وسط حشد كبير من الفقهاء والعلماء، افتتح "المؤتمر الإسلامي الدولي" الأول في عمـان (يوليو، 2005). وقد وصف قسم كبير من الإعلام العربي وبكلام تبجيلي واحتفائي كبير، بأن هذا المؤتمر الذي ضمَّ 170 مفكراً وفقهياً وسياسياً جاءوا من أربعين دولة، كان بمثابة تظاهرة ثقافية وفكرية لها وزنها ودلالاتها الواضحة في هذا الظرف الاستثنائي من حياة الأمة العربية والإسلامية. وربط هذا الإعلام بين هذا المؤتمر وبين ما يتعرض له الإسلام من غارة تستهدف تشويه صورته وأهدافه وتعاليمه، في ظل تقصير وعجز واضحين من قبل المؤسسة الدينية الرسمية وجمهور العلماء والفقهاء المعتبرين.
وقد خرج المؤتمر بجملة من التوصيات الرئيسية الروتينية والتي يتردد محتواها في أوساط كثيرة سابقة وخارج هذا المؤتمر، مرتبطة بإدانة العنف الأعمى- الذي يمارس في عدة دول باسم الإسلام- والدعوة إلى الحوار والتعايش بين أبناء المذاهب والطوائف الإسلامية المختلفة. وهي توصيات في مجملها لا تضع الإصبع على الجرح، ولا تشفى الغليل، ولا تداوي العليل. حيث لا يملك هذا المؤتمر السلطان اللازم لتطبيق هذه التوصيات.
لقد تساءلت الكاتبة والباحثة جوديا بيري عن مدى أهمية مثل هذه المؤتمرات، التي سبق وشهد العالم العربي والإسلامي العديد منها على المستوى الديني، أو على المستوى السياسي كمؤتمرات القمة وغيرها. فما هي المشكلة التي استطاعت مثل هذه المؤتمرات أن تحلها أو أن تضع حداً لتفاقمها؟
إن فاقد الشيء لا يعطيه.
إن كثيراً من العلماء والفقهاء الذين حضروا "المؤتمر الإسلامي الدولي" الأول في عمان، كانوا قد أصدروا فتاوى دينية تحرّض على قتل المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ تحت مظلة "الجهاد الديني". ولعل استشراء الإرهاب في العالم العربي على هذا النحو الذي نشهده الآن، كان سببه بالدرجة الأولى تشجيع كثير من الفقهاء على الإرهاب بغطاء ديني مزوّر ومختطف وغير سليم في معظم الأحيان. ولو كان هؤلاء الفقهاء الذين شجعوا الإرهاب بتلك الفتاوى الدينية المدوية على حق، لأفتوا كذلك بقتل ابن لادن وأيمن الظواهري والزرقاوي وكل قيادات "القاعدة" في كل مكان .
لقد ازهقت عناصر قيادة "القاعدة" أرواح الآلاف من الأبرياء المدنيين من عرب وعجم ومن النساء والأطفال والشيوخ ومن ليس له علاقة بالصراع الدائر الآن في الشرق الأوسط. فقد أصدرت مؤخراً جامعة "اكسفورد" احصائية تقول، بأن عدد القتلى في العراق وحدها، منذ عام 2003، بلغ 25 الفاً، منهم 111 رضيعاً، 2488 طفلاً، 2383 امرأة، 20081 مدنياً لا علاقة لهم بالصراع.
أفلا يتيح ذلك للفقهاء باصدار فتاوى تدين هؤلاء القتلة، وتحلل قتلهم والتخلص من شرورهم؟
أم أن الفقهاء في هذه الأحوال يلجأون إلى الإدانة والتنديد واطلاق شعارات التسامح والمحبة والتعاون.. إلى آخر هذه المنظومة اليوتوبية من الشعارات التي لا تساوى على أرض الواقع الحبر الذي كُتبت به والطعام الذي أكل من أجله، والمصاريف الباهظة التي صرفت لاقامة مثل هذه المهرجانات الدينية الاستعراضية الفارغة من القرارات الحاسمة التي يمكن أن تُطبق على أرض الواقع.
هل عدم صدور فتاوى دينية حتى الآن بقتل ابن لادن وعناصر قيادة "القاعدة" الأخرى الضالعة في العمليات الإرهابية التي تجرى الآن في العراق وفي السعودية وفي مصر والتي لا تحتاج إلى انتظار الأمم المتحدة لتعريف الإرهاب - كما يتعلل البعض - دليل قاطع مانع بأن كثيراً من الفقهاء الذين يدّعون بأنهم ضد موجات الإرهاب، هم في واقع الأمر وضمنياً، يتبنون هذه العمليات الإرهابية ويباركونها في سرهم وليلهم؟
أليس من البؤس، والتهافت، واغتيال العقل، وسوء السبيل، ونقصان الحس الإنساني، وعمى البصيرة الدينية، وضلال الطريق القويم، أن يزن بعض فقهاء الدين الإرهاب بميزانين ويكيلون بمكيالين، وهم الذين يعيبون على الآخرين من "الكفار" الكيل بمكيالين، ويطلقون على أنظمة الغرب "ذات المكيالين"؟ فيكون الإرهاب حراماً في الدوحة مثلاً، وتخرج مظاهرات الشيوخ لشجبه وادانته والتنديد به، ويكون الإرهاب في بغداد والرياض والقاهرة وشرم الشيخ وطابا وغيرها حلالاً زلالاً، واسترداداً لكرامة الأمة الإسلامية المهدورة كما قال مجدي حسين، الأمين العام لحزب "العمل" الإسلامي المصري في جريدة "الشعب" ؟
ان المهمة الأولى لفقهاء الدين اقامة موازين العدل والإحسان بين الناس، فهل من العدل والإحسان أن يُدان الغرب في اعتدائه على الشرق، ولا يُدان المسلم في قتل أخيه المسلم أو غير المسلم دون جرم؟
ان عدم صدور مثل هذه الفتاوى حتى الآن، هو الذي شدَّ من أزر ابن لادن وعناصره وقاعدته، وشجعهم على توسيع دائرة القتل والإرهاب في العالم العربي. بل إن عناصر القاعدة قد استمرأت الإرهاب، وأوغلت فيه عندما وجدت أن الغالبية من فقهاء الدين في العالم العربي تسكت عما تفعل، بل واعتبرت هذه السكوت مباركة لما تقترفه من جرائم. وعندما وجدت أن بعض الفضائيات تسارع الى نشر بياناتها وإذاعتها على مدار الساعة وتستفي الفقهاء والمفسرين لبيانات الارهابيين كضياء رشوان ومنتصر الزيات وغيرهما لإلقاء الضوء على هذه الدرر البيانية الارهابية.
من هو أخطر على الإسلام الآن: ابن لادن وعناصر "القاعدة"، أم سلمان رشدي في روايته السخيفة المبتذلة "آيات شيطانية" ؟
لماذا أُهدر دم سلمان رشدي وصدرت فتوى بقتله، ولم يُهدر دم ابن لادن والظاهري والزرقاوي، وجميعهم مسلمون؟
من كان الأخطر على الإسلام الآن وفي الماضي: ابن لادن وعناصر قاعدته، أم فرج فودة وحسين مروة ومحمود طه والصادق النيهوم وغيرهم من مفكري العرب المعاصرين، فلماذا صدرت فتاوى بقتل هؤلاء وقتلوا فعلاً، ولم تصدر فتوى حتى الآن بقتل ابن لادن وقادة "القاعدة"؟
ألسنا أمة المكاييل، وليس المكيالين فقط؟

[email protected]