يبدو أنه علينا أن نصدق أن الشباب بما يملكونه من إرادة وغضب ورغبة صادقة في التغيير، هم الأقدر على قيادة الحركة الثقافية الجديدة، وعلى إرشادنا نحن أصحاب الشعر الأبيض، إلى ما يمكن أن يكون قد تكوّن في جسمنا من أسمنتية ما.
فقراءة موضوعية للمشاريع الثقافية الكبرى التي غيرت الخارطة الإبداعية في مختلف الفترات، تدلنا على أنها نهضت على أيدي الشباب، وهو الأمر الذي لا يريد أن يصدقه من يملكون الأمر، فنجدهم يقررون إصدار مجلة تعنى بإبداع الشباب، ويعهدون بأمرها لرجال تجاوزوا الستين من العمر، في أفضل الأحوال، وكثير من مؤسساتنا تهتم اهتماما باذخا بالإبداعات الجديدة، وتخصص لها سلاسل دورية، وبعضها ndash; من فرط الحماس ndash; تكون أسبوعية الإصدار، لكنك تفاجأ أن رئيس تحريرها من كبر سنه قد أصبح خارج نطاق الخدمة.
يؤكد ذلك، هذا الفضاء الألكتروني الذي امتلأت نسماته بكثير من الإصدارات الثقافية التي تعد بالمئات، وتتميز ndash; دائما ndash; من بينها تلك الإصدارات الثقافية التي يحررها ويشرف عليها شباب الكتابة الجديدة، كما تتميز أيضا هذه المدونات التى غطت الفضاء الالكتروني، فأنت تتصفح هذه الصفحات وتلك المدونات، فتضع أصابعك على فكر جديد، ورؤى إبداعية مغايرة، وكَمٍ من الغضب الذي نحن أحوج ما يكون إليه.
وسأضرب على هذه وتلك بمثال دءوب، وهو مجلة ( همسات )، التي يعدها ويحررها بإخراج فني فائق الجودة الشاعر الشاب إسلام شمس الدين، الذي يقف على باب بريدك الالكتروني كل يوم، وأحيانا كل يومين، وأحيانا كل ثلاثة أيامٍ، طارقا عليك الباب، طرقا شفيفا، مرتديا حلته الأنيقة، وحاملا في يديه باقة من الزهور الناضجة، يسلمها لك، ويمضي، وكأنه ndash; من فرط تأنقه ndash; ما فعل شيئا
هذه النافذة الإبداعية التي لا تتطلب منك عناء البحث عنها في محركات البحث، اسمها همسات، وهي تحتفل هذه الأيام بمرور ثلاثة أعوام على بداية إصداراتها. وقد قدمت همسات طوال هذه السنوات أكثر من ألف نص إبداعي للأدباء العرب، وكوّنت مع الوقت ما يمكن اعتباره جامعة عربية أدبية من نوع خاص، فنشرت للعراقي والفلسطيني والمصري والمغربي بجوار التونسي والليبي والسوداني والخليجي، كل ذلك جاء في إخراج فنيّ ينم عن وعي رؤيوي باذخ، في تضفيرة تتماس مع رؤية المبدع وجمالياته.
وهكذا طالعنا نصوصا لحسن توفيق، وراجي بطحيش، وعزت الطيري، ونبال شمس وياسر أنور، وسعيدة خاطر، وأحمد بن ميمون، ومروة دياب، وعبد الكريم هداد، وهدى السعدي، وسعيد الوائلي، وحياة الرايس، ومحمود الدايدموني وآخرين يضيق المجال عن ذكر أسمائهم وإبداعاتهم.
وينتهج إسلام شمس الدين في تجربته الفريدة، نهجا معرفيا يجيء على نسق تراتبيّ، حيث ينشر النص الأبداعيّ، ومعه صورة المبدع، ثم يفرد بعدها مايشبه السيرة الذاتية للمبدع، إضافة إلى عناوينه الورقية والالكترونية، ما يتيح ndash; فيما بعد ndash; تواصلا حميميا بين الكتاب.
ومع التراكم والاستمرارية، تكونت لدى الشاعر الشاب إسلام شمس الدين، قاعدة بيانات هائلة، مما جعله يعمل على إصدار معجم للأدباء العرب يضم نماذج من إبداعاتهم، وسيرتهم الذاتية.
ألم أقل لكم إنه نجح في ما فشلت فيه المؤسسات الكبرى، ألم أقل لكم إنه أنشأ بجهد فردي جامعة عربية أدبية ؟
تحية لهمسات، وهي تخطو بثقة على عتبات عامها الرابع، ناشرة حولنا كل هذا العبق الأثيريّ، لتفرح وجوهنا وهي تشتم روائح عاطرة، يحملها في يديه صبيحة كل يوم، وأحيانا كل يومين، وأحيانا كل ثلاثة أيام، رجلٌ واحدٌ اسمه: إسلام شمس الدين.