تظاهرة ضد تظاهرة وتهديد لحود إذا تهدد السنيورة
إقرار المحكمة الدولية : لبنان يتحضر للهاوية

إيلي الحاج من بيروت، باريس: اكتملت اليوم الإثنين كل عدة التحدي والرد على التحدي في لبنان بانعقاد مجلس الوزراء في جلسة استثنائية وإقراره من دون أي تحفظ مسودة مشروع المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه . وشارك في الجلسة التي دامت ساعتين ونصفاً بدءاً من الظهر 16 وزيراً وترأسها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في غياب وزراء حركة quot;أملquot; وquot;حزب اللهquot; الخمسة المستقيلين، ووزير البيئة يعقوب الصراف الموالي لرئيس الجمهورية الممددة ولايته إميل لحود ، والذي انضم إليهم في الإستقالة.

وسترسل المسودة مباشرة الى مجلس الامن الدولي لاقرار مشروع قانون المحكمة كي تعيده المنظمة الدولية الى لبنان لتبرمه الحكومة اللبنانية ويصدقه مجلس النواب، ويبدو أكيداً أن لحود سيرفض توقيعه مما يعني أن مجلس النواب سيصوّت عليه ثانية ليصبح مبرماً رغم اعتراضات رئيس الجمهورية وquot;حزب اللهquot; . أي أن الحكومة اللبنانية لم تعتبر قانون المحكمة معاهدة لتكون لرئيس الجمهورية القدرة على رفضها. وحيال هذا التطوريقف الوضع في لبنان حالياً على quot;حافة الهاويةquot; ويكاد يسقطفيها، أما الحؤول دون ذلك فإنهيحتاج الى معجزة، لأن المؤشرات المتدافعة لا تبعث على التفاؤل وانما على القلق ازاء تطورات وأوضاع خطيرة ستكون الساحة اللبنانية مسرحا لها قريبا جدا، إذ تعطلت الكوابح والضوابط التي كان يعوّل عليها للحد من اندفاعة الأزمة وحصرها في أطر سياسية، وانهارت عملية التشاور، وخرجت طائفة أساسية من الحكومة، وتجددت المواجهة بين رئاستي الجمهورية والحكومة، وتحول الطرفان الى شحذ quot;الهمم وتعبئة الشارعquot; واعداد عدة المواجهة، وتوقف المسعى السعودي في وقت لا تلقى المناشدة المصرية أذانا صاغية وسط الصخب والانفعال.. انها أزمة حكم ووطن: رئاسة أولى معزولة ومحاصرة، حكومة ناقصة ومشكوك في شرعيتها الدستورية، مجلس نيابي مشلول، قيادات عاجزة عن التفاهم والاتفاق، وطن عاد ساحة اختبار وتصفية حسابات بعدما كانت لاحت له فرصة استعادة كل مقومات الاستقرار والاستقلالية وفك الارتباط مع مؤثرات المنطقة وأزماتها.

ولكن رغم ارتسام ملامح quot;صورة قاتمةquot; ومعالم مرحلة مضطربة، لا يمكن اقفال نافذة ما زالت مفتوحة وإن أخذت تضيق بسرعة وتنتظر عودة الرئيس نبيه بري من طهران حيث قابل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ، علماً أن الخيارات والاتجاهات باتت ضيقة. والانفراج تتراجع حظوظه، ولم يبق من احتمالاته سوى واحد باهت يقول بأن quot;حزب اللهquot; ساير النظام السوري ولم يتمكن من وقف مسار المحكمة الدولية ، وبالتالي بات قادراً على العودة عن الاستقالات لانسداد الآفاق التي تلي هذه الخطوة أمامه ، ويساعده في قرار العودة أن الرئيس السنيورة الذي يمسك الى حد بعيد بزمام المبادرة في هذا المجال رفض استقالة الوزراء الشيعة وهو ينتظر عودة الرئيس بري الذي تحدث عن quot;طلاق هو أبغض الحلال ولكن يمكن الرجوع عنهquot; ، وفي هذه الحال يعيد بري توجيه الدعوات الى طاولة التشاور او يخترع أي مخرج آخر في سبيل التهدئة لا غير، حتى لو لم يكن مقنعاً للمنطق على غرار ما كانت quot;عيديتهquot; الأخيرة التي حملت ما يفسدها بشروط بندي البحث ، فضلاً عن تهديدات الأمين العام لquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله الذي يتبدى مرة أخرى إنه أخطأ في تقدير رد فعل من يبادر إلى مهاجمتهم ، مع فارق التشبيه بين فريق لبناني وإسرائيل .

لكن الثابت الراسخ حتى اليوم أن سيناريو الانفجار السياسي الذي انطلق مع استقالة الوزراء الشيعة يتقدم بثبات . وهذا احتمال تعززه المواقف والاستعدادات المتبادلة: quot;قوى ١٤ آذار/مارسquot; أعلنت معركة الدفاع عن الشرعية التي لا تراجع فيها ولا مساومة، متهمة ايران والنظام في سورية بالوقوف وراء quot;مشروع انقلاب داخلي يقوده حزب اللهquot; ، والتحالف الشيعي يعلن انه تجاوز مسألة الثلث المعطل الى خوض معركة اسقاط الحكومة بكل السبل ، وان رئاسة السنيورة للحكومة باتت مطروحة على بساط البحث.

وتتكتم مصادر quot;حزب اللهquot; ومن يناصرونه عن مخططاته وتكتفي بتأكيد النقاط التالية:

- لا رجوع عن استقالة وزراء quot;حزب اللهquot; وحركة quot;أملquot;، والكرة باتت في ملعب الغالبية الحكومية والبرلمانية .
- خطة الرد السياسية والشعبية ستكون quot;متدرجة ومتدحرجةquot; وتبدأ في غضون أيام.
- التحركات في الشارع ستكون مفاجئة في طبيعتها وحجمها، والاتجاه الأول هو الى اعتصامات وحركة احتجاجات وعصيان... مع تعليمات مشددة بعدم اللجوء الى العنف والسلاح.
- الاستقالة من مجلس النواب غير مطروحة في هذه المرحلة، والمطروح هو التحوّل من معركة الحكومة الى معركة الانتخابات النيابية المبكرة. والأكثرية تأخذ خطط وبرامج المعارضة على محمل الجد، ولم تعد تعتبرها على سبيل التهوبل والتهديد .

ولا شك أن الغالبية التي صدمت بموقف الرئيس بري الذي تبنى المسار التصعيدي وانتقل من موقع الحكم وادارة الأزمة الى موقع الطرف في الأزمة، لكن هذه الأكثرية تعتبر ان المشهد السياسي اتضح والغايات انفضحت وعملية الفرز اكتملت، ومرحلة اتخاذ الخيارات والقرارات الصعبة بدأت، وفي يدها أوراق كثيرة وفي مقدمها ورقة quot;الشرعيةquot; التي تتقدم في حساباتها على quot;ورقة الشارعquot;. وإذا كان في نية quot;حزب اللهquot; التوجه إلى السرايا لمحاولة إسقاط الرئيس السنيورة فإن حشوداً ستتوجه على الفور إلى قصر بعبدا لإخراج لحود منه، فتكون تظاهرة في وجه تظاهرة واعتصام في وجه اعتصام وهكذا دواليك.

وبما أن هذه الرسالة وصلت إلى من يعنيهم الأمر، فالراجح والأقرب إلى العقل أن يتمهل السيد حسن نصرالله لأن شعب لبنان ومن ضمنه جمهوره لا يتحمل مرة ثانية عبارته الشهيرة quot;لو كنت أعلم quot; .

باريس ترحب باقرار الحكومة اللبنانية

بدورها رحبت فرنسا اليوم الاثنين باقرار الحكومة اللبنانية مسودة المحكمة الدولية المكلفة محاكمة المسؤولين عن اغتيال رفيق الحريري. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية جان باتيست ماتيي في بيان quot;ان فرنسا ترحب باقرار الحكومة اللبنانية اقتراحات الامم المتحدة المتعلقة بانشاء محكمة خاصة من اجل لبنان مكلفة بشكل اساسي محاكمة الاشخاص المسؤولين عن الاعتداء الذي اودى بحياة رفيق الحريريquot;.

لحود: موافقة الحكومة لا قيمة لها

من جهتهاعتبر رئيس الجمهورية اللبناني اميل لحود مساء اليوم ان موافقة الحكومة على المسودة النهائية لمشروع المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستحاكم المتهمين باغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق quot;لا قيمة لها لا دستوريا ولا قانونياquot;. وقال لحود في بيان صادر عن المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية quot;ان أي مقررات خرج بها هذا الاجتماع (للحكومة) إنما صدرت عن سلطة مفتقرة إلى الشرعية الدستورية والميثاقية ومقومات السلطة الدستورية ومكوناتها، وان لا وجود ولا قيمة لها لا دستوريا ولا قانونيا، وإنها لا تعني إلا واضعيهاquot;.