بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة في نوفمبر من كل عام

quot;بَابِلُ كَأْسُ ذَهَبٍ بِيَدِ الرَّبِّ تُسْكِرُ كُلَّ الأَرْضِquot; التوراة (سفر ارميا 51/7)

د. حسين الهنداوي: حتى قبل قرن وبعضُ قرن على وجه التحديد، لم يكن إسم بابل يوحي في الذاكرة الكونية اجمالاً، إلاّ بعالم شرير سكنته النماريد والشياطين والسحرة. عالم بغى وطغى وبالغ في الغي والانحطاط حتى غدا آية في الفجاجات والقسوة والجهالة فحلت عليه اللعنة وحق به الانتقام السماوي الصاعق. ونعرف النتيجة: ففي سورة لا نظير لها من غضب، هشم الرب بابل، او هكذا زعموا، كما يُهشَّم الكأس ماسخاً مجدها التالد العظيم وجنائنها الساحرة الى مسكن لوحوش القفر وبنات آوى ورعال النعام لا يسكنها الانسان بعد الى الابد، كما كتب مؤلفو quot;العهد القديمquot; كتاب اليهود المقدس.
هكذا ببساطة أريد لقدر بابل ان يكون بعد ان ظلت وحدها quot;بهاء الممالك وزينة فخر الكلدانيينquot; (اشعيا: 19/13). وهكذا كان بالفعل لقرون طويلة خلت. فلألفي سنة تقريباً لم يظهر في أي مكان من ينقض هذه الفكرة عن بابل ومصيرها او يشكك بها رغم الطابع الوعظي الشعري المسرف في الاعتباطية في الحالتين لهذا التقييم، ورغم انحسار نفوذ النصوص اليهودية واتهامها بالتحريف في كل مكان من العالم بعد حين.
ولعل من الاسباب الاساسية التي منحت هذا التقييم التوراتي معجزة الصمود كحقيقة سامية، ان المؤلفين الاغريق والرومان والعرب والمسلمين عموما لم يكتبوا شيئاً منصفاً يذكر، حتى ولو على الصعيد المعرفي المحض، حول الثقافة البابلية باستثناء اشارات، عابرة وغامضة عموماً، عن مكانتها العظيمة والبديعة سابقاً، الشيء الذي دعم في المحصلة الاخيرة قصة الكأس المهشمة تلك، لاسيما وان خرائب بابل المتناثرة تبدو هي ذاتها للعين كما لو انها حطام كأس كوني ما بالفعل.

نص فخاري بالمسمارية لمقاطع من ملحمة كلكامش

بيد ان هذا التقييم الدوغمائي المتجهم والعنيد، الذي كاد يمكث وربما الى الابد، تشظى ككأس محطمة بدوره عندما بدأت الواح طينية ومنحوتات غريبة، بلغ عددها اكثر من نصف مليون قطعة لحد الان، تخرج من غياهب الارض في سومر وبابل لتقول لنا شيئاً آخر لا يقبل الدحض هذه المرة، منذ ان صار ممكناً فك اسرار تلك الاشارات المسمارية الرتيبة التي بدت للوهلة الاولى مجرد زخرفة صماء ثم تبين انها ادوات كتابة مبينة تحمل في اوردتها لغة بلغت شأواً رفيعاً من السعة والثقة والدقة والرفاه الى جانب انها ربما الأصل بين كل اللغات.

ان فك اسرار اللغة السومرية هذا، على خطورته، لم يكن سوى اول الغيث والرجفة الاولى في سلسلة طويلة لم تعد تتوقف عن التراكم لتشكل لوحدها علماً قائماً بذاته، سماه بعضهم علم البابليات او الاشوريات وسماه سواهم غير ذلك، الا ان الجوهري والنهائي الآن هو ان الحضارة الغربية الكونية الراهنة لم تعد تنكر انتسابها الى تلك الحضارة العقلية، الكونية ايضاً، التي ازدهرت وقبل دهور طويلة على ظهور الثقافة الاغريقية، وكانت الرائدة دفعة واحدة في اختراع الكتابة والعجلة والمحراث وتدوين الشرائع وتقسيم السنة الى 360 يوماً والساعة الى 60 دقيقة، وابتكار اولى النظريات في الرياضيات والهندسة والطب والزراعة والاقتصاد والفلك والسياسة والموسيقى وفي جدلية العلاقة بين الالهة والانسان.
وهو واقع عبر عنه المفكر الفرنسي جان بوتيرو بنبرة مذهلة الثقة حين كتب بوضوح متناه quot;انني مضطر، دون رومانسية ولا روح تحزب، بل ببداهات المؤرخ وحدها الى الاقرار، باننا نستطيع ان نميز الحضارة البابلية كأقدم حالة للحضارة الغربية الحديثة على الخط التصاعدي المباشرquot;، والى الاقرار تبعاً ان العقلانية البابلية هي quot;الميلاد البعيدquot; للعقلانية الغربية الحديثة برغم التنائي الزمني والتباينات والتناقضات وبرغم كل ذاك التنكر المكابر والمضجر.
وفي الواقع، وقبل جان بوتيرو بزمن طويل، كانت قراءة عدد من النصوص المسمارية قد كشفت اصلاً، وسط دهشة الجميع واحتجاجات البعض، ان مؤلفي التوراة لم يستلهموا فقط، بل غرفوا وبكلتي اليدين احياناً من افكار أهل نفس تلك البلاد التي قالوا بانها ملعونة من قبل الرب، كمنظورهم عن الطوفان مثلاً، كما استنتج الالماني quot;فريدريك ديليتشquot; في بحثه الجريء والمبكر حول quot;بابل والكتاب المقدسquot; الذي القاه في برلين في 1902، منهياً هكذا ودفعة واحدة خرافة هيمنت طويلاً على الرؤوس منحت تأليف (العهد القديم) صفة الـquot;معجزةquot; الالهية.
وبعد فترة قصيرة لاحقة كانت فكرة quot;المعجزة الاغريقيةquot; في ولادة الفلسفة تتهشم هذه المرة بعد ان بات مؤكداً ان حضارة الاغريق نفسها لم تنج من شعاع العقلانية البابلية البعيد والمكثف والذي، كما يرى اكثر من مفكر غربي كبير اليوم، يبدو اشد وضوحاً في فترة انبثاق الافكار الفلسفية الاغريقية خاصة، ليس لانه صار ثابتاً ان فيثاغورس او زينون مثلا زارا بابل بحثاً عن المعرفة يوماً ما، بل ايضاً، لأن quot;كل من يقبل من بلاد الرافدين، وقد ألِف فكرتها وآدابها، ويلقي نظرة فاحصة على الافكار الاغريقية، لا يساوره أي شك في ان مثل هذه الارتباطات تظل اكثر عدداً وقوةquot;.
هل ينبغي ان يفهم مما تقدم اننا نرى ان ذلك العقل البابلي الغابر غامر في مجال الفلسفة ايضاً؟

الجواب على هذا الاستفهام بالايجاب، ومترتباته الكثيرة، قطعي ونزعم القدرة على اثباته، الا اننا نعترف منذ الآن باننا لسنا اول من يطرح هذا الاستفهام كما لسنا اول من يحاول اقتراح بعض جواب عليه. فبابل التي تدافعت اجيال تلو اجيال من اللاهوتيين، منذ مؤلفي التوراة حتى quot;شهود يهواquot; اليوم لتدميرها في أي زاوية من الذاكرة، ظلت دائماً، وبسبب ذلك الجهد احياناً، تمتلك سحرا خاصاً لدى المفكر والمؤرخ النقدي في الشرق كما في الغرب.
وبنظرنا، وحتى عقود قليلة جداً، لم يكن في مستطاع احد تقديم أي جواب جدي حول سؤال يتعلق بالماهية الفعلية للفلسفة البابلية، وذلك ببساطة لأن هذه الاخيرة، على افتراض صحة زعم اثباتنا لوجودها، كانت شأنها شأن غيرها من الافكار البابلية، لا تزال بعد اشبه بقارة مجهولة مستقرة في اديم مسقط رأسها الاول.
ولقد كان ينبغي بالفعل انتظار الربع الاخير من هذا القرن دون خيار آخر للبدء بتكوين اولى التصورات الموضوعية عن وجود او لا وجود منجز بابلي في الفلسفة برغم اعتقادنا بان هذه التصورات الراهنة ذاتها، لا يمكن ان تكون نهائية بعد بحكم اننا لا نمتلك حتى الان سوى معرفة غير مكتملة حول هذا الموضوع. وهي معرفة متحركة جداً بسبب تواصل الفرضيات الجديدة، الخصبة والمتباينة، في هذا الشأن لعلماء الآثار المستمرين بحيوية مثيرة في تنقيباتهم عن نصوص سومرية وبابلية يعرفون بانها مفقودة او عن اخرى يتوقعون وجودها، مما يستوجب على الارجح انتظار ما سيحمله لنا القرن الحادي والعشرين كله وربما عدة قرون لاحقة اخرى من جديد قبل ان يستطاع الوصول الى احاطة وافية ودقيقة بل ربما نهائية بالفكر الفلسفي البابلي وقد لا نصل الى ذلك ابداً.

المفكر الاشوري اهيكار
بيد ان معرفتنا الحالية على نواقصها كبيرة، وتسمح لنا بذاتها ان نقول بأن هناك منظورات فلسفية بابلية حول نشأتي الكونين الميتافيريقي والفيزيقي وحول مصيريهما. وهذه المنظورات لا تتضمن فقط مادة فلسفية مؤسسة على استنتاجات عقلية منظمة وتطرح نفسها منطقية كنسق وكمضمون، ومنسجمة اعظم الانسجام مع خصوصية اسئلتها ذاتها، انما تبدو تلك المضامين الفلسفية مستهدفة بذاتها من قبل مؤلفين صرنا، وهذه قضية مهمة جدا، نعرف بعضهم ومنظوراتهم بالاسماء او الالقاب كبيروسا وأحيقار وديوجين البابلي بين العديد غيرهم.

هناك فلسفة بابلية برأينا وبالمعنى الفعلي وليس المجازي للمصطلح شريطة ان نقصي اي تصور مسبق يوحي بأن هذه الفلسفة تأخذ الحالة نفسها التي للمنظومات الفلسفية اللاحقة التي نعرفها لدى افلاطون او آرسطو او الفارابي او ابن رشد او هيغل او كانت مثلاً. فالفلسفة البابلية لم تكن فلسفة منهجية انما تأسيسية بمعنى انها لم توجد انطلاقا من تراكم مفاهيم ذهنية سابقة او نتيجة لتضاربها، كما لم تتم على يد مفكر فلسفي كبير محدد عرف ان ينظم افكاره ليطرحها كمنظومة موحدة ومنسجمة وكنظرية شخصية دفعة واحدة، انما انبثقت بنفسها، ككل المنظورات البابلية الاخرى، بهيئة تأملات عقلية محضة اولى عن الوجود واللاوجود، ولا يغير من هذا الاستنتاج واقع طغيان الطابع الرمزي على صياغات تلك التأملات ما دام ذلك لا يتعلق بفلسفية او عدم فلسفية تلك الافكار انما فقط بطريقة التعبير عنها.
من جانب آخر وكأي فلسفة اخرى، لا يمكن فهم الفلسفة او الفلسفات البابلية الا عند التموضع في داخلها، وليس امامها او ضدها، كما لا يمكن فهمها الا باعتبارها بنت عصرها المحدد بدقة والذي قد يعبر عن نفسه عبر العلوم والعقائد الدينية والفنون والحياة الاخلاقية والاجتماعية وايضاً عبر الفلسفة التي بدورها لا يمكن فهمها الا من خلال صلتها بالكل الذي هي بالنسبة له مجرد التعبير الاعمق عنه بين تعبيرات اخرى مختلفة.
يقيناً ان رأينا هذا سيرفضه اولئك الذين لا يرون مثلنا: ان تعريف الفلسفة بانها علم او علم نظري مجرد خرافة. الا ان رفضهم لا يغير شيئاً ما دامت الفلسفة تظل في الجوهر ودائماً هي هي أي: محاولة لاقتراح صيغة للعلاقة بين الذات والموضوع، مما يفضي الى القول بأن أي محاولة تفلسف، ومهما كانت صارمة او مغرية او رصينة ستعتمد اعتماداً كلياً واكاد اقول مطلقاً على الوعي الذاتي وحده حتى عندما لا تعي ذلك.
وخرافة ايضاً برأينا القول بان هناك فلسفة بالمعنى quot;التامquot; واخرى بالمعنى quot;غير التامquot;. فالفسفة quot;توجد او لا توجدquot;، وهذا هو المهم وحده لدينا. اما احتكار الاعتراف بها -على اساس انها نشاط مكثف بذاته يبدأ وينتهي من خلال المفهوم- والاستنتاج انه لا يمكن ان توجد فلسفة الا حيثما وجد فكر عقلي محض قادر على نقد نفسه بنفسه وعلى البرهنة المنطقية على عقلانيته، فهي تحديدات تعسفية برأينا وليس ذلك فقط لعدم موضوعيتها عندما نطبقها على تأملات عقل كان عليه ان يخلق كل شيء بنفسه من لاشيء تقريباً، انما ايضاً لأن هذه التحديدات، الميكانيكية والمدرسية في الجوهر ستقودنا بالضرورة ليس فقط الى شطب الفلسفة البابلية وغيرها من الفلسفات الشرقية القديمة من تاريخ الفلسفة، بل ايضا وبداهة الى اقصاء كل الفلسفات الاغريقية التي سبقت سقراط او افلاطون من تاريخ الفلسفة نفسه كما فعل مؤرخ الفلسفة الفرنسي فكتور كوزان مثلاً، بل الى اقصاء كافة الفلسفات التي تؤسس نفسها على الايمان كبرهان قبلي وفي مقدمتها الفلسفات المسيحية الوسيطة والاسلامية الكلامية وكل الفلسفات الدينية والصوفية في الغرب وفي الشرق ما دامت هي ايضاً بشكل قاطع وبلا استثناء ليست نشاطاً مكثفاً بذاته يبدأ وينتهي من خلال المفهوم او فكراً عقلياً محضاً.

فماذا يتبقى من تاريخ الفلسفة عندئذ اذا قبلنا لها بكل هذه الاغلال؟ لا شيء في الواقع لاسيما وان ذات الحكم سينطبق ايضاً على كل الميتافيزيقيات quot;العقلانيةquot; الشهيرة بما فيه الديكارتية والهيغلية وعلى معظم الفلسفات الجمالية والاخلاقية المعاصرة بل حتى على النظريات المادية بما فيها الماركسية والفيورباخوية لانها مهما حرصت او نجحت في جعل المفهوم حقلاً وحيداً لنشاطها ومغامراتها واحلامها تظل في مكان حميم او آخر منها quot;حدسيةquot; بل quot;لاعقلانيةquot; اذا جاز القول.
اما مشكلة ان افكار البابليين الفلسفية ظلت حتى في أعلى مستوياتها اسيرة البناء الميثولوجي من الناحية التعبيرية، فهي متعلقة اولا بما وصلنا فقط من نصوصها حتى الآن الى جانب ان المشكلة الحقيقية هنا لا تتعلق بماهية الفكرة الفلسفية في تلك النصوص انما بمنهجها وادواتها التعبيرية حصراً. والحال ان تطور ادوات التعبير كالمنهج واللغة خاصة، قد يؤثر او يتأثر بتطور الافكار الفلسفية في ثقافة ما، الا انهما لا يرتبطان بينهما بعلاقة سببية ولا بأية علاقة اخرى ربما، لاسيما في مجال الافكار الفلسفية التي هي، وغالباً ما يتم نسيان ذلك، ليست منتجات اجتماعية او جماعية او منظومات نخبوية انما هي وعلى وجه الحصر quot;تساميات ذهنيةquot; صارخة الفردية والتفرد على الواقعي الملموس، وبالتالي الجماعات والنخب، ينتجها عقل منعزل كلياً في لحظة الانتاج الخاصة ذاتها. وهي لحظة تأخذ غالباً لديه شكل حالة ذاتية عليا من التغرب، وأكاد اقول المطلق، حيال كل ما هو آخر او شرط موضوعي او انتماء قبْلي وايضاً حيال ادوات التعبير واللغات والمفاهيم التي لئن تضطر الفكرة الى اللجوء اليها في آخر المطاف كي تتمظهر فان هذا التمظهر لا يعبر عن الحقيقة الصافية او الاولى للفكرة الا نسبياً بالقدر الذي لا تكون الفكرة هنا الا مجرد النموذج وليس الاصل.

ففي العقل فقط تنصنع الفكرة وتكون على حقيقتها وليس في ادوات التعبير التي هي مجرد مرآة.
اما القول بان افكار

لوح يمثل الهة الحكمة البابلية ننسون
البابليين وكذلك المصريين القدامى ليس بالفلسفة حتى في ارقى درجة صياغاتها بزعم ان موضوع هذه الافكار لم يكن الذات منعكسة في الوجود بل الوجود منعكساً في الذات، او ان غائيتها لم تكن quot;الحقيقة الوجوديةquot; بل quot;الانسجام الوجوديquot; او ان منهجها لم يكن تفكيراً عن الوجود بل تفكيراً بالوجود، او ان اداتها لم تكن quot;المفهومquot; بل الرموز او التمثلات... الخ، فمصدره حقائق نسبية، وبصفتها هذه، تبدو لنا انتقائية وذاتية، لاسيما وان الامر يتعلق بفلسفات تأسيسية لم ندرك كل اسرارها بعد. وذلك في الاقل لأن الفكر التأسيسي لا يكتشف بعد ان مبتكراته الفلسفية منفصلة عن سائر منتجاته العقلية الاخرى، ولانه لا يعرف ذلك فانه يتركها تتشكل في اسئلته اللاهوتية وتمثلاته الفنية وطرائقه التجارية والصناعية وحتى في علومه وهمومه السياسية.
في هذه الحالة كيف نفسر شبه اجماع مؤرخي الفلسفة في الغرب والشرق على وجود quot;معجزة اغريقيةquot; في ولادة الفلسفة؟ ثم اين وما هي هذه الفلسفة البابلية المزعومة في المجالات الجوهرية التقليدية للفلسفة على الاقل كالميتافيزيقيا والفيزيقيا والمنطق والاخلاق والسياسة والتاريخ.
هذه الاسئلة هي وحدها تقريباً المحاور التي سنتوقف امامها طويلا هنا في مقالات متخصصة لكنها لا تطرح نفسها كمبحث تاريخي تقليدي انما كمحاولة فكرية بذاتها ومقدمة لطريقة جديدة في الكشف عن خصائص المساهمة البابلية في الفلسفة الى جانب طموحها الضمني الى تسجيل تثمين عال للجهود العظيمة لاولئك المفكرين والعلماء المنسيين غالبا، الغربيين والعرب والعراقيين، ومنهم خاصة صموئيل كريمر وجان بوتيرو وطه باقر وفاضل عبد الواحد علي وفراس السواح وادوارد دورم ودولابورت ومرغريت روفن وجورج كونتينو والعشرات غيرهم.

اما المقصود بنعت البابلية المجازي هنا فهو كل الفكر العراقي القديم المدون باللغة المسمارية التي كانت لغة الثقافة في بلاد ما بين النهرين لنحو ثلاثة آلاف عام تمتد منذ انبثاق الحضارة السومرية في جنوب العراق في مطلع الالف الرابع قبل الميلاد حتى السقوط الاخير لبابل في القرن السادس قبل الميلاد بيد الفرس. اذ رغم تعاقب عدد مهم من الامبراطوريات والدول والسلالات والعقائد والثقافات من سومرية واكدية وبابلية وآشورية وغيرها في الهيمنة عليها نرى ان الامر يتعلق بنفس الجماعة البشرية ونفس الحضارة الروحية من جهة، وان الثقافة البابلية هي اللحظة الاكثر عمقا ونضجا وخصبا وسعة في التعبير عن تلك الروح من خلال النصوص التي حفظتها لنا عشرات الآلاف من الرقم والوثائق الطينية التي سنعتمد في هذه الدراسة على ما نشر منها لحد الآن وجعلنا quot;نعرف عن حياة العراقيين في تلك الفترة اكثر من معرفتنا عن حياة الاوربيين خلال العصور الوسطىquot; كما لاحظ جان بوتيرو.
انتهى
المقال التالي: سذاجة مفهوم quot;الفكر الاسطوريquot;.