لايمكن ان يتخذ الراي العام العربي على كافة مستوياته موقف المبالاة والصمت على قضية الكاتب المصري المبدع الدكتور سيد القمني، الذي نسمع بمرارة عن اعتزاله الابداع الفكري بسبب التهديد بالقتل من قبل جماعات سلفية متطرفة. انها خطوة لقتل الفكر العربي عموما لابد ان تدرج ضمن القضايا الهامة على جدول اعمال الامة اليوم. وتخص قضية سيد القمني الكاتب العربي بكل توجهاته ومشاربه وحتى السلفيين المعتدلين. ولابد من الخوض فيها. وعموما فان العرب الذين يمارسون اعادة انتاج الفكر والابداع مدعون اليوم لدعم سيد القمني. وبالتاكيد فينبغي التعامل مع القضية بمنتهى الحذر، لانها قضية حياة او موت.
ان قضية سيد القمني تندرج ضمن قضايا حرية الفكر التي تكفلها كافة القوانين وليس في العالم العربي وحسب. وكان فكر القيمني دائما فكرا مسؤولا يبحث عن الحقيقة المستندة الى الوثيقة التاريخية، وامعان الفكر في تحليلها، واتسم دائما بفكرة الموضوعي والهادئ. ان الخلافات الفكرية من هذه المنطلق ينبغي ان تظل في اطار الحوار الفكري. فمن غير الجائز استخدام السلاح ضد رجل اعزل واجباره حتى على التخلي من فكره السابق.
وفي هذه الحالة فالمؤسسة الثقافية العربية الحرة، مدعوة للدعاية واشاعة ثقافة الحوار، لاقمع الفكر بالقتل والارهاب. ان الساحة المصرية ذاتها عرفت في مختلف تاريخها الصراع الفكري الحاد، وتحاور الخصوم بالفكر عبر وسائل الاعلام والكتب، ولم يهدد احدهم الاخر بالقتل. ان تهديد سيد القمني بالقتل واغتيال اخرين بجريرة الفكر، حالة شاذة، واستخدامها عار على الشرائح التي تلجأ لها، وتشويه سافر للفكر السمح الذي تقول انها تلجأ باسمه لجريمة نكراء. فمن قتل انسانا كانه قتل العالم اجمع. الى جانب ذلك فان سيد القمني قيمة عربية، اثرى للفكر العربي منهجيا ومعلوماتيا ورؤية. واعماله اضافة فكرية ناصعة ومهمة تصب في اتجاه بلورة موقف وفكر عربي اصيل من قضايا انسانية عامة. لذلك فان اعتزاله ممارسة الفكر، خسارة فادحة للفكر العربي،للمشروع العربي الحضاري، ولايمكن ان تبق المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني ولامؤسسات المفكرين والمثقفين والمبدعين في منأى عنها.
ان قضية سيد القمني تظهر بجلاء تمادي الفكر السلفي في عدوانيته مع الفكر الاخر الذي لايروق له. وياخذ على عاتقه وبجرأة صلفة اصدار الاحكام بالحياة والموت، ويزعم بانه "صوت الله على الارض" لتطهير الارض. ان كل مفكر حر ومبدع سوف يصطدم على هذه الشاكلة مع هذا التيار من الفكر السلفي، وهذا ما يوجب ان يدفع كافة المفكرين الاحرار ليكونوا في جبهة واحدة، جبهة الدفاع عن حرية الفكر والكلمة، طالما انها ظلت في اطار القانون، ولايمكن لاحد ان يسول نفسه التدخل، سيما اصدار حكم الموت، لان هذا التصرف سوف يدمر الدولة والمجتمع ويمهد لانفلات الامور، والعودة الى شريعة الغاب. ان رجال الفكر مدعون ايضا لكسب الشرائح الاجتماعية الواسعة لتكون الى جانبهم، ربما سيساعد على احتواء التيارات السلفية المتطرفة.
ودون شك فان قضية سيد القمني، تذكرنا بما تعرض اليه المفكر العربي عفيف الاخضر مؤخرا، من ابتزاز احدى جماعات الجهل والظلامية، بتوجيه تهمة باطلة، للاساءة لمكانته العلمية وتاليب الجماعات المتطرفة ذات النفس العدواني ضده.
ان المثقفين العرب يقفون اليوم خيارات صعبة، فالفكر الباحث لايمكن ان يؤدي مهام وينتج دون اجواء من الحرية والسلام، ودعم الامة له. والفكر الباحث هو واحد من سبل تطوير هذه الامة والانتقال بها الى مصاف الامم المتطورة، والارتقاء بالانسان بها الى درجات اسمى ليكون مواطن فاعل من اجل تحسين الحياة على ارضه. وهذا لايتناقض مع الشرائع السماوية.


نبيل شرف الدين: القمني يتبرأ من أفكاره بعد تهديده