نابلس من عاصمة للاقتصاد إلى مقبرة للاقتصاد


خلف خلف من رام الله

أوضح رجل الأعمال الفلسطيني صلاح المصري أن مدينة نابلس تحولت بفعل إجراءات واعتداءات الاحتلال إلى مقبرة الاقتصاد الفلسطيني بعد أن كانت عاصمة له، وبين المصري أن السلبيات المنتشرة في المجتمع الفلسطيني كان لها أيضا أثراً كبيراً في إرباك الوضع الاقتصادي وتحطيمه. وقال المصري: quot;استبشر أهالي مدينة نابلس خيراً عندما أعلنت السلطة الوطنية الفلسطينية مدينتهم العاصمة الاقتصادية لفلسطين.

وتابع المصري قائلا في تصريحات صحافية: quot;وبدأت مظاهر التفاؤل تظهر على وجوه أبناء المدينة حينما بدأت العجلة الاقتصادية في مدينتهم بالدوران فتنامت قطاعات الإنتاج ونشطت حركة التداول في السوق وبوشر بإعادة تأهيل بنيتها التحتية لتواكب رياح التغيير، لكن أجواء التفاؤل لم تطل، فمع اندلاع انتفاضة الأقصى وتراجع العملية السياسية بدأ اقتصاد المدينة يتلقى الضربات المباشرة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لتوقف عجلة النمو الاقتصادي بل وتتراجع إلى الخلف، وبدأت تخيم أجواء القلق والخوف فوق رؤوس أبناء المدينة على مستقبلهم ولقمة عيشهم.

وصف المصري الوضع الاقتصادي الذي تعيشه المدينة بالمتدهور، ورد السبب في ذلك إلى حالة الحصار الخانق المفروض على المدينة منذ بداية انتفاضة الأقصى وحتى يومنا هذا، من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى سلسلة الاجتياحات التي تعرضت لها وما خلفته من دمار في البنية التحتية والمؤسسات الاقتصادية.

ويؤكد المصري بأن الحصار الخانق وانتشار الحواجز على مختلف مداخل المدينة أدى إلى إعاقة عمليات الاستيراد والتصدير منها وإليها، مما أدى بما في ذلك، عرقلة سلطات الاحتلال وصول المواد الخام الأولية اللازمة لإدارة عجلة التصنيع والإنتاج، وعرقلة وصول المتسوقين من المدن والقرى والبلدات الفلسطينية الأخرى وكذلك فلسطيني الداخل الذين منعتهم سلطات الاحتلال تحت ما يسمى بالذرائع الأمنية من الوصول نهائياً إلى الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك مدينة نابلس والذين بدورهم كانوا يشكلون أحد أهم العوامل المحركة للسوق في المدينة؛ وفي ظل هذا الوضع بدأت مختلف المؤسسات الاقتصادية في مدينة نابلس تواجه تحديات كبيرة في غاية الصعوبة والتعقيد وبدأت مؤشرات خطيرة تطفو على السطح تهدد اقتصادها بالانهيار.

ويقول المصري بأن عدداً كبيراً من المستثمرين، من أصحاب رؤوس الأموال أحجموا عن استثمار أموالهم في محافظة نابلس، بسبب الأوضاع الأمنية التي تعيشها المدينة وحالة عدم الاستقرار السياسي، الأمر الذي أدى إلى بقاء الكثير من المشاريع راكدةً في الأدراج، بالإضافة إلى لجوء بعضهم إلى نقل استثماراته إلى الخارج أو إلى المحافظات الفلسطينية الأخرى وفي مقدمتها محافظة رام الله.

ويضيف المصري: quot;هناك العديد من المنشآت الاقتصادية التي قلصت إنتاجها واضطرت إلى تسريح عدد لا بأس به من عمالها، فمصنع الزيوت النباتية بلغ عدد العمال فيه قبل الانتفاضة 450 عاملاً وقد تقلص الآن إلى 110 عامل، أما مصنع ملحيس للأحذية لم يعد يستطيع الوفاء بالتزاماته ولم يعد قادراً على المنافسةquot;. ويؤكد المصري بأن عدداً كبيراً من تجار المدينة أصبحوا عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم الضريبية أو أصبحوا غير قادرين على سداد الإيجارات السنوية لمحلاتهم التجارية، وقد دفع ذلك بأصحاب بعض المصانع إلى إغلاق أبوابها.

وحسب دراسة قامت بها الغرفة التجارية حديثاً فإن 16 منشأة عاملة فقط في المنطقة الصناعية الغربية من أصل 52 كانت تعمل قبل الانتفاضة، أي أن أكثر من ثلثيها أغلقت أبوابها نهائياً أو نقلت نشاطها إلى خارج المدينة. وحسب إحصائيات أخرى بلغت قيمة الخسائر التي لحقت بالتجار فقط جراء الاجتياحات المتكررة للمدينة بما يقارب 18 مليون دينار، وأشار الحاج معاذ النابلسي إلى أن حالة الركود الاقتصادي الذي تعيشه مدينة نابلس أدت إلى ارتفاع نسبة الفقر لتصل في أيامنا هذه إلى ما يقارب 60% من سكان المدينة.


وأشار المصري إلى أن الدراسات التي أجرتها وزارة العمل في الآونة الأخيرة أثبتت بأن نسبة البطالة في محافظة نابلس تتراوح ما بين 45% وحتى 50%، ورد السبب في هذا الارتفاع إلى استمرار إسرائيل في حرمان العمال الفلسطينيين من الوصول إلى سوق العمل داخل إسرائيل بالإضافة إلى تراجع سوق العمل المحلي الناتج عن تراجع حجم الاستثمارات في المحافظة بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة واضطرار عدد من أصحاب المؤسسات الاقتصادية إلى إغلاق أبوابها أو تقليص خطوط الإنتاج فيها، وبالتالي الاستغناء عن عدد لا بأس به من العمال لينضموا إلى طابور العاطلين عن العمل.

وصف المصري الوطنية، الوضع الاقتصادي في مدينة نابلس بأنه وصل حد الأزمة وبأن الأوضاع المعيشية لسكان المدينة والمخيمات المحيطة بها شهدت تراجعاً حاداً.

وذكر المصري بأن أهم مظاهر الأزمة الاقتصادية تتمثل بالتراجع الذي طال جميع القطاعات الاقتصادية وذلك بانخفاض حجم المبيعات في مختلف الفروع بالمعدل العام بنسبة 49% عما كانت عليه في أيلول 2000، وضعف السيولة المالية الذي تواجهه المنشآت التجارية بسبب اختلال الدورة الإنتاجية وانخفاض المبيعات وغياب المتسوقين وتراجع معدلات التجارية الداخلية، وانخفاض الدخل والإنفاق مما أدى إلى تراكم الديون على القطاع الخاص وعدم قدرة المنشآت الاقتصادية على الوفاء بالتزاماتها المالية اتجاه البنوك والموردين ودفع الضرائب والإيجارات، حيث أن هناك 67% من المنشآت تجد صعوبة في دفع أجور العمال و64% تجد صعوبة في تسديد الإيجارات و46% تجد صعوبة في تسديد التزاماتها للبنوك.

ويشير المصري إلى أن حجم إيداعات نابلس في البنوك كانت قبل الانتفاضة تقدر 40% من مجموع إيداعات الضفة الغربية، أما في الوقت الحالي فإن حجمها لا يتعدى 7% لمحافظتي نابلس وسلفيت معاً. ويضيف المصري بأن هناك أيضاً انخفاض في حجم الإيرادات وصل في قطاع النقل بنسبة 69% وفي قطاع الإنشاءات 63% وفي الورش الصناعية المتوسطة 55% وفي القطاع التجاري بنسبة 50%.

ومن مظاهر الأزمة التي يذكرها المصري ارتفاع تكاليف المواد الخام وتكلفة النقل والمواصلات، حيث بلغت نسبة الارتفاع في تكاليف النقل بمعدل 70% و15% في تكاليف المواد الخام؛ ومن المظاهر الأخرى انخفاض حجم الأيدي العاملة لدى المنشآت (التي تعد 7097 منشأة) بنسبة 57% عما كانت عليه قبل الانتفاضة، ومنع العمال من العمل في إسرائيل وإغلاق العديد من المنشآت الاقتصادية أو نقلها إلى مناطق أخرى وبالأخص مدينة رام الله، وكذلك تفشي الفقر الذي بلغت نسبته ما يقارب 60%. ويقول بأن هذه النتائج والنسب توصل إليها عبر دراسة ميدانية للأوضاع الاقتصادية في مدينة نابلس، في نهاية عام 2004.

وقد ورد رجل الاعمال الفلسطيني صلاح المصري أسباب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مدينة نابلس، إلى تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، ما لحق بذلك من سلبيات، فالاقتصاد الفلسطيني مرتبط بالاقتصاد الإسرائيلي في مجالات سوق العمل والتجارة الخارجية والإيرادات العامة والبنية التحتية واستخدام العملة الإسرائيلية، أما السبب الآخر فيتمثل باستهداف المدينة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بحجة الأمن سواء كان ذلك بالاجتياحات المتلاحقة خلال الأربع سنوات الماضية التي ألحقت الضرر بالبنى التحتية وبممتلكات العديد من المنشآت التجارية بملايين الدولارات، أو بفرض حظر التجول وإقامة الحواجز الثابتة والآنية على مجمل مداخل المدينة، وبالتالي تشديد الحصار عليها بحيث أدى ذلك إلى قطع الروابط الاقتصادية مع التجمعات السكانية المحيطة والتي تعتبر الشريان الأساسي للمدينة.

ويضيف المصري بأن هناك أسباباً أخرى ساهمت في تفاقم الوضع الاقتصادي في مدينة نابلس، تمثلت بالفوضى وغياب سلطة القانون والقضاء والقصور الشديد في بنية ومنهجية الإدارة في مؤسسات القطاع الخاص، وضعف أداء الجهات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية في التعامل مع الأزمة.

ويبقى أهالي مدينة نابلس وأصحاب المنشآت الاقتصادية والعاملون فيها يلملمون جراحهم ويأملون بأن تتغير الأحوال عسى أن تعود الحياة من جديد لاقتصاد مدينتهم التي أنهكها الحصار ليتخلصوا من البطالة والفقر والركود الذي يخيم على أسواقهم وليدقوا ناقوس الخطر قبل أن ينهار اقتصادهم بالكامل.