عاهل الأردن يعلق جرس الإنذار إستباقًا للتغيير

عامر الحنتولي ndash; إيلاف: بعد ساعات قليلة من مداخلة نارية للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أمام قادة في المؤسسة العسكرية، وضع خلالها النقاط فوق الحروف الأردنية المتناثرة والهاربة من المطابع الصحافية الأردنية بالترافق مع حالة فلتان اعلامي لم يشهدها الأردن من قبل، لم تملك معظم وسائل الإعلام الأردنية وسيلة غير الوسيلة التقليدية الضارة لتعالج بها الخطاب الملكي وتوفر للشارع الأردني القراءة المثلى للخطاب الملكي واستنباط رسائله السياسية شديدة الوضوح بلغة مهنية عصرية سلسة، ما أضر بالخطاب الملكي. وبالتالي الإساءة الى المراد الملكي الذي صوب بوضوح على سلاح الإشاعة التي تتيحه وسائل الإعلام الأردنية اليوم لأقلام احترفت الإساءة والتشويش على وضوح المقاصد السياسية الأردنية منذ عقود طويلة، وسط توقعات بأن تتحرك مرجعيات أردنية مساندة للملك بإيعاز منه للجم التخبط الإعلامي وضياع بوصلته، ووضع حد لحالة الفلتان الإعلامي المتطاير الذي تقف نقابة الصحافيين الأردنيين عاجزة ومشلولة أمامه بسبب عقم تشريعاتها ونظمها، وعدم السماح لأي قيادات شابة بتقديم الأفكار للتحليق بدور النقابة الأضعف أردنيًا على الرغم من امتلاكها لأقوى الأدوات والوسائل المؤثرة.

وعلى الرغم من أن الخطاب الملكي، ظهر يوم الثلاثاء الماضي، شكل صفعة قوية جدًا لكل الأقلام المشككة بصوابية النهج والخيارات الأردنية لأنها كانت مقصودة تمامًا بالصفعة الملكية، إلا أن هذه الأقلام قد ظهرت بكثافة في اليوم التالي للخطاب في موقف متناقض للغاية، وإرتباك بين في محاولة لدرء التهمة، والإنضمام عنوة الى قائمة الضحايا من العبث الإعلامي، في حين يقول الإعلامي الأردني هاشم الخالدي ناشر موقع quot;سراياquot; الإلكتروني، أحد أبرز وأهم المواقع الإخبارية الإلكترونية في الأردن، أن هؤلاء فشلوا في الإختباء وراء أصابعهم لأن ذاكرة الصحافة الأردنية سجلت عبثهم، والإرشيف يعج بسموم ما كتبوه، لكن اللافت ظل هو عدم وجود مؤسسة أردنية واحدة تستطيع أن ترصد وتراقب وتنبه وتوجه بشأن ما يكتب في الصحافة الأردنية والمواقع الإخبارية الإلكترونية، ففي اليوم التالي للخطاب الملكي ظهر جميع أفراد أهل المهنة وكأنهم ضحايا من دون جاني واحد، وهو ما أظهر الخطاب الملكي بشكل مسيء جدًا، إذ لم يملك أصحاب بضعة زوايا في الصحف اليومية الشجاعة الأدبية للإصرار على ما كتبوه وتناولوه في زواياهم من تشكيك وعبث بالنسيج الوطني للأردن.

أما الصحافي الأردني طارق ديلواني يقول في مدونته، التي يتنامى الإهتمام بمطالعتها في الأوساط الإعلامية الأردنية، quot;المفارقة ان اغلب من قصدهم جلالته في حديثه سارعوا الى درء التهمة عن انفسهم بمقالات وزوايا وتحليلات لمضامين الخطاب الملكي، وكأن الانتقادات التي تسللت من بين ثنايا حديث جلالته لم تلامس اسماعهم ولا تعنيهم اصلاً...آن لهؤلاء الذين احتكروا الكتابة الصحافية وفرضوا اقلامهم علينا صباح كل يوم ، ألا يمارسوا الاستغفال على القارئ الاردني بعد اليوم ، نحن نعرفهم كما يعرفهم جلالة الملكquot;.

ويتابع ديلواني قائلاً: quot;أوجه كلامي لزملاء تعالموا علينا بمصطلحات من قبيل quot;تهديد الهوية الاردنيةquot; وquot;الخيار الاردنيquot; وquot;الهوية الثالثةquot; وquot;الوطن البديلquot; وquot;استعادة الحكومة لولايتها الدستوريةquot;... وما الى ذلك من مفاهيم غريبة شكلت قاعدة لبث الفتنة والفرقة بين مكونات الشعب الاردني الواحد وأطلاق الشائعاتquot; .

اخفاق الصفدي
في غضون ذلك بدا أن إستدعاء العاهل الأردني في شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي للصحافي الأردني العريق أيمن الصفدي لإصلاح ما يمكن إصلاحه في الملف الإعلامي، وانتشاله من العبث المتنامي، لم يحقق الغاية المثلى وأن الصفدي الآتي من رحم تجارب إعلامية أردنية وعربية قد فشل في المهمة تمامًا إما لأنه لم يجد مساعدة حقيقية، أو أنه عانى بشدة من اصطفافه في مراحل سابقة الى جانب من صوبوا على أداء سلفه الدمث والمهذب الإعلامي الأردني أمجد العضايلة الذي آثر الإنسحاب من القصر الملكي خريف العام الفائت، لكن مصادر تؤكد لـquot;إيلافquot; أن العضايلة المقرب بشدة من العاهل الأردني ربما يعود قريبًا جدًا الى القصر الملكي للعمل في رحابه مستشارا خاصا للعاهل الأردني مكلفا ثانية الملف الإعلامي داخل القصر، ضمن جملة تغييرات سترى النور في أقرب الآجال.

ديوان المحاسبة
المفارقة الطريفة جدًا، أو المحزنة جدًا كما يروي سياسي أردني كبير اتصلت به quot;إيلافquot; أن أحد المواقع الإخبارية الإلكترونية التي لم يمض على إنطلاقها سوى أيام قليلة، والتي تلقت تمويلاً من مسؤول أمني سابق طرد من موقعه في اليوم الأخير من العام الماضي ndash; كما يتردد أردنيًا-، قد دشن بدايته الإخبارية الضعيفة جدًا بالهجوم على رئيس ديوان المحاسبة الدكتور مصطفى البراري، وهو الجهاز المكلف بالرقابة على المصاريف المالية لسائر أجهزة الدولة، وقام الموقع الإخباري بإستهداف البراري والطعن في ذمته المالية، وشهادته العلمية، علمًا أن البراري هو رجل الثقة لدى جهات أردنية عدة، بيد أن المضحك في دوافع هذا الإستهداف للمسؤول الحكومي هو طرده لناشر هذا الموقع عندما كان يعمل مستشارًا اعلاميًا لديوان المحاسبة. وأراد من المدير التستر على قضية فساد تخصه ومحتواها السفر الى الخارج لتعلم اللغة الإنجليزية على أن يظل في وظيفته وبنفس الراتب الذي كان يتقاضاه، فما كان من المسؤول البراري سوى القول أن جهاز المحاسبة يسهم في مكافحة الفساد ولا يمكن له تأصيل الفساد في أي من إداراته ووقع على الفور قرار إنهاء خدماته، وسط تساؤلات في الشارع السياسي الأردني عما إذا كان هذا العبث المصلحي في الملف الإعلامي الأردني سيتواصل أم لا، أو أن جهات أردنية ستأخذ على عاتقها وضع حد لتلك الممارسات الشاذة، والتي أزعجت العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.

مصير حكومة الذهبي
الى ذلك، فشلت جهات أردنية عدة أمس في إماطة اللثام عن المصير السياسي الذي ينتظر وزارة المهندس نادر الذهبي بعد أن لوحظ أن أكثر من مرشح لخلافته قاموا بجولات على منازل ساسة ونشطاء، من دون أن تتطوع أي جهة أردنية لتفسير تلك الجولات، وعما إذا كانت للفت الأنظار وتركيز الأضواء عليهم، في ظل معلومات تؤكد أن الرئيس الذهبي حاول عبثا الحصول على فرصة ثانية لتعديل وزارته، إلا أن المرجعيات الأردنية تجاهلت طلب الذهبي، كما أن المعلومات تشير الى أن مكتب الملك الخاص لم يطلب من رئيس الوزراء مرافقة الملك الأردني الى القيادة العامة للجيش رغم أنه حكما هو وزير الدفاع أيضا الى جانب منصبه الأساس، إذ لم يعين في الأردن منذ أكثر من عقدين أي وزير للدفاع في أي تشكيل وزاري.

وساهم غياب الذهبي عن أجواء لقاء الملك بالقادة العسكر في تعزيز الإنطباع الداخلي في الأردن أن وزارة الذهبي التي نالت نصيبها من الغضب الملكي، قد بدأ العد التنازلي لرحيلها في أقرب الآجال ضمن حزمة تغييرات سيتم الإعلان عنها تباعا حتى نهاية العام الحالي، علما أن فض الدورة الإستثنائية للعاهل الأردني من شأنها أن تغذي أيضا شائعات رحيل وزارة الذهبي التي شكلت في نوفمبر/تشرين ثاني من العام 2007، إلا أن الذهبي قام بتعديلها في أواخر شهر شباط فبراير من العام الحالي، إلا أن التعديل الوزاري اعتبر بأنه بلا أي نكهة سياسية يمكن أن تبقي الحكومة حتى آخر العام الحالي.