منظومة كتب
(مصحف فاطمة) أو(قرآن فا طمة) حسب تعدد لسان الرواية في تراثي الجعفري ليس هو الكتاب الوحيد الذي ورثه الأئمة سلام الله عليهم كما تدعي هذه الروايات، بل هو كتاب

الحلقة الأولى
من مجموعة كتب، منها كتاب (الجفر الأبيض) وهو كتاب الأنبياء السابقين، ومنها كتاب (الجامعة) وهي سبعون ذراعا أملا ه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ومنها كتاب فيه أسماء شيعتهم وأعدائهم، ومن ثم كتاب (مصحف فاطمة) عليها الصلاة والسلام ! وقبل هذا وذاك هناك كتاب الأنجيل وكتاب الزبور وكتاب التوراة !

هكذا تقول هذه الروايات.
لست في معرض نقاش كل هذه الكتب، بل فقط كتاب (المصحف الفاطمي) وسوف أتناول الباقي في بحوث قادمة بإذن الله تبارك وتعالى.
يقول الشيخ محسن آصف في صدد تعليقه على الباب الذي فرزه العلامة (المجلسي) رحمه الله في كتابه الذي يجمع بين الرحمة و النقمة، أي كتاب (بحار الأنوار) للحديث عن هذه (الكتب) تحت عنوان (باب جهات علومهم وما عندهم من الكتاب وأنه يُنْقَرُ في آذانهم ويُنَتْ في قلوبهم) جزء 26 ص 18، يقول هذه الشيخ الكبير [ فيه ـ أي الباب ــ 149 رواية ومصدر معظم روايات الباب هو (بصائر الدرجات) للصفار الثقة رحمه الله ].
بناء على هذ ا النص التحقيقي من قبل هذا العالم الكبير يكون كتاب (بصائر الدرجات) من المصادر المهمة في توثيق أو إثبات كتاب المصحف أو القرآن الفاطمي.
إذن لنقرأ عن الكتاب شيئا، أي كتاب بصائر الدرجات.
يعتبر كتاب (بصائر الدرجات) من المصادر المهمة التي اعتمدها الشيخ الكبير محمد باقر المجلسي في كتابه الروائي الموسوعي (بحار الأنوار)، خاصة في جزئية الخامس والعشرين والسادس والعشرين، وهما الجزءان المختصان تقريبا بموضوع الإمامة،لا سيما على مستوى الفضائل والإعجاز، فضلا عن العقيدة بإمامة أهل البيت عليهم السلام الذين أدين لهم بالقيادة الدينية والروحية على غيرهم من أئمة المذاهب الأخرى، ليس لشيء سوى لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولأن التاريخ لم يسجل في حقهم إلا الصلاح والتقوى والصدق، وتلك عندي أقرب الطرق للوصول إليهم سلام الله عليهم.
كتاب (بصائر الدرجات) من المصادر المهمة في البحار، ومراجعة بسيطة للجزئين السابقين تثبت ذلك، والشيخ لم يدع عصمة مصادره كما نص على ذلك في مقدمة كتابه، ومن هذه النقطة بالذات نود فحص كتاب (بصائر الدرجات) كمصدر يمكن الركون إليه خاصة فيما تفرد به مثلا... جولة بسيطة سريعة في رحاب الكتاب وصاحبه، على أمل أن نتناول المصادر الأخرى بإذن الله تعالى.

ملاحظتان جوهريتان عن المصنف والكتاب
bull;الملاحظة الأولى:
لقد صدرت تقييمات في خصوص مصنف الكتاب نفسه، أي الصفار، تسمه بالتديّن والضبط والأمانة والعلم، وليس هنا مقام نقد هذه التقييمات، ولكن أريد أن أشير إلى بعض النقاط في صدد هذا الراوي المكثر بشكل مثير: ــ
1 : رغم هذه التوثيقات فإنّ الشيخ محمّد باقر البهبودي في كتاب (معرفة الحديث) يقول ما نصّه (... أنّ شيخنا أبا جعفر الصّفار مع كونه متساهلاً في أمر الحديث بنفسه لا يدّعي أنّ البرقي ثقة) ــ المصدر/109 ــ
فهنا يتهم الشيخ البهبودي الصّفار بـ (التساهل) بـأمر الحديث، والحقيقة أنّ من يطّلع على هذا الكم الهائل من روايات (الصفار) في الغرائب والعجائب يدرك ذلك، ومن يعرف عدد الشيوخ غير الثقاة الذين ينقل عنهم قد تتوفّر لديه مثل هذه القناعة، وفي لقاء لاحق أتعرض با لتفصيل لشيوخه في الرواية إن شاء الله.
2 : هذا الراوي كثير التأليف، فقد عدّ له النجاشي أكثر من خمسين كتابا، كذلك كثير الرواية، وطبيعة الإكثار قد تقود إلى التساهل في الرواية، وقد يؤدي إلى الكثير من السهو، والخطا، و الخبط. وقد أوعز بعض الكتاب المفارقات التي وقع بها الشيخ (الطوسي) إلى كثرة التأليف والتصنيف. فهذه قضية طبيعيّة في تصوري.
3 : سعة تفرّده، أنّها ظاهرة واضحة لدى الراوية المذكور، بحيث يتميّز بها بشكل طاغ، فنحن إذا راجعنا كتاب (بحار الأنوار)، وقمنا بجولة سريعة على موّاده الروائية فيما يخص أهل البيت عليهم السلام في الجزئين الخامس والعشرين والسادس والعشرين، لوجدنا النسبة الغالبة بشكل مطلق منقولة من كتاب (بصائر الدرجات) ! فكونهم ـ عليهم أفضل صلوات ربي ــ خزائن الله علم، وحملة عرشه، تفرّد بها الصّفار عبر أربع عشرة رواية ــ كما أعرف، ولم أجد لذلك مصدرا آخر، فقد أكون على خطأ، فربما هناك مصدر آخر، علَّ النقاد يدلوني عليه، من أجل مزيد من البحث والدراسة ــ وفي أنهم لا يُحجَبْ عنهم علم في السماء والأرض وأنهم عُرِِضَ عليهم ملكوتُ السماوات والأرض، ويعلمون ما كان ويكون إلى يوم القيامة، إنما مصدرها الأساسي هو (بصائر الدرجات)، وروايات العمود ألنوري الذي يربط بين عين الإمام والعرش عبر مسافات أثيرية رهيبة تفرّد بها هذا الرجل، وعن ملكيتهم لكتب فيها أسماء الملوك جاءت سبع روايات، كلها أو أكثرها برواية الصّفار، هذا حسب علمي وإطلاعي... وهذا التفرّد يثير الدهشة حقاً، لأنه يشترك مع الآخرين بالشيوخ، فلماذا هذه الظاهرة التي يتميّز بها ؟

bull;الملاحظة الثانية
كتاب(بصائر الدرجات) قطعة متصلة من المعاجز والكرامات والغرائب، ولكن الكتاب بحد ذاته لم يتعرض إلى نقد جوهري على صعيد كيفيّة روايته وانتقاله ووصوله.
الطرق إلى(كتب) الصَّفار
bull;أولاً : طريق النجاشي... يذكر النجاشي في معرض ترجمته للصّفار طريقين الى كتبه، هما على التوالي كما يقول النجاشي في كتابه الرجالي المعروف : ــ
الطريق الاول
قال في رقم 948 [ أخبرنا بكتبه كلّها ما خلا (بصائر الدرجات) أبو الحسين عليّ بن أحمد بن طاهر الأشعري القمي قال : حدّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد عنه بها).
ولي جملة ملاحظات على هذا الطريق.
الملاحظة الأولى :هذا الطريق خال من كتاب(بصائر الدرجات)، ولكن لماذا يَستثني (محمّد بن حسن بن الوليد) كتاب (بصائر الدرجات) هذا ؟
مسألة تحتاج إلى تدقيق...
هل رواه (فعلاً) عن الصّفار ولكن بن الوليد اغفل ذلك ؟
ولماذا أغفل ؟
أم أن (الصّفار) لم يذكر كتابه (بصائر الدرجات) أصلا للراوي لإبن الوليد ؟
فلماذا هذا الاستثناء ؟
أم أنّ للوليد رأياً خاصّاً بالكتاب المذكور فاستثناه إجتهادا ؟
هل لم يقع بين يديه ؟
كيف وهو كتاب بهذه الأهمية، وبهذا المستوى التأسيسي على صعيد العقيدة ؟
أم أن الوليد روى الكتاب ولكن لم يرق للناقل عنه، أي أبو الحسن علي بن أحمد الأشعري ؟
ذلك مستبعد !
الملاحظة الثانية : الراوي الذي يروي عنه النجاشي مباشرة هو (ابو الحسين علي بن أحمد بن محمد بن طاهر الأشعري القمي أبي جيد)، وهذا الرواي لم تنص أي من كتب التوثيق على توثيقه، وقد وثقه الخوئي فقط لكونه شيخ النجاشي، بناء على تصوره بان كل مشايخ النجاشي ثقاة، وهذا رأي أجتهادي، وهناك الكثير من يخالفه، ومنهم الرجالي المعاصر أصف محسني، ولكن لا ننسى أن النجاشي بالذات لم يوثّق شيوخه كما نعلم. وعليه فإن هذا الطريق يتسم بسمتين في خصوص كتاب (بصائر الدرجات)، الأولى أنه إستثنى الكتاب أصلا، ِوالثانية إن الطريق ضعيف بـ (أبي الجيد)، أو على أقل تقدير مختلف في سلامته وصحته.

الطريق الثاني
قال أيضا [ وأخبرنا أبو عبد الله بن شاذان قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحي عن أبيه عنه بجميع كتبه و (ببصائر الدرجات) ].
ولي ملاحظتان حول الطريق...
الملاحظة الأ ولى : الطريق ضعيف بـ (أحمد بن محمّد بن يحي بن العطار) فهو لم يُوثّق، سوف ندرس حاله بالتفصيل، وذلك في الفرصة المناسبة.
الملاحظة الثانية : ان الرواي المباشر للنجاشي هو (أبو عبد الله محمد بن علي بن شاذان القزويني) لم ينص عليه أحد بالتوثيق، ولكن السيد الخوئي ينص على توثيقه إجتهادا بقوله (ثقة، لأنه من مشايخ النجاشي)، وقد أورد أسمه في كتابه المعجم برقم (11247) ورقم (11300) ورقم (14474). وكل ما عنده أنه من مشايخ النجاشي، وبذلك وثّقه، وهي قاعدة ليست مطّردة، ويختلف معه كبار الرجاليين، ثم أن النجاشي بالذات لم يشترط على نفسه الرواية عن الثقة فقط، كما أنه لم ينص على توثيق شيخه هذا عندما يروي عنه.
ولكن هنا نقطة دقيقة، لنقرأ ما بين السطور، لماذا هذا التركيز في هذا الطريق على كتاب (بصائر الدرجات) دون غيره ! لماذا (يركز محمد بن يحي العطار) في روايته على (بصائر الدرجات) عن الصّفار دون غيره من الكتب ؟
هل لأن الراوي بن الوليد أهمله ؟
هذا التخصيص ليس عاديا، ولا يمكن القول لأهميته، فإن (بن الوليد) ليس بأقل مستوى من هذا العطار الذي لم يوثَّق أصلا، بل بن الوليد كان نقادا رجاليا بارعا، وحذرا للغاية.
إذن نصل هنا إلى نتيجة مهمة، أن للنجاشي طريقين إلى كتب (الصفار) كلاهما لا يسلمان من الخدش، وما يزيد الطين بلة بالنسبة لكتاب (بصائر الدرجات)، إن الطريق الاول إستثنى الكتاب، والطريق الثاني ضعيف براوي واحد على أقل تقدير.
bull;ثانياً : طريق الطوسي... يذكر الطوسي في معرض حديثه عن الصّفار ثلاثة طرق إلى كتبه، وهي على التوالي كما يقول الطوسي في الفهرست : ــ

الطريق الأول
(أخبرنا بجميع كتبه ورواياته إبن أبي الجيد، عن ابن الوليد، عنه) ـ الفهرست ص 220 رقم 621 ــ
ولي ملاحظتان هنا...
الملاحظة الأولى : قد مضى كلامنا عن الراوي(بن جيد) فلا نعيد هنا، فهو لم يوثّق إلا من قبل الخوئي، وفي ذلك نظر.
الملاحظة الثانية : لقد مضت بنا رواية النجاشي عن أبي جيد هذا، عن بن الوليد نفسه، الطريق الأول من طريقين للنجاشي إلى كتب الصفار، ولاحظنا بكل وضوح أن الطريق إستثنى كتاب (بصائر الدرجات)، فما الذي حدث هنا ؟ حيث يذكر الطوسي أنه يروي كل كتب الصفار عن ابن جيد، عن بن الوليد ؟

مفارقة كبيرة، ولكن لها حل...
ذلك أن جميع كتب الصفار في ذاكرة بن الوليد التي نقلها عنه (بن جيد) خالية أصلا من كتاب (البصائر) وبالتالي لما تأتي عبارة جميع كتب الصفار على لسان الطوسي عن بن جيد عن بن الوليد، إنما المقصود كل كتبه ما عدا (بصائر الدرجات)، وبهذا ينحل الإشكال، فإن عبارة الطوسي (أخبرنا بجميع كتبه) توحي أن كتاب (بصائر الدرجات) من ضمن هذا المجموع، في حين أن أصل المجموع خال من الكتاب المذكور على لسان بن الوليد المنقول إلى بن جيد، كما شاهدنا في طريق النجاشي صراحة. وعليه لا يحتوي هذا الطريق على ذكر لكتاب (بصائر الدرجات). هذا وممّأ يشجع على هذا الا ستنتاج الطريق الثاني للطوسي إلى كتب الصفار، وهو الطريق الذي نطالعه أدناه.

الطريق الثاني
[ أخبرنا جماعة أيضاً، عن أبن بابويه، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفار، عن رجاله، إلاّ كتابه (بصائر الدرجات) فأنّه لم يروه عنه أبن الوليد ] ـ نفس المصدر ــ
السؤال يتكرَّر، لماذا أمتنع (بن الوليد) عن رواية بصائر الدرجات ؟ فهل كان ذلك من جملة احتياطاته واستثنائاته المعروفة ؟ فقد استثنى في روايته [محمّد بن أحمد بن يحي (الطيار) فيما يرويه عن جماعة ] رغم أن (محمد بن أحمد بن يحي الطيار) ثقة ! واستثنى في روايته (محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين فيما تفرّد به من كتب يونس) وهو ثقة. فهل استثنى أبن الوليد ما يرويه الصّفار في (بصائر الدرجات)لسبب أو آخر ؟ لا يمكن القول بان ذلك إهمالا ً أو نسيانا. ولكن في نص الطوسي هذا إلتباس مثير، ذلك أن النص يقول : الطوسي يروي كتب الصفار في (عن محمد بن حسن الصفار، عن رجاله)، فمحصِّل النص أن الصفار يروي كتبه عن شيوخه !! كيف يروي الصفار ذات كتبه عن رجاله ؟
لم أفهم !
والرواية متسلسة عنعنة !
أعتقد أن ذلك التباسا من النسّاخ أو الطبع، وإلا ّ فإن الصياغة غير منطقية.
كما أن (الجماعة) التي يروي عنها الطوسي هنا لم نعرفها.
وعطفا على ما سبق، نذكر أن بن الوليد هنا يستثني كتاب البصائر في روايته عن الصفار، مما يعني أن الطريق الاول الذي اخبرنا عنه الطوسي، والذي يوهم أن (بن الوليد) قد جاء على ذكر الكتاب ضمن عبارته (أخبرنا بجميع كتبه) إنما ينطوي على لبس كبير، فإن هذا الاستثناء المتكرر مرتين من بن الوليد، في طريق النجاشي الأول، وفي طريق الطوسي الثاني، يفسر عبارة الطوسي بلا كتاب البصائر قطعا.

الطريق الثالث
(وأخبرنا به الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمّد بن يحي، عن أبيه، عن الصّفار) ـ الفهرست ص 221 ـ والضمير في (فيه) يرجع على كتابه البصائر، ولكن هذا الطريق ضعيف بـ (أحمد بن محمّد بن يحي)، فالرجل لم يوثّق، وفي وثاقة (الحسين بن عبيد الله) نقاش، فلم ينص أحد على وثاقته، فقد جاء على ذكره الشيخ الطوسي في باب (في من لم يرو عنهم رقم 52)، قائلا (الحسين بن عبد الله الغضائري يكنى أبا عبد الله، كثير السماع بالرجال وله تصانيف ذكرناها في الفهرست،وأجاز لنا بجميع رواياته مات سنة 411)، والغريب لم اعثر على ترجمته المذكورة هذه في فهرست الشيخ الطوسي، وهذه أحدى هفواته وتسرعاته، ولكن النقطة المهمة هنا، أن الطوسي لم يوثق شيخه هذا ! فقط أ شار إلى كثرة مؤلفاته وإجازته له ! كما أن النجاشي يذكره مترحما عليه (الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري أبو عبد الله شيخنا رحمه الله، له كتب منها...) / النجاشي رقم 166 / ولم يأت على توثيقه إطلاقا. إلأّ أن الخوئي يقول (لا ينبغي التردد في وثاقة الرجل، لا من جهة توثيق إبن طاووس وبعض من تأخر عنه إياه، ولا من جهة أنه كثير الرواية، أو أنه شيخ الأجازة فأ نه لا عبرة بشي من ذلك... بل من جهة أنه شيخ النجاشي...) / ا لمعجم رقم 3481 / وهو توثيق محل نظر كما قلت. ولكن المحصلة النهائية هي ضعف الطريق بـ (أحمد بن محمد الطيار) على أقل تقدير.
يبدو لي إن هناك إشكالية بين الأ صحاب حول هذا الكتاب نصل إلى النتائج التالية : ـ
1 : أن للنجاشي طريقين لكتب الصفار، أحدهما ضعيف بالاتفاق، و الاخر ضعيف إلا بإجتهاد متأخر يدول حوله الكثير من اللبس. والذي يوهم أ نه صحيح أستثنى الكتاب ! أي كتاب (بصائر الدرجات).
2 : أن للطوسي ثلاث طرق لكتب الصّفار، إلطريق الأول عن بن أبي جيد عن بن الوليد، وفيه لبس واكثر من احتمال في تفسير بعض كلماته. والطريق الثاني لا يخلو من لبس سندي، ولم يذكر فيه كتاب (بصائر الدرجات)، والثالث مخصوص بكتاب بصائر الدرجا ت ولكنه ضعيف.
والسؤال بعد كل هذه الجولة : ــ
هل يمكن الإعتماد على مثل هذا السرد الملتبس المعقد في كتابة تاريخ ؟ وتاريخ عقدي ؟
مستحيل ؟

راوية مكثر جدا
الصّفار راوية (تكثيري)، واقصد بذلك، أنه ينطوي على نزعة تكثيريّة مُصطنعة، فهو مثلاُ كان قد اثبت بروايات كثيرة، تقول بأن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون، وقد جاء ذلك ضمن روايات مطولة تضم مجموعة من المناقب والفضائل، ولكن في مكان آخر يقتطع هذا الجزء بالذات من النص الطويل، ويفرد له بابا ً خاصّاً به، حيث ذات السند وذات الألفاظ، ومن هذا القبيل كثير في تخطيط الصّفار. وهي نقطة جديرة بالدرس، لأنها تشي عن قصد مسبّق، وألاّ لماذا هذا الموقف ؟ ألا يكفي إيراده في النصوص السابقة ؟ إن اقتطاع هذا الجزء مرّات عديدة ومن ثم تأسيس باب خاص به يخفي نزعة تكثيريّة مقصودة !
كيف وصل البصائر للمجلسي ؟
إنّ البصائر لم يصل للمجلسي عنعنة أو مناولة، بل وجادة، كما أن المجلسي يعترف بأن مصادره التي اعتمد عليها كانت مهجورة تالفة، وبهذه المناسبة يتساءل الشيخ محسن آصفي (نسأل عنه ـ أي ا لمجلسي ـ بأي دليل اعتمدت على تلك النسخ المجهولة المتروكة، ومن أ خبرك عن سلامتها من الزيادة ولنقصان ؟) ـ مشرعة البحار 1 / 25 ــ وكثيراً ما يورد خبراً أو رواية رغم كونها صحيحة السند، لتفرّد بصائر الدرجات بها، من جهة عدم وصوله بطريق معتبر الى المجلسي. وبالتالي، حتى لو كان للصفار هذا الكتاب، فهو غير معتبر الأن، لانه لم يصل بطريق معتبر إلينا، فكيف نعتمده ؟
ثم هناك ثغرة سرية !

تحريف الكتاب
هناك شواهد قوية تُثبت بأن الكتاب تعرّض للتحريف والتلاعب ا لمشين، ونحن نعرف إنّ ذلك مدعاة حذر شديد على صعيد الرجوع للكتاب.
جاء في كتاب البصائر (حدثنا أبو طالب، عن عثمان بن عيسى، قال : كنت أنا وأبو بصير ومحمّد بن عمران مولى أبي جعفر بمنزله بمكة، قال : فقال محمّد بن عمران سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول : نحن إثنا عشر محدِّثاً...) ـ ص 319 رقم 2 ــ
جاء في الكتاب ذاته (... عن أبي جعفر عليه السلام، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أهل بيتي أثنا عشر محدّثاً...) ــ ص 320 رقم 4 ــ
جاء في الكتاب نفسه (حدّثنا عبد الله بن الحسن بن موسى الخشاب... قال سمعتُ أبا جعفر الباقر يقول : الاثنا عشر من آل محمّد كلّهم محدَّث من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولد علي عليه السلام، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعليّ هما الوالدان...) ـ ص 320 رقم 5 ــ
ومن الواضح التناقض هنا، ذلك حسب مقتضى الرواية الاخيرة بان المحدَّثين الذين هم اثنا عشر كانوا من ولد عليّ عليه السلام ! فيما المعروف على مستوى البديهية العقدية في الفكر الشيعي أن المحدّثين هم الأئمة الإثنا عشر من ضمنهم علي عليه السلام، وبالتالي، ومن غير المعقول لم يلتفت ا لصفّار إلى هذه الخلل الكبير، ممّا قد نستفيد منه إن الكتاب تعرّض للتحريف، وذلك بإضافة أو تغيير في المضمون.
جاء في كتاب البصائر أيضاً (حدّثنا عبد الله بن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال : أخبرنا إسماعيل بن يسار، حدّثني عليّ بن جعفر الحضرمي، عن سليم الشامي، أنه سمع عليّا عليه السلام يقول : أنّي وأوصيائي من ولدي مهديون، كلّنا محدّثون، فقلتُ : يا أمير المؤمنين من هم ؟ فقال : الحسن والحسين عليها السلام، ثمّ أبني عليّ بن الحسين عليه السلام، قال : وعلي يومئذ رضيع، ثمّ ثمانية من بعده واحداُ بعد واحد...) ـ ص 372 رقم 16 ـ والرواية تنص بشكل واضح بأن الأوصياء ـ الأئمة عليهم السلام ـ ثلاث عشر أمام ! ولكن الرواية هذه غير موجودة في كتاب سليم بن قيس ؟ وقد استظهر بعضهم ان كلمة (ثمانية) في الأصل هي (أئمة)، ولكن من الصعب هذا التوجيه، لأنّ أمير المؤمنين كما يبدو كان في معرض بيان عدد الأئمة في الأثناء فضلاَ عن بيان صفات هؤلاء المهديين، ومهما يكن من أمر، فإنّ كل هذا يضيف إلى أن كتاب الصفّار يحوي الكثير من المشاكل ترى ما هي النتيجة من كل ذلك ؟
من الصعب الإعتماد على كتاب (بصائر الدرجات) ككتاب عقدي، خاصة فيما ينفرد به، وسوف نفصل أكثر في المستقبل إن شاء الله تعالى.
والى اللقاء في الحلقة الثا لثة إن شاء الله تعالى.