من المعروف أن السنة خاصة في الحقب الأخيرة ليست لديهم مراجع خاصة بطائفتهم. بل كان ثمة مرجع إسلامي عام قد يأخذ بأحد مذاهبهم(الحنفي غالباً) لكنه مرتبط بالدولة وبالسلاطين مالياً وإدارياً وخاضع لشئونهم ومصالحهم أكثر من ارتباطه بالعامة سيما الفقراء والمعدمين! وكثيراً ما عصفت بهذه المراجع الاحتلالات والغزوات والحروب ولمئات السنين ومع ذلك ظل بشكل ما ثمة مستوى من المرجعيات الإسلامية المبعثرة والتي يمكن احتسابها للسنة، ولو على نطاق علماء دين مرموقين أو مشهورين وأأمة مساجد محليين. بينما امتاز الشيعة بوجود مراجع كبرى مركزية خاصة بطائفتهم، وبكون مورد عيشها مضمون من (الخمس) وعطايا الناس الأخرى، وهي مصانة ومهابة وقد اتخذت أحياناً طابعاً أسطورياً كما لدى ما سمي بسفراء الإمام المهدي في ما دعي بغيبتيه الصغرى والكبرى، كما اتصف الشيعة في العراق بطاعتهم لمراجعهم والأخذ بكلماتهم بدقة(رغم إن غالبية هذه المراجع من أصول إيرانية) كل هذا يجعل مسؤولية المرجع السني أقل أهمية وخطورة (رغم إنها عراقية وعربية غالباً مع إن بعض مؤسسي مذاهبهم من غير العرب) وعمله يتسم بقلة طاعة طائفته له وبصعوبات أخرى، بينما يكون عمل المرجع الشيعي أكثر أهمية وخطورة وعمله داخل طائفته أكثر سهولة وأشد أثراً!
ومع ذلك، خاصة إذا تجاوزنا أسس شرعية التمثيل الحقيقي، يمكن اليوم مخاطبة شخصيات دينية عراقية باعتبارها قادة ومراجع سنية بشكل ما، سيما وهم ربما تأثراً بالشيعة أو بمتطلبات الوضع الراهن، كونوا مراجع لهم كهيئة علماء المسلمين أو دائرة الوقف السني إضافة للإخوان المسلمين القدماء الذي ظهروا اليوم وراء واجهة الحزب الإسلامي مع خطباء جوامع وفقهاء معروفين اهتموا بالسياسة حتى ليبدوا (كما مراجع الشيعة أيضاً) أن همهم السياسي والاقتصادي قد غلب على همهم العبادي والروحي!
ولكن لابد من التأكيد أن الغالبية العظمى من السنة اليوم هم بلا قادة ولا مراجع،فهم الأغلبية الصامتة المغيبة والمختطفة والمحاصرة بحراب الإرهابيين من فلول القاعدة وأصحاب السوابق من المجرمين العاديين الذين اتخذت منهم بقايا قادة البعث قناعاً لهم. وبين هؤلاء السنة (المغيبين قسراً من قبل القادة والمراجع السنية المفروضة عليهم وليس من قبل الحكومة) قاعدة عريضة من المستقلين والمثقفين الأحرار والعلمانيين وذوي الضمائر الحية الرافضة للدكتاتورية والاستلاب والقمع والإرهاب والمتطلعين لحياة جديدة.وربما تتفاعل اليوم في أعماق تجمعاتهم تيارات وتتبلور قيادات ووجوه تريد المشاركة في العملية السياسية السلمية والحياة الديمقراطية. وقد تفاجئنا الأيام المقبلة بقادة شجعان منهم ذوي رؤية سياسية ناضجة.ولكن لابد من الاعتراف أن هذه الغالبية مازالت مغلوبة ومعزولة ولا تأثير لها على مجريات الأحداث في المناطق السنية إلا بقدر قليل لذا فإن المخاطبة المجدية عملياً هي مع القيادة الظاهرة والبارزة والتي هي رغم عزلتها العامة لها تأثير كبير بحكم ارتباطها بالمفاصل الدينية والبعثية المنهارة وبؤر العمل المسلح حتى ليقال إن بعضها هي الوجوه العلنية لما يسمى بالمقاومة!
ربما أهم ما يواجه هؤلاء اليوم هو أنهم بدلاً من أن يبقوا أسري ذهولهم وصدمتهم لما طرأ على الوضع العراقي عموماً وعلى علاقاتهم مع الشيعة أو في تغير مواقع الشيعة وأخذها لوزن جديد مختلف. من الضروري لهم أن يقفوا لحظات تأمل أعمق وأطول لمراجعة الذات عموماً، وأن لا يركنوا للتقييمات والمقولات الجاهزة التي قد تدغدغ مشاعرهم القديمة أو تستفزهم وتجرهم لمواقف محتقنة ومتوترة. عليهم أن يمارسوا هم مراجعتهم أو نقدهم الخاص الموضوعي والجريء لتاريخهم كله خاصة علاقاتهم بعهود الحكم المختلفة وبالحكام المتنوعين والذين يبلغون المئات على مدى الأزمان ولم يكن بينهم من العادلين سوى أعداد قليلة جداً! وأن يتأملوا علاقاتهم التاريخية القديمة أو المعاصرة مع الشيعة والتي أضحت اليوم شائكة ومعقدة،وتقف على مفترق طرق فإما أن تأخذ طور التآلف والتلاحم والمصير الواحد لهما وللأديان والطوائف والقوميات الأخرى مكونين شعباً متيناً غنياً بتنوعه، أو تنحدر للمزيد من التعقيد والتصادم والتفجر ما يجعل من افتراقهما وتصادمهما النهاية المأساوية للعراق وما قامت على أرضه من حياة عريقة مشتركة امتدت وحتى قبل الفتح الإسلامي له آلاف الأعوام!
لا يجدي قادة ومراجع السنة نفعاً أن يقفوا كل جهدهم العقلي على منابرهم ومقراتهم وصحفهم لإعادة ترتيب شكلية لبيوتاتهم الفقهية والمذهبية للتغني بقوتهم وصواب مواقفهم القديمة والجديدة والرد بتشنج وإنكار على ما يقوله قادة ومراجع الشيعة من أنهم الأكثرية وإنهم قد ظلموا طويلاً تحت حكم السنة وهم الأقلية وآن لهم أن يقلبوا المعادلة. كما لا يجدي أن يرفعوا عقيرتهم قائلين أن هجوماً شيعياً مضاداً قد بدأ اليوم يريد اجتياحهم أو اقتلاعهم من بغداد والمدن الأخرى ومن مناطقهم ومن بيوتهم وتهميشهم وإحالتهم إلى أقلية مضطهدة وإرسال نداءات الاستغاثة لمحيطهم العربي والإسلامي طلباً للنجدة والعون!
إن كل هذا،خاصة إذا أخذ طور المناوشة والسجال الحاد سيزيد الأمور تشابكاً وتفجراً بينهم وبين الشيعة عموماً وقد يخرج القضايا المطروحة من أيديهما وينقلها لجهات أخرى ستتعامل معها ليس لمصلحة السنة أو العراق وشعبه كله ومستقبله بل لمصالحهم هم واعتباراتهم المثقلة باستحقاقات إقليمية ودولية ثقيلة لا شأن للعراق بها أيضاً! وهذه لا ترضى بأقل من الحرب الطائفية أو الأهلية التي تستطيع إشعالها بعود ثقاب طائفي كبير أو صغير وتجعل من أرواح ودماء الناس وقوداً لها!
من الصعب جداً أن تبدأ مراجعة الذات لدى قادة ومراجع الطائفتين من البدايات الأولى والموغلة في القدم للانشقاق الكبير في الإسلام الذي تمخض عن الشيعة كمذهب رئيس جديد لمعرفة أن كان الحق أو نقيضه مع هذا المذهب أو ذاك وهذه الطائفة أو تلك فقد اشتبكت جذور المواقف والمفاهيم وصارت تستعصي على التحديد كما تتشابك جذور شجرتين من فصيلة واحدة فهي ملتحمة منفصلة بنفس الوقت لذلك لا يجدي حتى ميزان الذهب نفسه في تقيم هذا المنطلق أو ذاك! ومن المرجح أن يبقى السني سنياً والشيعي شيعياً لأمد بعيد جداً آخر، أي ضفتين لنهر واحد وربما لا حل في مجال تقريب مذهبيهما إلا في زيادة الجسور بينهما وإزالة الخنادق والجزر والأدغال الموحلة التي خلفتها عصور الظلام والتناحر.وفي بقاء الطائفتين تتعايشان في محبة وسلام ودرء خطر الكراهية والاحتراب عنهما!
ما يجدي قادة ومراجع السنة أكثر من كل ذلك هو محاولة التعرف على حقيقة علاقاتهم مع الشيعة والطوائف الأخرى عبر دراسة وفهم أنفسهم بأنفسهم بوضوح أعمق وشجاعة أكبر. أن يتعرفوا على ذاتهم الكبرى عارية من ثياب السلطان أو قصائد الشعراء وتزويق المؤرخين المأجورين. ودون أوهام العصور وأكاذيب الحنين إلى الماضي القريب أو البعيد! وأن يضعوا أيديهم على مواقع الخطأ والعطب والانحراف في ذلك التاريخ الهائل الطويل الذي كان فيه للأمراء والخلفاء خزائن الذهب والجواهر وآلاف الجواري والغلمان ودنان الخمور وللفقراء والعامة الجوع والسيوف والهوان! ذلك التاريخ الذي لم يكن تاريخهم، أو في الأقل لا ينبغي أن ينتموا له! لقد قطف الحكام وذووهم منه المتع واللذات والأمجاد الفارغة واليوم يتحتم عليهم هم لا غيرهم أن يدفعوا ثمنه عذاباً ودموعاً وأحزاناً!لقد كانوا هم كسنة مع الشيعة ضحايا جور الحكام المستبدين على مر العصور بينما كان الحكام ينسبون أو يحسبون عليهم!
ولكي لا يلقي أحد أوزار التاريخ كلها عليهم،ينبغي أن ينبروا هم قبل غيرهم لنفض غبار التاريخ الملتبس والمشوش والمتورم عن كواهلهم وعقولهم! وليقولوا هم في أي جانب من التاريخ كانوا يقفون وأين سيقفون في المستقبل! ومن أجل راحة ضمائرهم وانطلاقتهم للحياة الجديدة عليهم هم قبل غيرهم أن يتطابقوا مع ضمير التاريخ السوي والصحيح وخلاصته وعبرته العادلة لا مع سيوفه وقصوره وراياته الخفاقة فوق تلال جماجم المظلومين والمحرومين والمهانين،والذين كانوا بلا شك من السنة والشيعة ولكن الحكام كانوا من السنة!
لا أحد يطالبهم أن يسقطوا من تاريخهم العام تلك الصفحات المشرقة التي أشادها قادة منهم أنقياء ومفكرون جادون أصلاء ومتصوفة وزهاد وفقهاء وأتقياء صالحون ولكن بالتأكيد أنهم لا ينبغي أن يتبنوا ذلك الركام التاريخي الهائل من الأفكار والمصطلحات والمفاهيم التي تكونت أو سادت وفق نزوات السلاطين والحكام ووعاظهم وجورهم وأطماعهم!

***
هذا الوقت العصيب لا غيره هو وقت إسقاط تلك النرجسية المرضية وأوهام العظمة المقيتة التي غرسها حكام متعسفون ودجالون ومطبلون في أعماق مجموعات كبيرة من السنة وأورثوها أجيالهم وجعلوا أعمارهم ومصائرهم رصيداً مؤلماً لها!
عليهم أن لا يعتبروا أن أكثريتهم في العالم الإسلامي تعني أكثريتهم في العراق أيضاً أو تمنحهم ثقلاً استثنائياً. عليهم أن يأخذوا ثقلهم الخاص في وطنهم من أعمالهم وجهودهم ومن نظرتهم العادلة والمفعمة بالمحبة لأشقائهم الشيعة، ومن سلوكهم المنصف والمتزن والمتسم بأعلى درجات الشعور بالمسؤولية نحوا جميع الأديان والطوائف.
إنه لضروري جداً لهم اليوم عدم الرضى عن الذات مثقلة بمظالم الآخرين،وظلم النفس أيضاً وملاقاة حياة جديدة مكتنزة بالبراءة والاستقامة والطموح المشروع حيث السعادة الحقة والخير الغامر للجميع.
أليس ضرورياً لقادة ومراجع السنة التخلي عن الخطاب القديم المتحجر القائم على الإنكار وإسقاط الأخطاء والذنوب تارة على الأجنبي وتارة على القدر؟ ومن حقهم طبعاً أن يبينوا أخطاء الآخرين ويفندوا ادعاءاتهم ولكن بروح موضوعية هادئة مستعدة لتقبل الحقائق مهما كانت مرة وقاسية! أليس ضرورياً أن لا تأخذهم العزة بالإثم؟ بل ينتقلوا لخطاب عصري جديد يقوم على الاعتراف بالخطأ حيثما وجد،واتباع أسلوب المصارحة والمكاشفة والبحث مع النفس أولاً عن طرائق للخروج من مآزق صنعت في الماضي بأخطاء الأسلاف وأفكارهم وتصميمهم وقناعاتهم سواء إن كانت مشتركة مع أسلاف الشيعة أو غيرهم أو من طرفهم وحسب، والتركيز على نقاط اللقاء وفرص الحاضر وآفاق المستقبل وهي كثيرة وتدعو للتفاؤل وبما يكفي لإزالة الكثير من كآبة ومخاوف الصراعات الحالية!
لينسوا أو يتركوا جانباً مواقف أو مفاهيم الشيعة إزاء أنفسهم أو عنهم أو عن غيرهم ويتلمسوا بجرأة وشجاعة مواضع الخلل في علاقاتهم هم كسنة مع الشيعة ويحصروا داخل ضمائرهم التقصير والحيف الذي وقع منهم على الشيعة (حتى ولو افتراضاً) ولكنه خلق هذه الهوة النفسية الممتدة في الزمان والمكان ولمساحات شاسعة! ولا يجدي ترقيعها بصلاة مشتركة سرعان ما تزول نشوتها، أو مظاهرة تقوم على الهتاف والصراخ لا على التفكير والحوار الجاد والعميق والمطول أيضا!
هل أجهدوا أنفسهم في إيجاد موقف إسلامي جديد من القضايا التاريخية التي تشكل المحاور الرئيسية لدى الشيعة ؟
إن المؤمل أن لا يطول ترددهم في المراجعة والتأمل وأن لا تأخذ عملية المراجعة والتأمل وقتاً تفوت خلاله فرص تدارك الأشياء والأمور،والمؤمل أيضاً أن تكون حصيلة المراجعة إيجابية ومرنه ومتفتحة لتعلن على الملأ بروح رياضية جريئة! ثم لتكن فيما بعد فاتحة لندوات ومؤتمرات وحوارات بين فقهاء ومراجع وعلماء السنة والشيعة تعقد في الكوفة وبغداد بصفتيهما منطلق مذاهبهما! هل هذا صعب التحقق؟ أو غير ممكن؟
إذا تأملوا حال العراق وحال الدنيا ورأوا ببصيرة نافذة أخطاء الماضي ومثالبه وخطاياه
وتوصلوا لحكمة وعبرة ضروريتين، وإذا ما سعى قادة ومراجع الشيعة لتأمل حال العراق وحال الدنيا ورأوا ببصيرة نافذة أخطاء الماضي ومثالبه وخطاياه وتوصلوا لحكمة وعبرة ضروريتين،آنذاك سيسهل اللقاء بل سيسعى كل للقاء الآخر في منتصف الطريق أو في أية بداية فيه، قد يكون هذا مجرد أمنية واهمة أو حلم،وماذا في ذلك؟ لنحلم معاً بما هو خير!
لا بد لهذه المصارحة والمكاشفة لو تمت بقلوب وعقول مفتوحة أن تزيل أو تخفف مما يشعر به الأشقاء في الطائفة الأخرى من حيف أو ظلم أو في الأقل تسقط الحجة من أيدي أولئك الذين يريدون ترحيل مظالم الماضي كلها وإلقاءها على كاهل أبناء الحاضر خاصة تلك الأجيال اليافعة الغافلة التي لا تفقه منها شيئاً ولكنها من الممكن أن تجرهم لأحقادها وعنعناتها فقط،وهذا ما يحدث في العراق كل يوم وكل ساعة!
لينظر فقهاء السنة في تأملاتهم هذه (ولتكن امتداداً لتأملات ومراجع فقهاء كبار في الماضي)إلى هموم الشيعة على أنها همومهم مادامت هي قد تولدت في مجرى الإسلام وحركة نموه وتطوره وفتوحاته وينبروا إلى مناظرات رئيسية (لا موضعية حدثت فعلاً هنا أو هناك،ربما آخرها نهاية القرن التاسع عشر بوساطة جمال الدين الأفغاني في النجف) علها إذا لم تقنع أحدهما بوجهة نظر الآخر (وهذا صعب فعلاً) أن تبني جسوراً ووشائج تفاهم وانسجام يجعل مسار الطائفتين متوازياً لا متعارضاً مهما كان مختلفاً!
من الواجب على قادة ومراجع السنة أجراء هذه المراجعة المتفتحة الجريئة ليس فقط من أجل تلاحمهم مع أشقائهم الذين لهم ثقلهم الكبير في العراق وفي العالم بل من أجل دينهم الإسلامي الذي طالما اعتبروا أنفسهم في صدارته. إن تفاقم انقسامه إلى مذهبين وطائفتين،وحدوث صدامات أو احتكاكات بينهما لا يمكن إلا أن يلقي على دينهم ظلال ضعف ويحد من قدراته على مواكبة هموم العصر وقضاياه المتفجرة والتي أخذت تعصف بكل شيء وقد مست الإسلام وأعلنته متهماً رئيسياً في الإرهاب أو العنف وفي معالجة ما يواجهه من مشاكل داخلية أو خارجية!
واليوم ألا يرى فقهاء السنة أن حكامهم وعلى مدى قرون طويلة قد تمتعوا بصدارة الحكم وحصروه بأيديهم قروناً طويلة (مع انقطاعه بالاحتلالات الطويلة) وقد استغلوا كون الشيعة قد أعرضوا عن تولي الحكم لاعتقادهم بفساد وبطلان الدولة في ما يعتقدونه غيبة المهدي المنتظر فتمادوا بالتفرد في السلطة والتضييق عليهم وظلمهم!
ألم يكن خطأً فادحاً أنهم طيلة هذا الزمن قد ألقوا الذنب عن كواهلهم ووصلوا لراحة الضمير في خلاصهم من شقيق لم يعد منافساً بعد أن زهد بحقه في السلطة والمواريث المتكافئة ؟(حتى بعد سقوط الدولة الأموية، وتفجير دم الحسين لدولة يزيد كما قيل لم تصر الدولة العباسية للشيعة على العكس عادت لمعاداتهم بزخم أشد)
بل لقد ظل قادة ومراجع السنة مرتاحين لانشغال أشقائهم الشيعة بأحزانهم بعيداً عن مطامح السلطة وهمومها ومباهجها! سعداء بخلو الساحة لهم يتوارثون صولجانها ولم يخطر ببالهم أن من الممكن مناقشة قادة ومراجع الشيعة في كون الدولة والمجتمع هما في أمس الحاجة لجهود ومشاركة الشيعة في الحكم والعمل على جذبهم لممارسته معهم وإقناعهم بذلك سواء بالتخلي عن قرارهم المذهبي (وهو ليس من ثوابت الشريعة) أو تكييفه ليجيزهم المشاركة في الحكم باعتباره ضرورة دنيوية لا دينية، ومن الخطر الجسيم أن تتعطل قوة بشرية بحجم الشيعة عن الحكم وتحمل مسؤولياته ومهامه!
قد يرد على ذلك إن الشيعة كانوا مجموعة صغيرة آنذاك وأنه كان من الصعب أو من المستحيل محاورتهم في اجتهادهم المذهبي وإقناعهم بالرجوع عنه ليعملوا سوية على النهوض بأعباء حكم البلاد وهي صعبة وثقيلة خاصة في عهود كان فيها العراق هدفاً للغزوات المتلاحقة وردة وتمرد القبائل والعشائر،ولكن أما كان بالإمكان احترام غيبتهم عن الحكم لتحقيق حضورهم في شئون ما قبل وما بعد الحكم كمجالس المشاورة والتداول خاصة في القضايا الكبرى المتعلقة بالحرب والسلام ونظم الحكم (لا ممارستها، ما داموا قد استنكفوا عنها) وتقدير رأيهم بالرجال الذين يحكمون وما للرعية وعليها من شئون وشجون. ربما سيقول البعض أن ثمة لقاءات ونقاشات ومعاهدات قد حدثت بين علماء وفقهاء الطائفتين في عهود قديمة بل وثمة نقاشات وتوسلات تواصلت منذ أكثر من ألف عام كان محصلتها خيبة وهباء ولكن تلك لم تأخذ طوراً جدياً ولم تخل من ترهيب وترغيب ثم إن من يحكم على وقائع التاريخ من بعيد يلقي اللوم عادة على الحاكم لا على المحكوم! وهو محق بذلك!
يتبع