صحف المعارضة التونسية... من المصادرة في الأكشاك إلى القضاء
ثورة في تونس ضد قمع الحريات الصحافية

الصحافية والناشطة نزيهة رجيبة

إسماعيل دبارة من تونس: كان الأسبوع الماضي، أسبوعًا قاسيًا على الصحافة التونسية بشهادة أكثر من متابع ومراقب في البلاد، البداية كانت مع الاستياء العارم الذي خلّفه صدور تقرير منظمة quot;مراسلون بلا حدودquot; الذي منح تونس المرتبة 143 على مقياس الحريّة الصحافية، الأمر الذي أثار جدلاً كبيرًا حول الهامش الممنوح للصحافي التونسي للتعبير والتحرير بكلّ حرية وبعيدًا عن أيّ وصاية أو تعليمات. وفي السّياق ذاته، أجّلت قاضية المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة إلى يوم 29 نوفمبر / تشرين الثاني المقبل النظر في قضيّة صحيفة quot; الموقف quot; الأسبوعيّة المعارضة بعد مرافعات قصيرة بين كلّ من فريقي الدفاع والإدّعاء.

وقال رشيد خشانة رئيس تحرير quot;الموقفquot; والمتهّم في القضيّة التي رفعتها خمس شركات زيت ضدّ quot;الموقفquot; اثر مقال افتتاحيّ كتبه في ابريل الماضي ، في تصريحات لإيلاف: quot;أكد محامو الدّفاع في الجلسة المؤجلة على عدم جديّة الدعاوى المرفوعة ضدّ صحيفتنا، فمنذ العاشر من أيار/مايو الماضي، والادعاء لم يقدّمحتى اليوم أيّ دليل ماديّ على اتهاماته لذا فقد طالب دفاعنا بضرورة رفض التهم ، كما طالب بجلسة مرافعة لتبيان أنّ الشركات التي رفعت التّهم لم تُذكر بالاسم في المقال محلّ التهم وبالتالي عليهم إبطال التتبّعquot;.

ويتابع خشانة: quot;الإدعاء من جهته قال إنه اتصل بخبير ليحدّد الأضرار التي تكبدّتها الشركات المدعية وسيعدّ تقريره قريبًا وللإشارة، تتأجل الجلسات في كلّ مرة بسبب عدم حضور التقرير الذي تحدّثوا عنهquot;. وتتهم خمس شركات متخصصة في تعليب وتسويق الزيت، المسؤولين في صحيفة quot;الموقفquot; الأسبوعية بسبب ما تقول إنّها quot;أخبار زائفة أثرت سلبًا على مبيعاتهاquot;. وتطالب الشركات بتغريم كلّ من أحمد نجيب الشابي المدير المسؤول ورشيد خشانة رئيس التحرير بـ 250 ألف دينار لكل منهما (194 ألف دولار) جبرا للأضرار المعنوية، في انتظار تقدير الخسائر المادية على يدي خبير كلّف بالنظر فيها.

وتتهم هيئة التحرير المكونة من قياديين بالحزب الديمقراطي التقدمي المعارض الحكومة بإثارة القضية و افتعالها، مؤكّدين على طابعها السياسي، إلا أنّ الحكومة نفت في أكثر من مناسبة أن تكون حرّضت الشركات على تحريك القضايا ضدّ الصحيفة التي يواجه مسؤولوها خطر تجريدهم من ممتلكاتهم بسبب افتتاحية تناولت تقارير عن تصدير زيت مسمّم إلى الجزائر.

أعداد سابقة من صحيفة الموقف

ويقول رشيد خشانة لـ quot;إيلافquot;: quot;قضيّة الموقف تذكّرنا بقضية الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، تمطيط وتسويف في انتظار ظرف سياسي مناسب لتسليط حكم قاس على مسؤولي الجريدة، ما يؤكّد الطابع السياسي للمحاكمة أنّ المحكمة سارعت إلى إصدار حكم أولي بالإدانة لمّا كلفت خبيرًا لتقدير الخسائر المترتبة عن مقال رأي، ولم تستمع إلى طاقم الجريدة الذي طالب بالتثبّت إذ إنّ المقال لم يذكر أيًا كان بالاسمquot;. وإستنادًا إلى خشانة، فإنّ دور الصحافة هو توجيه الأسئلة إلى الحكومة، وفي مقال الحال quot;ذكرنا أنه من المفروض أن تحمي الحكومة صحة مواطنيها كما حمت الحكومة الجزائرية مواطنيها لمّا حذرتهم من خطورة الزيت الفاسد المروج في البلادquot;.

ويخلص خشانة إلى القول إنّ quot;هذه الدعوى هي محاولة لخنق الصحيفة ماليًا بغية حجبها بعد أن بذلت السلطات جهدًا كبيرًا في ذلك مرورًا بقطع الإشهار عنها ومحاصرة مسالك توزيع أعدادها، وسحب بعض الأكشاك طورًا آخر.quot; ولطالما اشتكت صحيفة quot;الموقفquot; من حرمانها من الإشهار العمومي ومضايقات شتى تتعلق بالتوزيع والبيع والسحب من الأكشاك، الأمر الذي دفع في السابق بكل من مدير التحرير ورئيس التحرير إلى شنّ إضراب عن الطعام في26 أبريل/نيسان الماضي استمرّ نصف شهر.

لكنّ الحكومة التونسية تؤكّد احترامها لقانون الصحافة المعمول به في البلاد و تتهم المسؤولين على الصحيفة بافتعال مشاكل لا طائل من ورائها مؤكدة أنها تحترم حرية الإعلام و النشر و التوزيع وفق الضوابط القانونية المعمول بها. و إلى قضيّة صحيفة quot;مواطنونquot; التي لا يختلف وضعها كثيرًا عن quot;الموقفquot;، فهي لسان حال التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، تعرّض العددان الأخيران منها إلى المصادرة من الأكشاك من دون تقديم أي مبررات إلى حدّ اللحظة، باستثناء ما قالت بعض الصحف المقربة من الحكومة إنّ الحجز جاء على خلفيّة تضمّن الصحيفة quot;لادعاءات تمثل خرقًا واضحًا للقانونquot;.

العدد 77 من الصحيفة والذي حجز الأسبوع الماضي، اشفع باستدعاء الصحافية والناشطة الحقوقية نزيهة رجيبة رئيسة تحرير مجلة quot;كلمةquot; الالكترونية ونائبة رئيس المرصد الوطني لحرية الصحافة والنشر والإبداع يوم الثلاثاء 23 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي للمثول أمام النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس الاثنين بصفتها مشتكى بها.

ويأتي استدعاء رجيبة للمثول أمام وكيل الجمهورية بعد أن نشرت صحيفة quot;مواطنونquot; مقالاً لها على صفحات عددها الأخير المحجوز ، تحدّثت فيه عن قرصنة موقع كلمة الالكتروني وإتلاف محتوياته في الـثامن من أكتوبر/تشرين الثاني الجاري الأمر الذي أدى إلى منع نشر أي مواد جديدة أو تصفح الموقع.

وكتبت رجيبة التي توقّع عادة باسم (أمّ زياد) في مقالتها التي عنونتها بـquot;ضربوا كلمةquot;:quot;الذي نفذ الضربة هو يد تونسيّة لمهندس أو مهندسة كمبيوتر أدمن قراءة quot;كلمةquot; و غيرها من مواقع المقاومة المواطنة وأولع على الأرجح بمحتوياتها وانبهر بشجاعة الكاتبين فيها ولكنه قطع ما يحب يوم جاءته الأوامر بذلك . وهذا لا يمكن أن يكون رجلاً لأن في الرجل رجولة و لا امرأة لأن في المرأة مروءة ولا مواطنًا ولا وطنيًا لأن المواطن يدافع عن حقوقه ولا يضرّ بها والوطنيّ يسهّل مهمّة المناضلين الوطنيين ولا يعطّلهم.. إنّه مجرّد آلة خرساء صمّاء تحرك quot;بالريموت كونترولquot; إلى أن تخرب فيرمى به في quot;الخردةquot;.. بل هو يعمل مقابل طعام بطنه كل ما يؤمر بفعله بلا مراعاة لكرامة أو أخلاق أو ضمير. و لكن دائرة ضاربي quot;كلمةquot; و أخواتها أوسع ممّا ذكرنا بكثير و ليسوا جميعًا من النظام و ذيولهquot;.

quot;إيلافquot; اتّصلت بالصحافية والناشطة نزيهة رجيبة لمزيد تسليط الضوء على قضيتها والمحاكمة المرتقبة التي تنتظرها، وأكدت رجيبة إن ما نشرته سابقًا على موقع كلمة الالكترونية كان أكثر جرأة وحدّة من المقال الذي أعادت نشره صحيفة quot;مواطنونquot; و أدّى إلى مصادرة عددها الأخير. و تقول:quot;لقد أحرجهم اسم الكاتب وذكر اسم موقع كلمة الالكتروني، والقضية المرتقبة سياسية بامتياز وهي قضية مشبوهة خصوصًا وقد تعرّضت في السابق إلى التهديد ودعتني بعض الأطراف إلى الصمت حتى تنتهي انتخابات 2009 وإلا فإنّ أمرًا ما ينتظرنيquot;.

وترى رجيبة إنّ محاكمة الصحافيين و المعاملة التي يتعرّضون لها في تونس هي دليل على مناخ حريّة التعبير في البلاد وأنّ محاكمتها في هذا الوقت بالذات quot;دليل على أنّ البلاد ليست قادمة على استحقاق انتخابي في 2009 بل همّ الحكومة الوحيد هو إخراس الأصوات المعارضة مهما كان مصدرهاquot;.

وتتابع نزيهة رجيبة: quot;حرية التعبير بالنسبة إلي حقّ مكتسب ولا يمكن لجدلية المنح و المنع الذي تنتهجه الحكومة أن يجعلني أخاف أو ارهب لمجرد تلفيق قضيّة ضديquot;. وبخصوص المحاكمة المنتظرة ترى رجيبة إنها تميل إلى مقاطعتها لأنها quot;لا تثق في القضاء التونسي و خصوصا المحاكمات السياسية التي أثبتت انحياز القضاء وعدم استقلاليتهquot; على حدّ تعبيرها. وتختم ضاحكة: quot;قد أمكث في المنزل وأنتظر أعوان الأمن لحملي إلى السّجن، وهناك ربّما أجد مواضيع جيّدة حول ذلك المكان (السّجن)لأحرر مقالات جديدةquot;.