حول إشكالية التفسير الذكوري للقرآن و السنة النبوية
ناهد سليم: بعض الايات استفاد من تفسيرها الارهابيون

حاورتها فينوس فائق: تواصل ايلاف نشر الجزء الثاني من اللقاء مع الكاتبة المصرية الهولندية نهاد سليم التي يعتبر كتابها (نساء النبي) الذي أصدرته عام 2003 باللغة الهولندية، من الكتب المهمة التي صاحبتها ضجة إعلامية في الأوساط السياسية و الإعلامية الهولندية.. النسخة المترجمة إلى اللغة الألمانية و التي تحمل عنوان (أنزعوا القرآن من أيدي الرجال) تسبب هو الآخر في ضجة أخرى في ألمانيا.. تتناول الكاتبة قضية من أهم القضايا حالياً و

ناهد سليم: الرجال احتكروا تفسير الدين 1-2
هي قضية تفسير القرآن و الحديث النبوي، الذي تم لحد الآن على أيدي مفسرين رجال فقط، و الذي ألحق الضرر الكبير في مساعي المرأة نحو الحصول على حقوقها، و حرمها من الكثير منها، بسبب التفسير الرجولي الذي يخدم دائماً مصلحة الرجل في ظل الشريعة الإسلامية.. حيث من المهم جداً أن تشارك المرأة في تفسير القرآن و السنة النبوية و حتى في كتابة السيرة النبوية، على الأقل من أجل تحقيق المساواة..

ناهد سليم من مواليد مصر، تبلغ من العمر 53 عاماً، مقيمة منذ ما يقارب الـ33 عاماً في هولندا.. منذ بداية نشاطها الكتابي و هي تسعى من خلال أفكارها و طروحاتها خدمة مسألة إصلاح الدين و تحديثه و أنسنة الدين الإسلامي و إشراك المرأة في تفسير القرآن و السنة النبوية.. ناهد سليم لم تخرج عن الدين الإسلامي إلا أنها تطالب بتغيير روح الدين و أقلمتها مع روح العصر و تحديث مباديء الدين الإسلامي، مثل مسألة بقاء الفتاة عذراء حتى وقت الزواج، قتل المرأة بدافع غسل العار، الذي يعني حسب رأيها أن المرأة لا تملك جسدها، و مسألة الحجاب و عدم المساواة بين الرجل و المرأة..
قبل هذا الكتاب أصدرت ناهد سليم باللغة الهولندية كتاباً آخر بعنوان (رسائل من مصر) عام 2000، و بعد كتاب (نساء النبي) اصدرت عام 2005 كتباً بعنوان (الصمت خيانة) الذي تتحدث فيه عن النساء المسلمات..

و هي الآن عضوة في اللجنة الداعمة للجنة المسلمين السابقين في هولندا التي تأسست على يد الشاب إحسان جامي من أصل إيراني في هولندا و تم الإعلان الرسمي عنها في شهر مارت 2007 هذا العام.. و هي لجنة تختص بشؤون المسلمين الذين لم يعودا يؤمنون بالدين الإسلامي..
حول كتاب (نساء النبي) و لجنة المسليمن السابقين في هولندا، كان هذا الحديث مع ناهد سليم، حيث أحببت التطرق إلى إشكالية تفسير القرآن و السنة النبيوة من قبل الرجل و فتح باب لحديث من طراز آخر عن الدين و إصلاح الدين لكن من خلال إمرأة، و طرح أهم سؤال و هو هل بإمكان المرأة أن تشارك في نقاش من هذا النوع و التطرق لمثل هذه الإشكالية التي لم يتم التطرق إليها إلا من خلال الرجل؟

bull;يعتبر الكثير من المسلمين المتشددين أن كل إنتقاد للدين هو تمرد على الدين، أو إنتقاص من شأنه.. فهل هذا يعني أن الدين غير قابل للتأويل و الإنتقاد، و هو ثابت و غير قابل للتغيير؟ في حين أن الكثير من الباحثين و المتخصصين في علم الدين يقولون أن (الدين) كممارسة و طقوس يندرج تحت خانة الحريات الشخصية.. ماهو تعليقك؟


أعتقد أن أي دين يجب أن يكون قابلاً للدراسة و الإنتقاد، لأنه حينما يدرس الإنسان شيء ما يصل إلى واحد من نتيجتين، إما موافق و إما غير موافق على ما يقال، فالدين يجب أن يتواكب مع ضروف و حياة الإنسان و هي في حال تطور تغيير دائم، فإذا لم يخضع الدين للنقد و للتغيير و للتأقلم سوف يكون في حالة متحجرة، و سينتهي بالنهاية إلى الإندثار لأنه من غير ممكن أن يكون حياة الإنسان عرضة للتغيير الدائم ثم يتبع دين ثابت لا يتغير.. فيكون إنفصام خطير بين الإثنين.. أعتقد أن النقد ليس بتمرد و لكن هو ظاهرة صحية و ضرورية جداً و بالعكس هو شرط لإستمرارية أي دين و أي نظرية فلسفية أو سياسية أو اي شيء آخر.. أنا لا أعتبره تمرد، لكن بنفس الوقت يجب أن نسأل أنفسنا الدين هل هو تجربة شخصية، هل هو نصوص نلقي عليها صفة القدسية؟ برأيي القدسية هي صفة لله وحده، و ليس هناك اي شيء آخر له تلك القدسية.. القرآن ليس مساوياً لله، و السيرة النبوية ليست مساوية لله. في الواقع الذين يضعون نفس القدسية في القرآن و نفس القدسية في السيرة النبوية، مثل تقديسهم لله، هو بالواقع نوع من الإشراك بالله.. النقطة الأخرى كيف تم تسجيل هذه الأحاديث؟ كيف سجل القرآن؟ من الذي كتبه؟ متى كتب؟ ماهي الطبعات المختلفة و النسخ التي كانت موجودة، هذه كلها أمور يجب أن نكون متفتحين لدراستها و لإستخلاص الدلالة الناتجة عن ذلك و المدلول هو لا يمكن أن لا نكون واثقين مئة بالمئة بأن المكتوب في القرآن و في الأحاديث يساوي مئة بالمئة بالمقصود الإلهي الذي أراده الله للإنسان..فنهاك مجال إذا لدراسة القرآن و دراسة الدين و الإعتماد على التفكير السليم لأن ليس هناك دليل ثابت على الإطلاق، بالعكس الأحاديث النبوية و السيرة النبوية كتبت بعد وفاة الرسول، بفترة تترواح بين مئة و ثلاثون و مئة و خمسون عاماَ، في كتابي شرحت أنه ليست هناك ذاكرة إنسانية يمكنها أن تتذكر كل هذا الكم من الأحاديث على مدى أربع أو خمس أجيال حتى ثبتت و كتبت على يد دارسين و جامعين سنة، فهذه خلاصة بأن الأحاديث النبوية تناقلتها الأجيال و بعد ذلك وصلت إلينا بكل الصحة و الثقة بأنها قيلت بهذا الشكل. و هذا الشيء أن لا أعتقده..

bull;التطرق إلى موضوعة الدين و إنتقاده، بعد كان أحد المحذورات في الوقت الراهن من قبل الكثير من الكتاب و مؤخراً الكاتبات، أصبحت مسألة تتكرر، و يفسرها البعض من النقاد الدينيين على أنه إستعراض و طريقة للحصول على الشهرة..
bull;
لا أعتقد أن التعرض للنقد الديني يعطي الإنسان شهرة، بالعكس يجلب المشاكل أكثر من أي مجال آخر، الباحث عن الشهرة أمامه مجالات أخرى كثيرة، و مثمرة أكثر من النقد الديني، أعتقد أن كل هذه الأمور هي بمثابة عراقيل لأن الناس لم تتعود بعد على أن جواز النقد الديني و على أن هذه ظاهرة جيدة و صحية جداً، الذين يعرفون المصادر الدينية بشكل كافي يعرفون ايضاً أنه و طبقاً للقرآن آيات الله لم تظهر فقط في القرآن و إنما ظهرت في ثلاثة اشياء.. في الكون بشكل عام، بإستطاعة الإنسان أن يرى آيات الخلق، و يتعاطا معها بعقله.. و في نفسكم، أي في داخل أجسامنا نستطيع أن نجد آيات الخلق.. و المصدر الثالث هو الآيات في الكتب المقدسة أو في القرآن.. إذا نقد القرآن لا يعني إطلاقاً الرفض الديني بشكل قاطع، بالعكس هناك مصدرين آخرين لهم نفس الثقل في الإحساس الديني و هو إنه الإنسان يتفقد العقل و يفهمه و يستخدم عقله، و يتفقد نفسه و يفهمها و كل هذا يدل على وجود الخالق، فإذا كان القرآن به آيات كثيرة متعارضة و متضاربة مع بعضها، فهذا الشيء يجب أن لا نغمض أعيننا عنه و إذا كانت هناك آيات كثيرة متعارضة مع الفكر السليم و حركة المعتزلة بالمناسبة أشاروا إلى هذه النقطة كثيراً و قالوا: إذا تعارضت آيات مع التفكير و الفكر السليم بنأخذ بالفكر السليم و نؤل القرآن أو نصدق عقلنا.. فهذه كانت حركة عقلانية مبكرة في التأريخ الإسلامي للأسف لم تصمد و لم تنجح في تخليص النفوس من الخضوع التام و محو التفكير و هذا في الواقع هو سبب التخلف في البلاد الإسلامية كثيراً..

bull;الكثير من التلفزة و وسائل الإعلام أصبح الدين و إستفزاز المسلمين في العالم من خلال طروحاتهم، و تفسر من قبل المسلمين المتشددين على أنها دعوات تكفيرية و هم مدفوعون من قبل الغرب.. لكن لماذا كل محاولة لتخطي الخطوط الحمر و كسر المحذورات، خصوصاً ما يتعلق بالدين يقال أنه كفر و مدفوع من قبل الغرب؟ لماذا لا يقال أنه ممارسة حرية طبيعية مثل باقي الحريات التي يجب أن تمارس و يمتلكها المواطن في العالم الإسلامي؟ لماذا عند الحديث عن الدين الإسلامي يكون الحديث عن الكفر و الإساءة للمقدسات و ما إلى ذلك؟
bull;
في الواقع الذين يقولون هذا الشيء لديهم عقدة نقص شديدة تجاه الغرب و هم يعتقدون أنه ليس ممكن لمسلم أو مسلمة أن يمتلك التفكير و العقل بما يكفيبأن يفكر بشكل مستقل، و يستنتج إستنتاج يكون مخالفاً لما هو متعارف عليه، فهذا نقص في الثقة شديد في النفس عند هؤلاء الأشخاص.. هم يعتقدون أن التفكير لا يمكن أن ينشأ للمسلم في هذا المجال إلى إذا كان مدفوعاً من الغرب، هذه تهمة غريبة تشير إلى عقدة النقص الشديدة عند هؤلاء الأشخاص، لأن الإنتقاد هو محاولة للإصلاح و ليست ظاهرة عدائية كما يعتبروها، بالعكس هي ظاهرة تنم عن كم كبير لإنتماء هؤلاء لهذا المجتمع، فعندما ينتقدون عن طريق النقد يحاولن معالجة علة أو نقص معين، و هذه الظاهرة لا تدل على الأنانية إطلاقاً، بالعكس فهي تدل على التضحية لأنه تنسي أن الإنسان الذي يتعرض لهذه الأمور بيثير عرضها للمشاكل و هجومات عديدة، فالواقع من المفروض أن نكون مشجعين لهؤلاء الناس الذي مع كل هذه الصعوبات لا يريدون أن يتعرضون لذلك الخلل و ينتقدون و يصرفون جهدهم و دراساتهم لهذه الأمور..

bull; بالرغم من أن مواضيع الإرهاب الإسلامي و التشدد الإسلامي و توسع دائرة نشاط الأصوليين المسلمين تحتل مساحة كبيرة من برامج القنوات الفضائية و وسائل الإعلام الأخرى، لكن بالتوازي مع ذلك ذلك و بشكل خفي هناك خط ديني آخر يعمل بإتزان و معقول و مناسب مع روح العصر، لكنه ينشط بصوت خافت. و مثالنا على هذا النوع موجود في تركيا.. ألا يعني هذا أن الإسلام بمقدوره أن ينسجم و يتأقلم مع التغييرات و مستجدات العصر؟


أعتقد أن هذا ممكن لكن بشرط واحد و هو أن تتخلى الناس عن فكرة قدسية المصادر الإسلامية و عن تقديس الأشخاص العاملين في الدين و الخضوع لهم و نفي التفكير الذاتي عند الشخص نفسه.. فلإسلام بمقدوره التطور و التزامن و الحاة العصرية و التطور الطبيعي، لكن هناكشروط معينة لذلك و هي أن المصلحين و الذين يدعون إلى التغيير أن لا يدفعوا حياتهم ثمناَ لذلك، لأن هذا هو التقليد الذي حدث بتكفير المصلحين و قتلهم على مدى التأريخ الإسلامي و إعتبارهم مرتدين أو حتى عدم تقبل المرتدين.. فلماذا لا يقبل المرتد؟ المرتد الذي ما أصبح عنده ثقة بالدين أو أراد أن يعتنق ديناَ آخر، لماذا لا يقبل هذا منهم؟ الإصلاح هو عقلنة الدين تحتاج لمجهودات ليس في مقدور شخص واحد، لكن يجب من خلال أناس كثيرين و هؤلاء الناس لا يمكن أ، يعملون هذا إلا إذا كانوا آمنين على حياتهم، و الفكرة السائدة حالياً هو أن اي شخص و أعطيكي مثال للشيخ محمد محمود طه الذي كان شيخ لحركة روحانية السودان، الذي طور نظرية معينة بالنسبة لأصول القرآن، و قال أن هناك جحزء من القرآن يعتبر تأريخي يعني مرتبط بفترة زمنية معينة و هي الآيات القرآنية التي نزلت في المدينة و هناك جزء آن التي تعتبر اساس الدين و هي الآيات المكية التي نزلت في مكة و هذه هي التي من المفروض أن نعتبرها المصدر الدائم للدين الإسلامي، أما الآيات المدينية (التي نزلت في المدينة) فكانت مرتبطة بحقبة معينة في حياة الرسول أو في تأريخ الدين الإسلامي.. هذه حركة كان من الممكن أن تعمل تجديد خطير في الدين الإسلامي، لكن بدلاَ من أن يتاح له الفرصة، لنشر هذه الأفكار قبض عليه و أصدر الأزهر فتوى ضده و أعدم على ما أlsquo;تقد في بداية الثمانيات أو بداية السبعينات، عن عمر واحد و سبعين سنة.. هذا هو الذي يحدث تقريباً مع كل المفكرين و المصلحين أو الذي أرادوا التحرر من الدين بشكل كامل.. تعرضت حياتهم للخطر و أعدموا، فهذا هو التفسير، و أنكي قلتي أن هذه الحركة هي خافتة، بالطبع تبقى خافتة إذا أصحابها لا يؤمنون على حياتهم إذا خرجوا بفكرة أو نظرية جديدة، ليس هناك بديل للناس إذا تعرضت حياتهم للخطر..

bull;في البداية تحدثنا عن تفسير القرآن، و قلنا أنه تفسير ذكوري و كمثال كتابك (نساء النبي)، و لكن هل لو يدعون المرأة هي التي تفسر القرآن، هل كانت ستفسره بإنصاف؟ و هل هناك تفسير لآيات نزلت قبل خمسة آلاف عام بحيث ينسجم مع روح هذا العصر؟ و هل هناك آيات سواء فسرها الرجل أو المرأة يعني آية قد تنسجم مع روح العصر و يحقق المساواة الإنسانية بين الجنسين؟


هناك البعض من النساء يعتبرن متشددين على جنسهم أكثر من الرجال، هؤلاء أيضاً موجودات حتى في الوقت الحالي و حتى في أوروبا، لكن بشكل عام أعتقد أن المرأة حينما تفسر القرآن من واقع تجاربها الحياتية و وضعها و تجربتها الذاتية لن تكون مجحفة بالنساء بهذا الشكل مثلما فعل المفسرون الرجال.. باإضافة غلى ذلك أعتقد أن كلا من المنظور النسوي و المنظور الذكوري مكملين لبعضهم فأعتقد أن حرمان مجتمع من المجتمعات من المنظور النسائي في تفسير الآيات القرآنية يعتبر حرمانه من نصف الإمكانيات المتواجدة و قصر التفسير كله على منظور واحد، مؤكد سيكون محدود أكثر من إذا كان متاح للإثنين.. المرأة لها مفعول آخر، فبالنسبة للإسلام العادي لم يكن للمرأة دور كبير، فإذا نظرة لـ(الصوفية)، فنجد أن المرأة إستطاعت أن تكون أيضاً مفسرة و تكون مثال متقارب للرجل أو تكون في نفس منزلة الرجل.. رابعة العدوية على سبيل المثال و هي تنتمي للقرن الثامن الميلادي و التي توفيت في البصرة، أحدثت طفرة كبيرة جداً في مفهوم الثواب و العقاب.. من الحكايات التي تحكى عنها مثلاً أنها شوهدت في الشارع و بيدها سطل من الماء و مشعل أ، شعلى ملتهبة باليد الأخرى، و عندما سئلت ماذا تعملين بهذا؟ أجابت: بسطل الماء أريد أن أطفيء النار، و بهذه الشعلة الملتهبة أريد أن أشعل النار في الجنة. فعندما سألوها: و لماذا تفعلين هذا؟ أجابت: أنا أريد أنه أحببت الله و أحببت أن أعمل الأشياء المحببة أن يكون هذا بسبب أن هذه الأشياء جيدة و ليس طمعاً بالثواب بالجنة، و إذا أردت أن أتجنب الأمور الكريهة أريد أن افعل هذا حباً بالله، و أن أفعل هذا من دافع إقتناعي أنه شيء خاطيء و يجب تجنبه.. و ليس خوفاً من النار، فأريد أن أحرق الجنة و أطفي النار حتى يصير إسلام المسلمين صافياً أكثر، فهذا الشيء لم يخرج به رجل قبلها. فهي أدخلت مفهوم الحب الذاتي الحب الروحاني من أجل الحب نفسه و ليس من أجل الثواب و العقاب.

bull;نأتي إلى موضوع آخر و هو تجربة الإسلام السياسي كيف ترين هذه التجربة؟ و ماهو تنبئك لمستقبل هذه التجربة؟ هل من المحتمل أن تكون لهذه التجارب في المستقبل حضور أو أشكال أخرى لحضورهم في الأوساط السياسية و الدينية؟


نحن الآن نسمية الإسلام السياسي، في حين أن الإسلام لم يكن في أي مرحلة من مراحله إلا سياسياً.. لأن منذ نشأته و بواقع أن الرجل جمع بيده السلطة الدينية و السلطة الدنيوية، كان قاضياً و زعيما و كان حتى قائداً في الحرب. فلم يكن الإسلام بأي شكل من الأشكال إلا سياسياً.. حدثت على مدى التأريخ محاولات فصل الدين عن السياسة، و حصل بالفعل هذا الفصل غلى حد ما و كان هذا في الفترة التي تكلمنا عنها و التي كان بها صفوة مدنية و دينية فرأينا مثلاً أتاتورك عندما أنشأ دولته العلمانية و نفس هذا الشيء إنطبق على شاه إيران الذي أيضاَ تمكن من أن يفصل بين الدين و الدولة و الدين و السياسية و على هذا المنوال نشأت النظم السياسية العربية الإشتراكية، فشفنا هذا في العراق و مصر و سوريا و التي تعتبر إشتراكية، فصلت بين الدين و الدولة و فيما بعد في مرحلة لاحقة، من نهاية السبعينات، حيث بدأتها إيران بالثورة الإيرانية عام 1979 و أنشأت دولة إسلامية تجمع مرة أخرى الدين والسياسة، بيد نفس الأشخاص، تلتها دول أخرى مثل السودان و باكستان.. و آخرون، فموجود حالياً حوالي أربع إلى خمس دول فيها الدين و السياسة مجتمعين في يد واحدة.. فهذا هو الإسلام السياسي و الذي كثير من الدول الإسلامية التي أتيحت لها فرصة الإنتخاب، في مصر مثلاً، غذا كان الإنتخاب حقيقة حرة فسوف تكتسب حركة الإخوان المسلمين و تنشأ أيضاً دولة إسلامية في مصر، فهذا تطور خطير و يعتبر نكسة رجعة للخلف مرة أخرى بالنسبة للدول الإسلامية، لأن هذا النظام في الإسلام السياسي أو الدولة السياسية الدينية في نفس الوقت، لم تجلب للمواطن أية حريات تذكر، بالعكس كانت هذه الأنظمة من أشد الأنظمة ضغظاً على الحريات الفردية و على حياة الناس العاديين، لأن لم يكن هناك جهة أخرى يلجأ إليها الإنسان، الحاكم و الشيخ و الإمام هم نفس الشيء و، ليست هناك أية ضمانات للحريات الفردية.. فبموازات ذلك نرى النظام الذي ساد في أوروبا في القرون الأخيرة، مدة ثلاثة أو أربعة قرون، وهو فصل بين الدين و السياسة قد أدى غلى تقدم كبير في كل المجالات و إلى زيادة الحريات الفردية و الضمانات على إحترام حقوق الإنسان، فأنا لا أرجوا أن هذا الإسلام السياسي يستمروا هكذا، أرجوا أن الدول التي تسود فيها هذا النظام و منها إيران، و الذي أثبت أن الظلم في ظل آيات الله كانت حتى أشد و أعنف من ظلم في ظل النظم التي كانت قبله.. فأعتقد أن واجبنا كلنا أن نقاوم هذا الشكل من الإستبداد المشترك، لأن الحاكم يميل للإستبداد و الشيخ و الملا ايضاً يميلون للإستبداد في أمور الناس و تصريف أمورهم برغبتهم الشخصية و إذا إجتمع هذين النوعين من الإستبداد في شخص واحد فالويل للمرأة الرجل العاديين..

bull;في بداية حديثك قلتي أن الدين لم يكن إلا سياسياً، فهل هذا يعني أنه من غير الممكن عزل الدين عن السياسة، و إذا لم نتمكن من عزل الدين عن السياسة كيف يمكن الإصلاح في المجال السياسي؟ هل في أن نصلح الدين؟ أم تغيير الدين و تطوره و ملائمته مع روح العصر؟ كيف سنغير السلطة السياسية إذا كان الدين متعمق هكذا في الحكم، هل في إمكانية عزله أو في تغيير و إصلاح الدين؟


الدين بشكله الحالي و منذ نشأته متخلخل في السياسة و السياسة متخلخلة في الدين، لكن من أجل أن نفصل الدين عن السياسة و السياسة عن الدين، يحتاج هذا لمجهود و للتطوير و لإصلاح المفاهيم الدينية.. هذا معناه أن كل الآيات التي تشير غلى الخضوع للسلطة و الإجماع و محاربة كل إنسان له رأي متفرد، كل هذه جذور لجذور دينية تمنع فصل الدين عن السياسة و علينا إنتقادها بشدة و الإصلاح بمعنى أ، هناك مفاهيم معينة نضظر أن ننتقدها و أن نقنع الناس بأنها لم تعد صالحة للإستمرار و بأن من أجل التطور المستمر و التكييف مع الزمن الحديث هناك معتقدات معينة و مباديء معينة يجب أن نعتبرها قد إنتهت و إستنفذت مرحلتها التأريخية.. لم يتم فصل الدين عن السياسة سيتم بمجهود كبير لتحقيق هذا عن طريق تصنيف و تقييم لكل الأفكار المتوارثة و التخلي عن الجزء الذي إستنفذ مرحلته و ؤسالته التأريخية و لم يعد صالحاً في يومنا هذا.. فهذا معناه أنني أدعوا لحركة إصلاحية شاملة من ناحية دينية و بنفس الوقت علينا أن نتبع و نتبنى التجارب الإسلامية التأريخية التي قام بها غيرنا و أثبتت صلاحيتها و أثبتت جودة مبدأ فصل الدين عن السياسة، ضمانا للحريات الشخصية و حماية حقوق الإنسان.. كل هذه أثبتتت فعاليتها و صلاحيتها و ما الذي يمنع أن نستفيد من تجارب الآخرين ولا نبدأ كل مرة بإعادة العجلة إلى البداية.. فهذا يعني أن الإصلاح السياسي الإجتماعي يجب أن يتم بتبني التجارب الإسلامية الأخرى التي أثبتت مفعولها، من ناحية و من ناحية أخرى كل العوائق الدينية التي ستقف و تعيق تبني هذه الأفكار الجديدة و التجارب الإسلامية الأخرى علينا إنتقادها و إقناع الناس بالتخلي عنها..

bull;كيف تعرفين تجربة (لجنة المسلمون السابقون في هولندا)، هل بإمكان هذه اللجنة أن تجري تغييرا واضح المعالم على خارطة الحريات الشخصية، و من ضمنها حرية إعتناق أو ترك الأديان، و خصوصاً بين المسلمين؟ هل من جدوى من مثل هذه الحركات، خصوصاً بين مسلمي الغرب؟ بكلمات اخرى، في الغرب الحريات مكفولة بالقانون، إذا بإمكان كل إنسان أن يعلن عن مثل التوجهات، لكن الصعوبة تكمن في ظهور مثل هذه الحركات في قلب العالم الإسلامي، إذا هل سيكون هناك تغيير لحركة مثل هذه و قد نشأت في الغرب؟

و حتى هنا في اوروبا هذه الحركات تواجه أيضاَ ضغط من جانب المسلمين المتشددين، بالرغم أن الحريات من حرية تغيير الدين مكفولة بالقانون الهولندي و كل القوانين الأوروبية و إن كان ربما تعرفين في محيطك، كما أعرف أنا في محيطي، أناس حالياً تركوا الدين الإسلامي لكن لا يتجرؤون بالتصريح بهذا، في الغالب يكون رد فعل المحيطين بهم و أهاليهم و في بعض الأحيان خوفاً من إنتقام المسلمين المتشددين، فأعتقد أنه في أوروبا هذه الحركات مهمة جداً لمواجهة المسلمين بانهم يفتقرون إلى عدم السماحة، بالرغم من أنهم يتوقعون من الناس الآخرين و يسالوهم منهم و يطلبون منهم التسامح في حين أنهم لا يدركون أنهم غير متسامحين على الإطلاق. فأنا أعطي أهمية كبيرة لنجاح هذه الحركات في غرب أوروبا، لأن نجاحها و شعبيتها قد يؤدي إلى إمكانية تطبيقها ايضاً في البلاد الإسلامية.. لكن يجب أن يقبل من مجمل أو غالبية المجتمع الإسلامي.. لأنهم يدعون إلى مبدأ حرية الدين، لكن يريدونها غذا كانت لصالحهم لكن معنى حرية الدين أيضاً هو حرية ترك الدين، و ليس هناك اي معنى من أن يظل الإنسان مسلماَ خوفاً من الإنتقام أو من التهديد و الوعيد، فبهذا يتحول الإسلام إلى سجن كبير، و لا أعتقد أن هذا هو الهدف من اي دين..

bull;يعني تؤيدين هذه التجربة، طيب هل هذا التأييد هو تأييد لممارسة حرية الإنسان في إعتناق الدين أو تركه، أم أنه نابع بشكل من الأشكال من رفضك لبعض مباديء الدين الإسلامي و تفسيرات الدين و القرآن و من قبل الكثير من الأئمة و التفسيرات الخاطئة أو التي لا تنسجم مع روح العصر بشكل عام؟


في الواقع هو نابع من إيماني بمبدأ حرية الإعتقاد و حرية الضمير، لأن الدين ليس له اي معنى ولا اي مفعول إذا لم يكن الإنسان مقتنع بشكل شخصي و عنده كل الحرية في هذا الإعتناق أو تركه.. انا أؤيد حرية المسلمين السابقين و تجربتهم، لأن هذا حق إنساني لهم و للجميع و أنا أرجوا أن يحترم كل المسلمين هذا الحق. ربما تتابعين هناك صعوبات و هجومات مستمرة ضدهم و المصاعب التي تواجهها هذه اللجنة بينما أنا لا أرى اي سبب في عدم إعترافهم بذلك الحق الموجود بالفعل في القانون الهولندي؟ فإذا إقتصرت هذه الحقوق على مجرد حبر على ورق بينما هناك إنسان لا يستطيع أن يمارسها بسبب الخوف أو بسبب الإرهاب أو بسبب التهديد ستكون مجرد حقوق ورقية لا أكثر و لا أقل..

bull;ماذا ستكون نشاطات هذه اللجنة، لجنة المسلميون السابقون، خصوصاً أن أعضائهم المسيحيين أكثر من أعضائهم المسلمين.. لكن ماذا ستكون نشاطاتهم في المستقبل؟


في الواقع لا أعرف بالتحديد ماذا ستكون نشاطاتهم، فأنا لست عضوة في اللجنة لكنني عضوة في اللجنة الداعمة لها، لكن بتصوري أن المسلمين الذين تركوا الإسلام يواجهون ضغوط نفسية و إجتماعية كثيرة، الكثير منهم يمارسون حياة مزدوجة، بمعنى أنه في الظاهر بستمرون في الإدعاء بأنهم مازالوا مسلمين و في أعماقهم هم ليس لديهم اي إقتناع بالإسلام، أعتقد أن كل مجموعة تتعرض لمثل هذه الضغوطات و هذا التقييد على حريتها، لديها (أو لدى أعضاؤ اللجنة) الرغبة في الإلقتاء و تبادل التجارب و نوع من الدعم المعنوي، هذا من ناحية، من ناحية أخرى أعتقد أنه مهم لهذه اللجنة حتى لغير اللجنة، و أنا شخصياَ أكتب كثيراً عن الحرية الدينية و على موضوع (في الإسلام معروف أن المرتد حكمه الإعدام) أنا أرى جحوفة هذا و كتبت مقالات إنتقادية كثيرة عن هذا الموضوع، فأنصحهم أن يحاولوا أن يقنعوا بعض الجمعيات الإسلامية بأن تناقش هذا الموضوع بين أعضاءها.. فأنا أعتقد أن الشيوخ و الأئمة هنا أيضاَ يتحدثون في هذا الموضوع، يعرفون المسلمين أن كل إنسان حر في إقتناعه و عقيدته، و هناك من الآيات تقول أن لا إكراه في الدين، و قسم آخر يقول أن كل من غادر أو ترك دينه فإقتلوه، ففي كل الأحوال هناك تناقض واضح، فعلينا أن نختار المبدأ الذي به إنسانية أكثر و هو أن لا إكره في الدين.. أنا أرى أنه ربما لجنة المسلمين و وجودها و كل وسائل الإعلام و كل الإهتمام الذي يحضى به، سوف ينشط المسلمين بأن يفكروا في هذا المبدأ و يعترفون بهذه الحقيقة كواقع، و بالفعل لا يمكن أن يكون هناك إكراه في الدين..


[email protected]
www.venusfaiq.com