدقة ودون أية معوقات، وأعطاهما ثلاث خزائن خاصة بالبنادق الآلية، وثلاث إبر ضرب نار، ووعد بتزويدهما في وقت لاحق بالعبوات الناسفة وأوفى بوعده .

وكانت هذه هي رواية العنصر السابق في تنظيم الجهاد، وهي رواية أيدها لنا المحامي منتصر الزيات في حوار مطول، وإن اختلف مع بعض تفاصيلها، التي لا تمس الإطار العام للوقائع وجوهرها، ومع ذلك التأكيد من الزيات الذي كان ناشطاً قبل أن يصبح محامياً في معظم قضايا العنف الديني إلا أننا نجد أنفسنا مضطرين إلى تدقيق تلك الواقعة من مصدر ثالث تحرياً للحقيقة في تلك الوقائع التي مر عليها زهاء ربع قرن، جرت خلالها مياه كثيرة في شتى الأنهار والأنحاء، وتفرقت السبل بمعظم شهودها وأبطالها .