حماس: مواطن القوة والضعف (4 من 5)

في إيلاف أيضا


احتمالات الوضع الفلسطيني بعد فوز حماس(1/5)

شؤون الحكم وشجون المعارضة

احتمالات الوضع الفلسطيني بعد فوز حماس(2/5)

التحضير للانتخابات: فتح في المأزق

احتمالات الوضع الفلسطيني بعد فوز حماس(3/5)
معمودية الدم والوجوه المتقاطعة بين فتح وحماس


أكاديميون يتحدثون لـ إيلاف عن المستقبل بعد صعود حماس

بلال خبيز: وفدت فتح إلى الأراضي المحتلة وسط عاصفة من الاعتراضات الشديدة. فتح التي شكلت اماً للنضال الفلسطيني المسلح طوال زمن السبيعينات والنصف الأول من الستينات كانت في منتصف الثمانينات من القرن الماضي قد عبرت بحوراً كثيرة ومتعددة. بحر الاحرب الأهلية الفلسطينية التي اكتوت الحركة الوطنية الفلسطينية بنارها في بيروت ما بعد الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وانشقاق بعض كوادر فتح عليها، وبحر الصراع غير المتكافئ ضد اسرائيل من جنوب لبنان، وبحر الحرب الأهلية اللبنانية ودورها الراجح فيها، فضلاً عن معركة القرار الوطني الفلسطيني المستقل وصراعها المرير مع الانظمة العربية في هذا السياق من الأردن ومصر إلى سورية.

هذه المحن التي تعرضت لها هذه الحركة اسفرت عن نتائج بالغة الأهمية. فيوم استدعى الرئيس جورج بوش الأب اسحق شامير إلى مدريد وجمع القادة العرب واسحق شامير في مؤتمر سلام كان الوفد الفلسطيني ملحقاً بالوفد الأردني، ولم يكن ثمة اي اعتراف دولي بحق الفلسطينيين في تمثيل انفسهم مباشرة ومن دون واسطة. اتى العرب إلى مدريد وخلفهم كل حروبهم التي لم يتسن لهم ان يخوضوها ضد اسرائيل، اتوا ومعهم هزائمهم وحربهم المستحيلة التي وقعت في بيروت في صيف العام 1982. الحرب التي اخرجت منظمة التحرير الفلسطينية من ميدانها الأخير المتبقي لها من الميادين التي تحسن القتال فيها، وتمركزت بعيداً عن الحدود، وبعيداً عن فلسطين، في تونس من دون خيارات عسكرية تقريباً. منذ ذلك اليوم اصبح خيار النضال من الداخل خياراً حاسماً ولا بديل عنه. فتح المثقلة بجروح حروبها والواهنة من حميّا المعارك التي خاضتها لم تتردد في ولوج باب اوسلو الذي انفتح امامها، ولم يتردد قائدها التاريخي الرئيس الراحل ياسر عرفات في ترتيب بيت فتح الداخلي ليلائم مقتضيات خيار اوسلو. لم يحصل كل هذا من دون خسائر كبرى، ولم يحصل من دون مناقشات مستفيضة واعتراضات من كل لون ونوع. وصلت القيادة الفلسطينية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة والاتهامات تتبعها وتلاحقها من كل حدب وصوب. فالاعتراف باسرائيل والتخلي عن الكفاح المسلح سبيلاً وحيداً لتحرير فلسطين والرضى بحكم ذاتي ومفاوضات عسيرة ومتعددة المراحل طعنت هذه الحركة في صلب مبادئها التي قامت عليها. لم تكن فتح تتمتع بقابلية حماس للتحول من حركة مهادنة إلى حركة مسلحة، ومن ناحية ثانية كانت مطالبة بتغيير جذري في بنيتها التنظيمية لم تقو على الوفاء بمستلزماته في ظل الحصار المفروض عليها. والحق ان حركة فتح استمرت قوية بفعل قوة الرمز الذي كان يمثله قائدها التاريخي ياسر عرفات، وكان الرجل يمسك بيديه معظم مفاتيح غابة السلاح الفلسطيني فضلاً عن معظم مفاتيح اتجاهها السلمي.

بغياب الرجل بدت اعطاب الحركة البنيوية اصعب من ان تخفى، وعلى خلافته دارت معارك خافتة وصاخبة، وكاد رفاق الجيل الأول من الحركة يتحولون اعداء. لكن حكمة الرئيس محمود عباس اجلت كل هذه الانفجارات وان كانت لم تنجح في رتق الشقوق والتصدعات البنيوية التي عانت منها الحركة في معظم مفاصلها.

في الأثناء كانت حركة حماس تبلغ اشدها، حركة ناهضة وفتية في مقابل حركة شاخت ويضرب الوهن مفاصلها. وفي الأثناء لم تكن معمودية النار التي دعت حركة حماس نفسها إلى الدخول في اتونها اشد خطراً على الحركة وبنيانها من معمودية اوسلو التي دعيت حركة فتح إلى التزام مفاعيلها. فحماس كانت تعود إلى اصل نضالي فلسطيني، فيما كانت فتح تفتتح مساراً جديداً كل الجدة في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني، ولم يكن مضمون النتائج في طبيعة الحال. لكن ما نتج عن هذا كله، ان الخيار الفتحاوي الذي رسا على خيار اوسلو انتج فسحة مناسبة للحراك الفلسطيني السياسي في كافة الاتجاهات. كانت حماس تستفيد من هذه الفسحة وهي تصلي هذا الخيار اشد معارضتها. والحق ان الانتخابات الاخيرة ليست إلا بنت من بنات خيار اوسلو وان حماس خاضت المعركة الانتخابية على هذا الحامل المرعي دولياً وفلسطينياً وهي تعترض عليه اشد الاعتراض.

فضلاً عن اثمان اوسلو التي دفعتها فتح من كيسها، ثمة المعركة التي خيضت من داخل فتح ومن خارجها على مستوى تجديد البنية الداخلية لفتح ودمقرطتها، فضلاً عن ضرورة الإصلاح الإداري في الإدارة الفلسطينية عموماً.

وفي هذا المجال يمكن القول ان فتح، وهي وارثة تيار عروبي عريض ومتسع في العالم العربي، لم تبد مؤهلة، من حيث بنيتها الموروثة، للخوض في إصلاحات جذرية. فيما كانت حركة حماس بمنأى عن كل هذه المخاطر، فحماس، مثلها في ذلك مثل معظم التيارات الإسلامية المعاصرة، تنطلق من زهد في امور الدنيا ورغبة في اتمام الدين، والحال فإن الاتجاه الذي طبع سلوك حماس في هذا الصعيد، كان سلوكاً يولي امر مساعدة الناس وتأمين الضروريات لهم عنايته القصوى، وهذا سلوك ساعد في نمو الحركات الإسلامية في طول العالم العربي وعرضه شعبياً. خصوصاً وان تهم الفساد واستغلال المناصب طاولت المسؤولين في فتح مثلما تطاول مسؤولين في بلدان عربية اخرى. ومعركة محاربة الفساد والإصلاح خيضت في مواجهة فتح دولياً ايضاً، وان لم يكن لها ما يدعمها فعلاً. ويذكّر قادة فتح بحيثيات تلك المعركة التي سبقت تسليم سلام فياض وزارة المالية الفلسطينية، وكيف ان مسائل الفساد كانت تتناول الفتات القليل القليل الذي يتحصل من سوء استخدام المناصب. ففي وقت لم يكن بإمكان الوزارات الفلسطينية تسديد فواتير الهواتف الرسمية لا يصح الحديث عن فساد كبير وشامل. لكن الفساد في نهاية المطاف نسبي، والحق ان هذا الفتات نفسه يحمل معان كبيرة في ظل حصار كالذي تعاني منه السلطة الفلسطينية وشعبها في اراضي الحكم الذاتي. فعلى حاملة اتهام بعض المسؤولين الفلسطينيين بالفساد والاستفادة من المناصب الرسمية خسرت فتح ما كانت تربحه حماس بأعمالها الخيرية. واتت الانتخابات الاخيرة لتؤكد هذه الخسارة بما لا يقبل الشك.

يمكن القول ان حماس استفادت من شيخوخة فتح، لكنها ايضاً سلكت سلوكاً اخلاقياً حاسماً مكنها من اصابة حركة فتح في مقتل من مقاتلها الكثيرة.

مع محمود عباس رئيساً اعيد طرح الإصلاح السياسي والتنظيمي في حركة فتح والسلطة الفلسطينية. كان الاتجاه جدياً وحاسماً. لكن بعض المعوقات المتعلقة ببنية فتح الأصلية اخرت هذه الإصلاحات ومنعتها في بعض الاحيان.