الرجل الذي دخل تاريخ العراق من بوابته الخلفية (4/4)
الجلبي: تخلى عن أحلام السلطة وإكتفى بوزارة النفط في بغداد!

معركة واترلو بين صدام حسين وأحمد الجلبي

الفكيكي للجلبي: أحمد... في قلبك صدام حسين صغير!

زيد بنيامين من دبي: كان الظهور الأول للجلبي في أثناء الغزو الأميركي للعراق قد تم في الناصرية جنوب العراق إلى جانب المئات من مقاتليه بينما كانت القوات الأميركية تحاول إصطياد الرئيس العراقي صدام حسين بالقرب من مطعم الساعة الشهير في منطقة المنصور وسط بغداد. لم يكن مهمًا عرض القوة هذا على الأرض بل الأهم ما سيحدث خلف الكواليس، ظهر عدد من رفاقه وأبرزهم فاروقي بصورة واضحة بعد سقوط بغداد، فهذا الرجل نال عقدًا بقيمة 80 مليون دولار بعد فترة قصيرة من إنشائه شركة حماية خاصة، وذلك للقيام بمهمات في العراق بعد وصول الجلبي، ويقول أحد رجال الأعمال الكويتيين أيضًا أنه خلال تقديمه بعرض للجيش الأميركي للحصول على عقود تجهيز الجيش العراقي بالمعدات أخبره مسؤول أميركي رفيع أن العقد يجب أن يأتي من طرف أحمد الجلبي، عقد آخر بقيمة 327 مليون دولار حصل عليه أحد المقربين من الجلبي، وكان أي عقد يذهب خارج حلقة الجلبي يجب أن يلغى وكان الرجل بعلاقاته في واشنطن ينجح في ذلك.

على صعيد نفط العراق نجح الجلبي في ازاحة محمد الجبوري رئيس هيئة التسويق النفطي الحكومية لأن الأخير رفض بيع النفط العراقي مع مجموعة (غلينكور) التابعة من بعيد لأحد المقربين من الجلبي بداعي تعاملها مع النظام العراقي السابق، بعد أيام قليلة من هذا القرار تم اجبار الجبوري على ترك منصبه بداعي أخذ اجازة لمدة عام وطالب الجلبي مباشرة باخلاء مكتبه ومنزله في مجمع وزارة النفط وهو ما تم واعطي المنصب الى نبيل الموسوي احد المقربين جدًا للجلبي والذين حضروا اجتماعاته في مجلس الحكم باستمرار.

يقول احد اصدقاء ابراهيم بحر العلوم وزير النفط العراقي السابق quot;سألت ابراهيم بحر العلوم لماذا كان يأخذ معه الموسوي الى اوبك فقال لي، احمد من اجبرني على ذلكquot; وبدأ الموسوي يتاجر بالنفط العراق لحسابه وهو ما نفاه الموسوي quot;لماذا يجدر بي ان اعمل هذا الامر وهناك الكثير من الاموال في العراق لسنوات كثيرة قادمةquot; ويصر الموسوي على ان لجنة مالية شكلها مجلس الحكم كانت وراء انهاء خدمات الجبوري وهذه ترأسها الجلبي بالطبع وكان سبب الاقصاء هو قيام الجبوري بالتعامل مع شركات وأشخاص هربوا نفط العراق أثناء عهد الرئيس السابق صدام حسين. كان الجلبي ينفي طوال الوقت ان لديه اي تجارة خاصة به في بغداد ولكن الكثير من المتعاملين بالنفط على الجانب الايراني من شط العرب نفوا ذلك.

تمتع الجلبي بوصول حلقته الى العصب المالي في الدولة بعد سقوط صدام حسين بوجود ابراهيم بحر العلوم احد ابرز المتحالفين مع الجلبي في وزارة النفط بالاضافة الى كامل الجيلاني الذي عمل وزيرًا للمالية في عهد مجلس الحكم والرجل لم يكن سوى نادل في احد مطاعم عمان المتواضعة بالاضافة الى سالم الجلبي الذي سيظهر اسمه واضحاً في الاعداد لمحاكمة الرئيس العراقي صدام حسين.

ربما السؤال الذي ورد في بال الرئيس العراقي صدام حسين بعد ساعات من القبض عليه ولقائه بعدد من وجوه العهد الجديد ومن بينهم وجه أحمد الجلبي هو quot;كيف تركت هولاء على قيد الحياةquot; فالرجل الذي تخلص من الكثير من منافسيه السياسيين ربما انهى حياة الوطنيين وترك آخرين... كان الجلبي احد الذين كتب لهم النجاح في اقناع واشنطن بضرورة اسقاط بغداد وصدام.

لعب الجلبي بورقة رافد احمد علوان باعتبار الاخير مصدرًا للمعلومات حول اسلحة صدام حسين الكيمياوية وعلوان هو عراقي هرب من بلاده عام 1999 وزعم وقتها انه عمل كمهندس في برنامج صدام حسين لأسلحة التدمير الشامل وتحديدًا فيما عرف بـ (مختبرات الاسلحة البايولجية المتنقلة) وقد تم الحكم على الرجل بالكذب في تقرير اميركي مهم حول الدروس المستقاة من حرب العراق صدر عام 2004 على الرغم من وجود تحذيرات من المخابرات الالمانية لنظيرتها الاميركية قبل الحرب بأن مزاعم علوان هي غير صحيحة وكانت تلك المزاعم هي التي سوغت للادارة الاميركية شن الحرب على العراق وكان ابرز ما قاله الرئيس بوش ويتعلق بعلوان هو quot;نحن نعلم انه في نهاية التسعينات كان لصدام حسين العديد من مختبرات الاسلحة البايولجية المتنقلةquot;.

وقد ظهر ان علوان قد درس الهندسة الكيماوية فعلاً ولكنه تلقى درجات قليلة فيه ليعمل فيما بعد في شركة بابل للانتاج التلفزيوني في بغداد بعد ان ترك عمله وقد تم اصدار مذكرة توقيف عراقية بشأنه لاتهامه بالسرقة من هذه الشركة.

بدأت قصة علوان في عام 1999 وكان وقتها قريب الثلاثينات من العمر وصل الى مطار ميونيخ الالماني بتأشيرة سياحية وقد طلب اللجوء السياسي حال وصوله وهو ماتم له وارسل الى مركز للاجئين بالقرب من نورنبورغ.

حال وصوله الى المركز غير قصة لجوئه من تبديد اموال الحكومة العراقية وخوفه من الرجوع بسبب العقوبات القاسية التي يمكن ان يتلقاها الى قصة اخرى باعتباره متخرجًا من قسم الهندسة الكيماوية من جامعة بغداد وانه كان الاول على دفعته في عام 1994 وقد عمل مع الدكتورة (جرثومة) وهو الاسم الذي عرفت به العالمة العراقية (رحاب رشيد طه) والتي قادت فريق لبناء مختبرات اسلحة جرثومية متنقلة.

استمعت السلطات الالمانية الى ادعاءاته وحققت معه في الفترة بين يناير 2000 وسبتمبر 2001 رغم عدم قدرة الاميركيين الوصول الى الرجل بصورة مباشرة وكانت الطريقة الوحيدة للوصول الى علوان يتم عبر المخابرات الالمانية وبعد فشل طلبه الاول للجوء تم منحه اللجوء في المرة الثانية وقد كان يملك المال الكافي لكي لايعمل في المانيا بل كان يقضي ساعات طويلة في غرف التحقيقات ليعطي صورًا عن واقع البرنامج التسليحي العراقي المحظور.

بعد وصول القوات الاميركية الى العراق قام ديفيد كي بقيادة فريق للتحقيق بمزاعم الحرب وخصوصًا مزاعم علوان وقد تم الحصول على درجاته في القسم الذي درس فيه وكانت قليلة للغاية وقد رد علوان على ذلك بالقول ان السلطات العراقية هي التي قررت ذلك وزورت اوراقه حتى لا يسترعي الانظار.

وبحسب ما وصلت اليه لجنة التحقيق ايضًا الوصف الذي وصفته المخابرات الالمانية لعلوان بانه quot;مجنون وخارج عن السيطرةquot; وان اصدقاءه يسمونه quot;الكذابquot; وانه قد يكون quot;مدمن على الخمرquot;. كان علوان بطل هذا المشهد والذي اقر بخطئه صانعوه هو شقيق احد ابرز مساعدي الجلبي ويعتبر من ابرز قادته العسكريين.

جاءت لعبة علوان هذه بعد عام واحد فقط من الضربة التي تلقاها الجلبي في مسيرته السياسية حينما قال الجنرال انتونتي زيني قائد القوات الاميركية في الخليج العربي أمام الكونغرس بأن المعارضة العراقية لها تأثير قليل للغاية على المشهد العراقي قاطعًا بذلك الطريق أمام العصب الذي يعيش عليه الجلبي... المال!

المصادر:
ارشيف صحيفة النيويورك تايمز ولوس انجلوس تايمز
مجلة التايم الامريكية
الحقيقة عن الجلبي: اندور كوكوبرن
ارشيف الفايننشال تايمز
احمد الجلبي وانا: لكرستوفر هتشينز