مرثية إلى شاعر مجهول

ما أجملَكَ يا من يمر موتُه بلا إشارة، دون ضجيج، لا مراثيَ ولا كلامْ.
ما أجملَ موتَك الذي اختارته سيرتُك دون ان تدري،
مثلما كنت تُفسد عليهم دون قصدٍ وليمةَ البكاء،
لأنك كنت تريد فقط أن تقول كلمتك بلا أذية لأي كان
دون أن تَجرحَ لكنها كانت نافذةً في صميم الأعماق
ما أجملَكَ اليوم في عزلة الظلام
مجردَ هيكل ملقى في طبقات النسيان
لا أحد يبكيك ولا تبكي على أحد
لا شاهدَ لك سوى ما تركته في بحر الكتاب
من نبذ وأقوال أو أشعار.

غداً كان جيلي

إلى جان دمو الوحيد الذي يستحق ذكرى ما فات من لحظات

أين أنتِ يا سنواتي الأولى
سنواتِ الشارع والمقهى
سنوات النهار والمشي الطويل
في مجرى التمردات دون وخز ضمير

أين أنت يا سنواتي الأولى
يا مدينتي المحمومة في فيضانات الذكرى
وأين أنت في هذا الجدول المرسوم
كيف سأقدرُ على أن أكتب إليكِ
من الشرفة إلى المياه
وأن أعود بكِ إلى مواسم أبعد من النهرين...
ومكتبات غليان الأرصفة
والصالات المكيـّفة بالهواء والمفاهيم.

آه يا سنواتي الأولى؛ سنوات مدينة
حيث كنا نشرب المستقبل بجرعات خائفة
مدينة يُصقل الآن وجهُها بالرصاص
كان يأتيها الضوء مع الغروب
فينشر فوق سطوحها الظلالَ والانعكاس
والسماءُ كانت تتشظـّى نجما يُشعِلُ الظلام
ونحن من مقهى إلى مقهى
كنا نبحث في جَنوب المعلوم
عن ضوء الشمال ونكتب الساعات
في دفاتر الغيب العتيقة

كنا نخترع نوافذ يتسلل منها الآخرُ إلى ما وراء السياج
ونحنُ إلى أمدائه لِهَـبّة هواء...

فأين هم يا سنواتي المتنزهة بين التواريخ، شعراءُ الراحة المؤقتة
الذين وعدوكِ بآثار الفجر والنعناع
وها هي نافورة نَصّهم
ماؤها إطناب وجمل مختنقة
ولو كانوا مرّة في سرير المجهول
لما ضنَّ الزمنُ علينا بجيل
وعلى نشيدهم بحرارة الدم.


آه يا سنوات السراب الأبيض
وطيف البدايات المبتكرة
المدُّ يرتفعُ، والعواطفُ عارمةٌ
والمقاومة عمياء
وأنت غائرة في الخواطر

فماذا أفعل بماض يخشى الولادات...

وماذا أصنع بذكرى
لا تستطيعُ أن تكون سوى ذكرى؟

وموتٍ في قعقعة الأحياء!