الأحداث الدامية التي تلت بيان السيِّد نصر الله، أثبتت أنَّ quot;حزب اللهquot; قد قرَّر القيام بما يثبت به قدرته على إحداث انقلاب على الحالة السياسيَّة اللبنانيَّة الراهنة التي امتدَّت لسنوات في ظلِّ ظروف حرب أهليَّة، وكانت إطلالتها في quot;الخميس الداميquot;.

اقرأ ايضا:
نبيل شرف الدين: لبنان.. حين يصبح الانقلاب حلاً

جواد موسى الأنصاري: حزب الله أول ضحايا quot;انتصارهquot; في بيروت

لقد أحدثت الهجمة السريعة لمليشيات quot;حزب اللهquot; على العديد من مراكز السياسيِّين المنتمين إلى فريق الموالاة، وعلى وسائل الاعلام التابعة لهذا الفريق كذلك، وتهديد محطَّاته التلفزيونيَّة، وإحراق مكاتب تلفزبون quot;المستقبلquot; وصحيفته، حالة من الهلع والرعب، وأعادت إلى الأذهان صورًا اعتقدنا أنَّها صارت جزءًا من الماضي. وأثبتت كذلك أنَّ quot;حزب اللهquot; لا يمكن أن يزعم بعد الآن إحجامه عن استخدام سلاحه في وجه أبناء الوطن الواحد. وقد برهن حسن نصر الله أنَّه أنهى مرحلة تحوُّله من قائد مقاومة إلى زعيم مليشيا. وما بيانه الحربي الأخير ومفرداته إلاَّ دليل على أنَّ ليس لبنان مصدر قوَّته، وإنَّما مدينة quot;قُمquot; وسيُّدها.
أظهر quot;السيد حسنquot; الانقلابي براعة في استخدام مفردات التهديد والتحقير لكلٍّ مَن لا يدين له بالولاء والطاعة. واحد سارق وكذَّاب وقاتل! وآخر عميل وخائن، لا يحبُّ لبنان ولا يدين له بالولاء! اللهمَّ إلاَّ مَن تمنحه quot;قُمquot; صكوك الولاء وشهادة البراءة! لكن quot;السيِّد حسنquot; لم يحدِّثنا من أين تأتيه الأموال التي ينفقها على مؤسَّساته ومليشياته! ولم يطلعنا سماحته كيف تمَّ تدريب أفراد مليشياته التي تكاثرت ونمت وازدهرت، وصارت غولاً يخنق كلَّ مَن يعارض quot;قمquot; أو quot;وكيلها الشرعيquot; في لبنان.
حقًا، لقد نجح quot;السيِّد حسنquot; في الإطباق على بيروت الغربيَّة، واستطاع إثبات جبروت قوَّاته التي أصمَّ مسامعنا في الحديث عن توجيه سلاحها إلى العدو الصهيوني! وكم كان يحلو لـ quot;السيِّد حسنquot; أن يتباهى بأن سلاح حزبه هو الأشرف! وها هو يتحوَّل في غمضة عين إلى سيف مصلت على الإخوة شركاء الوطن.
لم يكن من الممكن أن تخطأ الأذن المعاني التي أراد quot;السيِّد حسنquot; إيصالها إلى مستمعيه. فقد كان واضحًا في رسالته بأنَّه قادر على إحداث انقلاب حين يشاء، ومتى ترغب quot;قمquot; في ذلك. وأثبت بعد دقائق من انتهاء القاء quot;البيان الأوَّلquot; أنَّه يعلم بأن لا أحدًا من العرب قادر على كبح جماحه! فهو يعتمد على قوَّة لا يهمُّها إحراق لبنان أو أيٍّ بلد عربي آخر في سبيل الوصول إلى تسوية نوويَّة. وquot;السيِّد حسنquot; لا يملك حقَّ الاعتراض على أغراض وأهداف لا علاقة لها بوطنه وأمَّته العربيَّة.
الأفعال التي مارستها مليشيات quot;السيِّد حسنquot;، كانت ردًّا على اتِّهاماته لمخالفيه بأنَّهم quot;عصاباتquot;. فإذا كان الأمر كذلك! فبما يمكن أن يصف به ما فعله رجاله! إغلاق الشوارع، وإحراق الممتلكات واستعراض العضلات، أليس ذلك فعل عصابات؟
ما يجري في بيروت الآن، هو إعلان حرب كان قد بشَّرنا به quot;السيِّد حسنquot; مرارًا سابقًا. فماذا بعد؟ هل يتصوَّر quot;سماحتهquot; أنَّ بإمكانه إلغاء الآخرين؟ وهل يمكن لكلماته المموَّهة التي لخَّصها بأنَّه شخصيًّا لا يودُّ المشاركة في الحكم أن تخفي حقيقة ما سعى له؟ وهل إبداء زهد الناسك عن الرغبة في السعي إلى السلطة كافية ليضلِّل بها اللبنانيٍّن؟ فماذا يريد إذًا؟ هل يريد شبكة اتَّصالات فقط! وعودة الحكومة عن قرار تغيير أحد موظَّفيها! هل على بيروت أن تدفع ثمنًا باهظًا ربَّما لا يُدرك منتهاه لقاء الإبقاء على ضابط في موقعه؟ يخبرنا quot;السيِّد حسنquot; أنَّ الحكومة حاولت مقايضته على إخلاء وسط بيروت مقابل التغاضي عن شبكته السلكيَّة! ماذا لو كان quot;السيِّد حسنquot; قد وافق على هذا العرض الذي نفاه بعض أقطاب الحكومة؟ أليس ذلك برهانًا على أنَّ الطلب ليس أمريكيًّا أو أسرائيليَّا! ثمَّ ماذا عن نزاهة الجيش اللبناني التي كرَّرها في بيانه العسكري! أليس من المحتمل أن يكون من بين أفراده من يستطيع القيام بهذه المهمة!
إنَّني أزعم أنَّ إصرار quot;السيِّد حسنquot; على الدفاع عن هذا الموظف، أو غيره من الذين يؤِّيدون quot;حزب اللهquot;، يثير شبهات كثيرة حول أهميَّة quot;الموظِّفquot;، وما يفعله في ذلك الموقع!
لقد ارتكب quot;السيِّد حسنquot; أخطاء جسيمة في حقِّ بلاده، وحقِّ العرب، وأثار بوادر فتنة، يدَّعي حرصه على تفاديها. وندرك أن quot;السيِّد حسنquot; محكوم بأوضاع إقليميَّة لا يستطيع إلاَّ الخضوع لوقائعها التي هو خارج سياقها، وليس بمقدوره تغيير مجرياتها إلاَّ بما تمليه قُم! ذلك هو الواقع الذي حاول الكثيرون تجاهله، ودفعتهم العاطفة إلى تبنِّي مواقفه تحت أوهام المقاومة التي برهنت الأحداث أنَّها رهينة بيد قوى غير عربيَّة.

احتلال بيروت بتلك التمثيليَّة المسرحيَّة، ستعيد حسابات الذين سلَّموا السلاح للجيش في الماضي قسرًا أو طوعًا.
ما يواجهه لبنان الآن، هو الوقوع أسيرًا لقوى ليس لبنان من أولويَّاتها. وستكون الحرب الأهليَّة نتيجة حتميَّة لها تُفرض على الشعب اللبناني الذي لا خيار له بها.

سياسي يمني