3

كلنا يعرف أن انهيار الدول سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية هو نتيجة لانهيار قيمها الأخلاقية، واهم القيم الأخلاقية التي تحافظ على استمرار الدول واستقرارها هي قيم (العدل والمساواة والحرية ).

فالعدل كما يقول العرب أساس الملك، والمساواة جوهر العدالة، والحرية هي أعظم هدايا الرب للإنسانية حيث يستطيع الإنسان الحر أن يشعر بكرامته ووجوده. عندما يمتلك حرية الاختيار والتفكير والتعبير دون إقصاء من احد.

وقد انهارت الدولة الأموية والعباسية والاندلسية والفاطمية نتيجة ما أصاب تلك الدول من انهيارات أخلاقية حيث تفشى الفساد وحورب الشرفاء وسيطرت الخرافات وتم قمع كل رأي حر ومحاربة كل عقل مستنير. وكل ذلك يحدث عندما تقترب الدولة من الهرم دون أن تجد من يجدد لها شبابها.فكان السقوط الحتمي هو النتيجة الحتمية لغياب العقل الذي يعتبر المنبع الرئيسي لكل القيم الراقية.

والإسلام السني السياسي، كان احد مقومات الحضارة الإسلامية عندما يكون الفكر الذي يمثل ذلك الإسلام السني فكرا مستنيرا ومنفتحا مع الآخر، وهو في نفس احد أسباب انهيار الحضارة الإسلامية عندما يلجأ إلى القمع والإلغاء ورفض الآخر والفساد ومحاربة الفكر المستنير وأهله مثلما حدث مع الفيلسوف العظيم ابن رشد.

لو رجعنا إلى الوراء قليلا إلى الوقت الذي قامت فيه الثورة الإيرانية وبزوغ نجم الإسلام الشيعي من جديد.لوجدنا أن الإسلام الشيعي السياسي حقق انتصارات متتالية بسبب امتلاكه فكرا جديدا أقل طائفية وأكثر احتراما لحقوق الإنسان وحريته وكرامته، ربما لأن المسلمين الشيعة قد عانوا من الطغيان أكثر مما عانوه المسلمين السنة، فاتعظ الشيعي من عبر التاريخ وأدرك انه لن ينتصر بفكر الإقصاء وعقلية الإلغاء مهما امتلك من قوة.

والثورة الإيرانية للحق : لم تكن طائفية بالرغم من شيعيتها، وقد وقفت بجانب الحق الفلسطيني ذو الأغلبية الفلسطينية مثلما وقفت مع المسلمين السنة في أماكن أخرى كالبوسنة والهرسك وغيرها. في الوقت الذي لم يقف الإسلام السني خلف مقاومة حزب الله الشريفة، ولا حتى مع مقاومة الشعب الفلسطيني، وذهب للوقوف خلف طالبان التي استعدت كل طوائف الشعب الأفغاني سنة وشيعة بسبب الاختلاف معها في المذهب. وارتكبت المجازر بتأييد غريب من الإسلام السني بدعاته وقادته حتى دفع الله بأمريكا أن تقضي على الطالبان بتأييد معاكس ومتناقض وغريب من الإسلام السني أيضا !

فلم يعرف عن الإسلام السني السياسي منذ عقوده الأخيرة تحريره لأرض بجهاد حقيقي، غير محاربته للغزو السوفيتي بدعم ورغبة أمريكية كأحد الحروب الباردة بين القوتين العظميين.ولم يعرف عنه الدفاع عن الحق الإنساني والنضال من أجل الحرية. بقدر ما أصبح عائقا أمام كل تطور حضاري وأمام تحرر الإنسان ونيل حقوقه. بل أن الإسلام السني السياسي أصبح في وقتنا الحاضر وسيلة لكل من يريد قمع الإنسان ومصادرة حريته وحقوقه.

وهل هناك دليل أنصع مما يحدث في العراق من محاولة الإسلام السني السياسي لإعاقة تحرره ومنعه من تأسيس دولة القانون والعدالة بعد أن كان منتمو الإسلام السني السياسي مؤيدين لطاغية العراق ضد الشعب العراقي وحريته وكرامته ؟!

وهناك فئتان تنتمي كل منهما إلى الإسلام السني والإسلام الشيعي هما افرازان لفكر كل من الحزبين السني والشيعي، كدليلين على تفوق الإسلام الشيعي خلال العقود الأخيرة الماضية من جهة، وربما لا قدر الله على انهيار الإسلام السني السياسي من جهة أخرى، لو استمر على ما هو عليه عبر ما يمارسه من ممارسات لا تخدم الإسلام السني بشكل خاص والإسلام بشكل عام، بقدر ما تصور الإسلام كدين لايحترم الإنسان وتصور المسلمين كمصاصي دماء وقتلة وطغاة وكارهين للحياة وللإنسانية. حتى اعتقد الآخر أن الإسلام السني كان يمارس تقية أخطر من التقية التي كان الإسلام السني يتهم بها أخيه الآخر الذي ينتمي إلى الإسلام الشيعي. حيث أتضح أن تقية الشيعي عبارة عن عدم ممارسة لبعض معتقداته الدينية من أمور صلاة وغيرها بسبب قمع أخيه السني له عن ممارستها. بينما يبدو من خلال ممارسة المنتمين إلى الإسلام السني أن الإسلام دين غير دين التسامح والرحمة كما يدعي المسلمون بشكل عام. هكذا يرى الذين لا ينتمون إلى الإسلام ومعهم حق مادام أن فتأوي الزرقاوي بذبح الأبرياء من المسلمين تجد التأييد الكامل من مختلف النخب السنية بمفكريها ودعاتها وقادتها.

الحلقة الثانية

غدا نتحدث عن الفئتين ( حزب الله و طالبان ).

سالم اليامي [email protected]