أعترف بأنني قد ترددت طويلا قبل أن أكتب هذا المقال وذلك بسبب خشيتي من توسع مساحات الدول الممنوع من دخولها في العالم العربي السعيد بحكامه وأحزابه وملله ونحله وطوائفه وخلافاتهم التاريخية التي لم تزل تقف عند ناصية مرحلة وحقبة (الفتنة الكبرى) وأساطير (إبن سبأ)!! وقضايا الصراع الهاشمي الأموي!! والذي لم نزل نعيش ونتعيش على ذكرياته فيما شعوب العالم تحث الخطى سريعا للإنطلاق من (فلك السموات والأرض)!! أما نحن فقد ضاقت بخلافاتنا ومناقشاتنا العقيمة كل أقطار وأفلاك السموات والأرض!! ولكن بما أن (اللي فيني ما يخليني) فلم أعد أستطع صبرا في السكوت عن ما جادت به قريحة الرئيس المصري حسني مبارك في حديثه المتلفز لقناة العربية يوم الثامن من نيسان/إبريل الحالي، ومبعث إطمئناني وإقدامي على الكتابة هو تصديقي لتفسيرات الرئيس المصري لتطبيقات (قانون الطواريء) المصري والتي لا تطبق إلا على أهل الإرهاب وأهل المخدرات!! وبما إنني لا أعرف حمل السلاح ولم إستخدمه في حياتي مطلقا فإن ذلك يبعدني عن أهل الإرهاب والعياذ بالله؟ أما أهل (الصنف والمزاج) وبتوع الكيف فأنا أبعد خلق الله عنهم لكوني لا أدخن فلا يعقل بعد ذلك أن (أحشش) أو أدخل ضمن قوائم (المسطولين)!! رغم أن بعض أولئك المسطولين كانوا قادة جيوش بعض الدول العربية المقاتلة أيام زمان!! وذلك موضوع شائك آخر ليس هذا وقته ولا مجاله؟ المهم في الأمر أن حديث الرئيس المصري والذي تضمن أمورا كثيرة أناقش منها ما يتعلق بالشأن العراقي وأترك الباقي لمناسبات أخرى أو لكونها لا تعنينا بإعتبارها أمور داخلية مصرية بحتة أهل مصر هم الأقدر على الإجابة عليها!، ولعل الكلمة الوحيدة التي يمكن أن تلخص موقفي الشخصي المتواضع من حديث الرئيس المصري في القضية العراقية هي تلك العبارة الخالدة التي قالها زعيم مصر السابق سعد (باشا) زغلول والتي تقول : { مفيش فايدة... غطيني ياصفية }!!.. نعم لقد كان تصنيف وتحليل الرئيس المصري للأمور العراقية تحليلا سطحيا ومتسرعا لا علاقة له بما يدور ويجري ميدانيا منذ سنوات في المنطقة من صراعات و تشابك إرادات ومحاولات مستمرة لإدارة حلقات الصراع المحتدم والتي كان الشعب العراقي وثرواته ومستقبله من أهم مجالاتها الحيوية، لقد كان تصنيف سيادة الرئيس المصري متسرعا ومزاجيا بدرجة مرعبة حتى أنه على ما يبدو لم يرهق نفسه بقراءة تقارير مراكز البحث والدراسات المصرية ذاتها، بدءا من مركز (بتاع) الأهرام وليس إنتهاءا بتقارير (المخابرات المصرية) وهي الضليعة والمتميزة في القضايا العراقية منذ أيام الراحلين (صلاح نصر) و (أمين هويدي) أو تقارير السيد العقيد وقتها وسكرتير الرئاسة المصرية بعدها السيد (عبد المجيد فريد)!! وهي تقارير تنبش كل شيء وتفصح عن كل شيء ومن شأن قراءتها أو الإطلاع عليها ولو قليلا تجنيب الرئيس المصري مغبة الوقوع في العديد من الأخطاء التاريخية والمعلوماتية والتي وصل بعضها لحدود التجني!! فكيف يمكن تفسير حكاية أن(الشيعة في العراق والعالم العربي) ولاءهم لإيران!! رغم أن حقائق التاريخ تؤكد عكس ذلك تماما فوجود الشيعة والتشيع في العالم العربي أقدم بكثير من إيران وتشيعها الذي لم يتم إلا في عصر الصفويين في القرن السادس عشر وعلى أيدي رجال الشيعة العرب ذاتهم من جبل عامل!! كما أن من شأن تلكم التصريحات المستعجلة التشكيك بولاء ووطنية الملايين من شيعة العراق والبحرين والجزيرة العربية وسوريه وشمال أفريقيا وغيرهم!! وأعتقد أن الرئيس المصري يعلم علم اليقين من أن (شيعة العراق) ما غيرهم والذين كانوا جنودا وضباطا في جيوش صدام وفيالقه هم الذين تصدوا لمشروع تصدير الثورة الإيرانية في حرب قاسية ومكلفة ومجنونة أكلت مئات الآلاف من خيرة شباب العراق؟؟ كما أن (المخابرات المصرية) تعلم علم اليقين من أنها وخلال تورط نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في صراعات الدم العراقية بعد إنقلاب 14 تموز/يوليو 1958 كانت تجند أعداد كبيرة جدا من الشيعة العراقيين الذين كانوا في صفوف الحركة القومية أو حزب البعث ومنهم قيادات فاعلة ومعروفة مثل هاني الفكيكي وحمدي عبد المجيد وطالب شبيب وسعدون حمادي ومحسن الشيخ راضي وغيرهم... فهل هؤلاء وغيرهم كانوا إيرانيو الولاء والتبعية؟؟.. والتشكيك في ولاء الشيعة هو اليوم واحد من أخطر الملفات والذي يصب في خانة التشظي وتهيئة العوامل المساعدة لإندلاع الحرب الأهلية والتي أكد الرئيس المصري أنها بدأت في العراق!! بينما الحقيقة تقول عكس ذلك تماما فحالات العنف والقتل الطائفي القائمة اليوم في العراق هي جزء من مخطط إستخباري واسع المدى لا علاقة للشيعة أو للسنة به، فتعايش وتزاوج الطائفتين التاريخي هو أمر ليس محل شك ونحن أهل العراق لا نعاني من عقدة الولاءات الطائفية أبدا فمثلا والدتي رحمها الله شيعية ووالدي رحمه الله سني وذلك لم يمنع أبدا مشاركة أهل السنة في مواكب عزاء أهل بيت النبوة الأطهار فهم ملك لجميع المسلمين ولا تختص بهم طائفة دون أخرى وهنالك العديد من العشائر العراقية تقسم لفرعين شيعي وسني وليس في ذلك أدنى مشكلة، فوحش الإنقسام الطائفي الذي توغل اليوم وإستشرى بسبب تدخلات وأساليب وتوجهات ومخططات القوى التكفيرية ومعظمها من إنتاج وتمويل وإعداد وإخراج نظام البعث البائد لا علاقة لعموم الشعب العراقي الحر بها، والمجازر اليومية الدائرة في العراق والتي يقع ضحيتها فقراء الشيعة والسنة لا تشكل حربا أهلية بقدر ما تشكل حالة فوضوية ستنتهي حتما بإنتصار الحرية وإحباط سيناريوهات التقسيم والتشظي، ولو طبقنا مقاييس الرئيس المصري على مصر نفسها لجاز لنا القول من أن التوترات الدينية بين المسلمين والإقباط بدءا من أحداث الزاوية الحمراء في القاهرة مرورا بأحداث (الكشح) في الصعيد ووصولا للتوتر الكامن حول منع بناء الكنائس الجديدة وهي ظاهرة ملموسة في الشارع المصري هي جزء من (حرب أهلية) بين المسلمين والأقباط!! فهل الوضع كذلك حقيقة في مصر؟
التاريخ السياسي الحديث للمنطقة العربية يقول بأن المخابرات المصرية سابقا لعبت دور مؤثر في صراعات العراق الدموية في الستينيات، كما أن الصراع البعثي/ الناصري في أواخر الستينيات قد طبع مسيرة المنطقة دون أن ننسى من أن مقاطعة وحرب البعثيين للراحل السادات منذ ما قبل المبادرة الشهيرة عام 1977 قد شكل صورة نمطية للخلافات العربية، كما أن النظام المصري الحالي كان واحدا من أهم الأنظمة التي وقفت مع نظام صدام في أزماته وحيث إحتاج صدام للعمالة المصرية لسد النقص في وظائف الدولة والمجتمع التي إستنزفها بالكامل في حربه الإيرانية، كما لعب صدام دورا مهما في إلغاء المقاطعة العربية وإعادة إيلاج مصر في النظام العربي... الرئيس المصري للأسف لم يكن موفقا في تحليلاته بقدر ما كان متضايقا حتى أنه لم يسمع بعض الأسئلة جيدا!!... وأعود وأقول (مفيش فايدة... غطيني).


[email protected]