لقد تعجّب البعض من وقوفي ضد تعري الفنانة السورية في واشنطن (عورة المرأة العربية.. وقضايانا المصيرية )، وألصقوا بي تهمة التزمت، والتنكر لكل ما كتبت، خاصة ديواني الأول (مراهقة) المنشور عام 1968، والذي أدعو به الفتاة العربية إلى تقصير فستانها أكثر وأكثر، حتى تتنعم الأعين بجمال جسدها الرائع. ولكنهم تناسوا أنني لم أطالبها بالتعري الكامل، بل بإظهار بعض مفاتنها، لأن الفتاة العربية حقاً جميلة، ومن حقها أن تتنعم بجمالها، لا أن تظهر عورتها، وترميها، كالقمامة، في سلة مهملات الإعلام العالمي، وتتعرض للإعتقال، والمساءلة القانونية.
حرية المرأة العربية واجب قومي وإنساني، شرط أن لا تتجاوز الآداب العامة، ومن لا يدعم تلك الحرية لن يرى وجه الله تعالى، ولن يتنعم بصفاء البال.. كما أن الإبتذال في حريتها، وحرية الرجل أيضاً، غير مسموح به قانونياً وأخلاقياً، ومن يسمح به لن يرى وجه الله، ولن يتنعم بصفاء البال، تماماً كالمناهض لحرية المرأة.
فنانتنا التشكيلية تخطت، بتعريها، الخط الأحمر المسموح به دولياً، كما أنها أطاحت بكل ما طالب به عشّاق حرية المرأة العربية، وسكبت فوق نار مشاداتهم المستديمة مع أعداء حريتها، زيتاً، أحرقهم قبل أن يحرق مناوئيهم، لا بل مد الأعداء بسلاح فتاك، قد يجعلهم مشلولين أمامه، ألا وهو اعتبار المرأة، متى حررت، غير جديرة بتلك الحرية، كي لا أقول: ناقصة عقل ودين.
غداً سيتباكى رجال الدين المتشددون على العفة والأخلاق، وسيتشدقون بألف فتوى وفتوى، وسيلعنون الغرب وسكانه وكل من يستوطن به، وسيطالبون بوأد البنات كي لا يتجاسرن، متى كبرن وسافرن، على إظهار عوراتهن أمام أعين الكفار، وسيتظاهرون في بلدانهم من أجل السماح برجم الزانية، وكل من تظهر عورتها للناس زانية لا محالة، يجب سحقها بالحجارة حتى تستقيم الأخلاق العربية، وخاصة النسائية منها.
لقد حاولنا جاهدين أن نقنع هؤلاء المتشددين بأن للمرأة عورة واحدة، كما للرجل، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نفرط بها، أو أن نعولمها، كما عولمتها فنانتنا في واشنطن، وما عدا ذلك، فكلها أنوثة، وكل عضو من أعضائها مدعاة فخر وآية جمال، لا يجب أن تخجل به، أو أن تحجبه عن أعين الناس، لأن الله خلقها كاملة كالرجل، لا بل أذكى منه وأجمل، بعد أن دلت الدراسات على أن الفتيات في المدارس أذكى بكثير من الفتيان، وهذا ما لمسته شخصياً خلال رحلتي الطويلة مع التعليم.
من، بربكم، سيسمح لزوجته بالتظاهر عارية من وريقة التين، أمام عدسات الكاميرات والتلفاز وأعين الناس، من أجل قضايانا المصيرية؟ من منكم سيعري ابنته ويكتب على عورتها: الموت لأعداء العروبة؟ أو يصرخ بأذن أمه: أماه، أماه، اخلعي ثيابك وتظاهري دعماً لقضية ما، مهما كانت مقدسة.
أنا شخصياً لن أسمح، حتى ولو أوحى الله إليّ بذلك، وهو لن يوحي بالطبع، لأن الحرية حشمة، وفضيلة، وأخلاق، وتربية، واحترام، وعبادة، وإلا انتفت قيمتها، وأضحت دعارة، وابتذالاً، وانفلاتاً، وجريمة. فإذا سمحنا لتلك الفنانة بالدوس على القانون الدولي، سنسمح للقاتل أن يقتل، وللسارق أن يسرق، وللإرهابي أن يفجر نفسه.
لم أقرأ قط أن عربياً أظهر عورته عبر التاريخ إلا عمرو بن العاص، كي يحمي عنقه، وليس قضيته، من ذي الفقار، وما زال التاريخ يحسبها عليه، ويتندر به، ولكنني قرأت أن شعوباً كثيرة أحرقت نفسها دعماً لقضاياها، كما فعل سكان مدينة صور اللبنانية يوم حاصرها الإسكندر، أو كما فعل بعض الأكراد دعماً لقضية أوجلان.
لو كنت في واشنطن، ورأيت تلك الفنانة السورية تخلع ثيابها أمام الناس، لخلعت معطفي ورميته عليها، ولو أبت، لأنها ستدرك، عاجلاً أم آجلاً، أن ما فعلته هو الصواب، وأن تظاهرها بهذا الشكل الفاضح لن يقدم أو يؤخر، بل سيعيق تحركاتنا من أجل حرية المرأة العربية في شرقنا التعيس.
الحرية، هي أن ترضى لغيرك ما ترضاه لنفسك، فهل ستظهر عورتك، أنت بالذات، من أجل قضيتك، وتتباهى بها أمام أعين الناس؟ لا والله. إذن اتفقنا.

[email protected]