إن الخطاب السياسي القومي التقليدي الأهوازي بدأ مع صعود الخطاب القومي العربي و وصوله إلى السلطة منذ بداية الخمسينات و الستينات و قد تبنت تنظيمات أهوازية متعددة هذا الخطاب الذي تجلى في الأحزاب الناصرية و البعثية و القومية العربية و التي نادت بوحدة الأمة العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي و الحرية و الاشتراكية و تحرير فلسطين من النهري إلى البحر و قذف الصهاينة في البحر الأبيض المتوسط!!
و ينطلق الخطاب القومي العربي من وحدة الأرض و التاريخ و اللغة و العرق و الدين و الثقافة في الوطن العربي.
و رغم مرور أكثر من نصف قرن من الزمن على حكم هذه الأحزاب على أغلب أهم البلدان العربية إلا أنها لم تستطع أن تحقق أي من شعاراتها، و تبرر ذلك بنظرية المؤامرة و الضحية الكبرى و قد تركت هذه الأحزاب إرثاً ديكتاتورياً و دموياً، نتيجة عقود من الحكم الاستبدادي و استعباد الشعوب و قد وصف أحد المفكرين العرب الدولة العربية الحديثة بأنها قبليّة و طائفية و مناطقية و على الرغم من كل ذلك الإرث الاستبدادي الفاشل التي تركه المشروع القومي العربي التقليدي ما زال العديد من التنظيمات الأهوازية متمسكة به و تتخذه خطاباً سياسياً و مشروعاً تحررياً للقضية الأهوازية.

موقف العراق من القضية الأهوازية
إن حزب البعث في العراق و عند وصوله إلى السلطة في 1968قد ساوم على القضية الأهوازية منذ البداية و في اتفاقية الجزائر عام 1975 تم تفكيك التنظيم الأهوازي الوحيد في العراق و قد سلم المناضلون إلى إيران و منهم من هرب إلى سورية و ذلك ما يثبت بأنهم أرادوا القضية الأهوازية ورقة سياسية و لا يعتبرون الأهواز، قضية شعب عربي مضطهد يعاني من الظلم و الاضطهاد و التمييز العنصري، بل يعترون الأهواز قضية أرض عراقية و شأن داخلي عراقي كما فعلوا في الحرب مع إيران طيلة ثمانية سنوات و تجربة الجبهة العربية لتحرير الأحواز في العراق خير دليل على صحة ما نقول. كما أن تجربة غزو الكويت عام 1990 يعزز الرؤية التوسعية الاستعلائية الدكتاتورية لدى حزب البعث.
ينطلق المفكرون الإستراتيجيون العراقيون من أن الموقع الجيوسياسي للعراق على الخليج العربي يحتاج إلى التوسع إما نحو الأهواز أو نحو الكويت و الحرب العراقية الإيرانية و غزو الكويت كان أحد أهم أهدافهما هو التوسع في أحد الإقليمين الأهوازي و الكويتي. و كانوا يعتبرون العراق مرآب( garage) كبير ذو باب ضيق حسب تصريحات أحد المنظرين العراقيين الكبار.
ثم أنهم لو أرادوا مناصرة القضية الأهوازية لاستطاعوا فعل الكثير، فكانت في فترة الحرب، فرصة ذهبية كي يعرفوا القضية الأهوازية إلى العالم و يطرحونها في الجامعة العربية و الأمم المتحدة و المحافل العربية و الدولية، ناهيك من إمكانية مساعدة الأهوازيين من خلال التعليم و التثقيف بدل إعطائهم أراض يزرعون بها.
إن الدولة العراقية إبان الحرب مع إيران عممت على جميع الكتاب و المؤرخين و المثقفين العراقيين أن يدعوا بأن الأهواز جزء من العراق و أن تحرير الأحواز قضية عراقية بحتة و اقتصروها على أجزاء محدودة من الأهواز و هي خارطة (عربستان) و كانوا يقصدون بذلك السيطرة على موانئ عبادان و المحمرة و خور موسى و شط العرب الممر المائي الحيوي في المنطقة.
فأما ويلات الحرب العراقية الإيرانية التي دارت رحاها في الأهواز مستمرة حتى اليوم، فهي لا تعد و لا تحصى، فتدمير المدن و القرى و المناطق و تهجير الناس إلى المدن غير العربية و التي خدم التغيير الديموغرافي كانت من أولى الويلات و بعد انتهاء الحرب لم يعود المهجرون إلى ديارهم و صادرت الدولة الإيرانية أراضيهم و منازلهم و ممتلكاتهم العقارية و آثار التلوث البيئي و جرحى و معوقي الحرب و الألغام المزروعة على المناطق الحدودية ما زالت باقية حتى اليوم.
ما يعزز هذا التوجه هو أننا إن رجعنا إلى عمليات العسكرية في بداية الحرب فنجد الجيش العراقي يدخل المدن العربية الأهوازية و يدمرها الواحدة تلو الأخرى و لم يحاصر الإقليم عسكرياً و يفصله عن إيران ككل و كان يستطيع ذلك بسهولة بقطع الممرات المحدودة في جبال زاغروس و تجنب الشعب الأهوازي كوارث القتل و التشريد و التهجير ولكنهم نقلوا المعارك داخل المدن و على رؤوس الشعب الأهوازي المسكين.


سورية
إن موقف سورية في الستينات كان مناصرا و مؤيدا للقضية الأهوازية و مشهود في عدة مواقف ولكن منذ عام 1970 و وصول حافظ الأسد إلى السلطة و تقاربه و تحالفه مع إيران منذ عام 1979 و رغم رفضه و إدانة اتفاقية الجزائر عام 1975 إلا أنه أخذ منحى تخاذليا منذ الحرب العراقية الإيرانية و مع وصول بشار الأسد إلى السلطة الوراثية البعثية و بعد انتفاضة نيسان 2005 اتخذ التعامل مع الأهوازيين شكلا عدائيا و تم تسليم المناضلين إلى إيران و قد حكم على عدد منهم بالإعدام.
مصر
إن مصر في عهد جمال عبد الناصر دعمت لفترة محددة قضية الأهوازية إعلاميا و سياسيا بسبب عداء الشاه للعرب و مناصرته لإسرائيل و توجهاته التوسعية، إلا أن مع وصول السادات إلى الحكم في مصر تغيرت المعادلات و لم تعد مصر تذكر القضية الأهوازية في أي مكان. و كانت من الدول التي ترفض أي تمثيل أهوازي في الجامعة العربية أو في المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة و اتهم محمد حسنين هيكل الانتفاضة الأهوازية بأنها جاءت من تحريض من أمريكا و بريطانيا.

موقف دول الخليج العربي من القضية الأهوازية
كما أن الخليجيين لم يكن تعاملهم أفضل من الأحزاب القومية في العراق و سورية و مصر و لم يقدموا أي دعم يذكر للقضية الأهوازية متناسين دور الشيخ خزعل في استقرار الخليج العربي و حماية مصالحه من المطامع الأجنبية طوال فترة حكمه.
كان دور الدول الخليجية متخاذلا منذ بداية القضاء على الحكم العربي في الأهواز و لم يتبنوا أي موقف إزاء تقويض حكم الشيخ خزعل تجاه البريطانيين أو الإيرانيين.
في زمن الحكم الشاهنشاهي حيث كانت تمثل إيران دور الشرطي في الخليج، لم تقدم تلك الدول أي دعم يذكر للقضية الأهوازية.
يخشى الخليجيون من إقامة دولة عربية شيعية في الأهواز تمتلك 15% من احتياط النفط العالمي.
هناك تهديدات إيرانية لدول الخليج العربي بتحريك الصراع الطائفي في بلدانهم من خلال الشيعة العرب أو الفرس الوافدين المقيمين في تلك البلدان و أيضا مساعدة مهربي المخدرات على تهريب هذه السموم القاتلة الى تلك دول في حال دعمهم للقضية الأهوازية.
تعامل دول الخليج مع المهاجرين الأهوازيين غير الشرعيين (الكعبير) الذين يلجأون إلى تلك الدول بحثاً عن لقمة العيش في بلدهم الهائل بالنزوات بشكل غير إنساني من منطلق بوليسي و أمني يتعرضون للضرب و الإهانة و السجون و التسليم إلى إيران و لم يقدموا لهم تسهيلات طوال العقود الماضية.
بعد انتفاضة نيسان بدءوا يضغطون على الأهوازيين الناشطين على أراضيها و اعتقلت دولة الكويت خمسة أشخاص و أجبرتهم على ترك أراضيها.


الصراع الفارسي _ العربي
إن الصراع العربي-الفارسي المزعوم، اختلقه العنصريون الفرس الذين بنوا الدولة الإيرانية الحديثة مع وصول رضاخان إلى الحكم على أساس الدولة-الأمة الفارسية و صهر كل القوميات في بوتقة التفريس و أصبح كل غير فارسي في إيران، عربي و يحارب على أساس أنه من أحفاد العرب الذين دمروا الحضارة الفارسية في الفتح الإسلامي و تحميل العرب كل الويلات و المآسي التي حلت بإيران إثر الفتح الإسلامي، باعتبار أن العرب هم الذين أتوا بالإسلام إلى إيران و استمر هذا الخطاب في عهد الجمهورية الإسلامية، لكن بإضفاء عنصر آخر هو الطائفية الصفوية و جعلها دينا قوميا إيرانيا، بهدف التمايز عن العرب و مصادرة الدور القيادي للعرب في العالم الإسلامي، لذلك يتخذ العنصريون الفرس و من يحمل إيديولوجيتهم من النظرة الشوفينية المركبة للعنصرية الفارسية و الطائفية الصفوية، نهجا لحكم الشعوب غير الفارسية.
شعبنا العربي الأهوازي أول من تعرض إلى هذه الإيديولوجية العنصرية منذ تقويض الحكم العربي في عام 1925 و قد جابه القوميون العرب هذا الخطاب العنصري، بخطاب عنصري مضاد و جعلوا من كل الشعوب غير الفارسية في إيران شعبا واحدا ما عدا العرب و تغذى الصراع الفارسي العربي المزعوم من قبل الطرفين و تحمل نتائجه المأساوية الشعوب المضطهدة في إيران و شعبنا العربي الأهوازي على وجه الخصوص.

كاظم مجدم
صلاح سعد