لأن يهوه هو نار آكلة، وإله غيور- تث 4/24- أننا في هذا المقال نسلط الضوء في عجالة على بعض نصوص وأحداث كتاب قديم هو السفر الخامس (الأخير) من توراة اليهود، التي ظل علماء بنو إسرائيل قرونا عديدة يكتبون فيها.
تختلط في هذا الكتاب الغيبياتُ بالماديات، بقصد تحويل الأساطير إلى وقائع، والخرافات إلى قناعات، وحين تدعو- بعد قراءتك لهذه الأسفار- إلى الاحتكام للعقل والعلم والمنطقالسليم، يهرب المدافعون عنه، ويتكئون على المعجزات، ويختبئون خلفها.
يشكل سفر التثنية بخلاف كل أسفار التوراة وحدة أدبية متماسكة، وسوى موت موسى في نهاية السفر، الذي يمهد ليشوع بن نون أن يستلم القيادة، لا نجد تطورا أو جديدا في الأحداث.فالقوم باقون عبر الأردن، في أرض موآب، لكننا نلمح تشريعا جديدا يقره هذا السفر، وهو حصر العبادة لكل الشعب، في أورشليم القدس.
يحتوي سفر التثنية على ثلاثة فنون أدبية لسنا في معرض تقويمها وهي: فن القصة، وفن الخطابة، وفن الشعر. ويتألف السفر من (34) فصلا. ثلاثون منها مخصصة لخطب موسىفي قومه قبل وفاته (3 خطب)، وفصل عن آخر أعمال موسى. وثلاثة فصول تحتوي على قصيدة شعرية منسوبة لموسى ضمنها وصية لقومه، على غرار يعقوب في سفر التكوين.
التوجه في خطب موسى يتأرجح- حتى في الجملة الواحدة- بين مخاطبة الفرد ومخاطبة الجموع (أنت، أنتم). ومضامين الخطب إرشادات وتعليمات. وعبارات الخطاب إنشائية مكررة: (ترثون الأرض التي أقسم يهوه أن يعطيها... احفظوا الوصايا والفروض... اخدم إلهك... الخ) ومثل هذه العبارات نراها كثيرا في أسفار أخرى. أكثر مواضيع سفر التثنية هي تعاليموعظات وتحذيرات. وهي تكرار لكتاب العهد في سفر الخروج (الفصول من 20 إلى 23). والتعليمات الواردة في تثنية الاشتراع (15/12-18) هي تكرار مع بعض التوسع للتعليمات الواردة في سفر الخروج (21/2-6) يتكرر في هذا السفر بأشكال مختلفة، وعد يهوه لبني إسرائيل، والقسم الذي أقسمه لآبائهم، بأن يعطيهم الأرض التي تدر لبنا وحليبا وعسلا (فلسطين).
يتألف سفر التثنية من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يحتوي على خطابان تمهيديان. الخطاب الأول قصصي أو شبه قصصي من الفصل 1/6 إلى 4/44.والخطاب الثاني وعظي. من الفصل 4/45 إلى 11/32.
القسم الثاني: يضم أحكاما وفرائض. من الفصل 12 إلى الفصل 26. وطقوس في الفصلين 27و28.
القسم الثالث: مواعظ وتعليمات- الخطاب الثالث- الفصلين (29و30) موت موسى، وخاتمة للسفر والتوراة.

تاريخ تدوين سفر التثنية
تم تدوين كتاب تثنية الاشتراع على عهد يوشيا (يوشيا = ملك يهوذا 640-609 قبل الميلاد).أي بعد أن أباد الإسرائيليون الكنعانيين واستولوا على أورشليم القدس، وحصروا العبادة فيها. فقد لاحظ عدد من الباحثين أن سفر الملوك الثاني يقول أنه في السنة الثامنة عشرة لملك يوشيا (وفي السنة الثامنة عشرة للملك يوشيا... سفر الملوك الثاني 22/3) عثروا في هيكل أورشليم القدس على سفر الشريعة أو كتاب العهد: (فقال حلقيا عظيم الكهنة لشافان الكاتب: إني وجدت سفر الشريعة في بيت الرب... فلما سمع الملك كلام سفر الشريعة مزق ثيابه- سفر الملوك الثاني 22/8-11). quot;عادة تمزيق الثياب نقرأها كثيرا في العهد القديمquot; وأن الملك تأثر بما ورد في هذا الكتاب فقام بإصلاح للعبادة.
إن برنامج الإصلاح هذا، الوارد في سفر الملوك الثاني (23/4-20) يطابق ما ورد في سفر التثنية من حيث تدمير معابد القرى والنواحي، وحصر العبادة في أورشليم. وإن تلك الوثيقة الإصلاحية التي أصدرها يوشيا، وُسِعت فيها المواعظ والإنذارات، وأضيفت لها أجزاء أخرى تتناول المواضيع ذاتها. كما أضيفت لها الحكايات التي تتحدث عن موت موسى كما أضيف لتلك الوثيقة قصيدتين تُنسبان لموسى. وقام بعد ذلك كاتب سفر الملوك بكتابة خطاب موسى الأول، ومن ثم تم دمجه في تثنية الاشتراع التي تروي قصص بني إسرائيل من الخروج من مصر إلى أرض موآب.
خطاب موسى الأولفي منطقة عبر الأردن يلقي موسى خطابه الأول ببني إسرائيل، وبعد أن يتكلم عن الشريعة، ينقل إليهم أمر يهوه بالرحيل والدخول في جبل الأموريين وما جاوره: أي النقب وساحل البحر وأرض الكنعانيين ولبنان، إلى نهر الفرات (تث1/6-7). (أدخلوا ورثوا الأرض التي أقسم الرب لآبائكم.... أن يعطيها لهم ولنسلهم من بعدهم- تث 1/8). ويتابع (إن يهوه قد كثركم وها أنتم كنجوم السماء كثرة، زادكم يهوه إله آبائكم، ألف مرة- تثنية 1/10-11). وهنا لنا وقفة وتساؤل. إذ كيف يمكن أن يتضاعف عدد بني إسرائيل ألف مرة في بضع سنين. فهل الكلام كلام حكايات،أم أنه كلام دقيق في كتاب مقدس موحى به؟ وإذا كان كلاما دقيقا موحى به، فإن عدد بني إسرائيل الجديد لا يقبله لا العقل ولا الخيال.لماذا؟ لأن عدد المحاربين فقط دون النساء والشيوخ والأطفال، ودون سبط اللاويين سيصبح (603 مليون- ستمائة وثلاثة ملايين) إذا ضاعفنا عددهم القديم ألف مرة. لأنه في آخر إحصاء لبني إسرائيل بعد خروجهم من مصر كان عدد الذكور الذين فوق العشرين عاما، بدون الأطفال والنساء والشيوخ، وبدون سبط اللاويين كان (603550) نفرا كما جاء في سفر العدد (عدد 1/46و2/32). وإذا أضفنا لهم النساء والأطفال والشيوخ سيصبح عددهم حوالي ثلاثة ملايين. وبعد مضاعفة هذا العدد ألف مرة. سيصبح مجموع الشعب أكثر من ثلاثة مليارات نسمة من البشر! وإذا أصبحوا فعلا بهذا العدد، فكيف تتسع لهم أرض موآب؟ وهنا يتحتم علينا أن نقول أن الكلام كلام حكايات لا يؤخذ به. ويجب أن لا نتوقف عند كل كلمة. وفي هذه الحالة سيفقد السفر وحيه وقدسيته، ويصبح مؤلفا روائيا بشريا تخيليا. أو أن نقول: إنها معجزة سماوية إلهية، والمعجزات لا يمكن الاستدلال عليها بالعقل! وسنسكت حينها! ولكن ينشأ لدينا سؤال آخر، وهو كيف تتوافق زيادة العدد ألف مرة، مع إبادة جميع جيل المحاربين كما يقول السفر نفسه (تثنية 2/14و2/ 16) وهو جيل الذكور الوحيد القادر على التلقيح والإنجاب؟
إن زيادة عدد الشعب ألف مرة لن تكون صحيحة في ضوء ما ذكرنا، إلا إذا تمت بواسطة تكاثر الخلايا أو انقسامها دون الحاجة لوجود ذكور للتلقيح! وهذه أيضا معجزة ثانية علينا أن نقبلها. لكن السفر لا يشير إلى هذه الطريقة في التكاثر لا من قريب ولا من بعيد!.وإذا قبلنا بهذا ستعترضنا مشكلة ثالثة وهي أن زيادة أعداد بني إسرائيل وتكاثرهم يُنظر إليه هنا كبركة ونعمة من الإله يهوه. بينما نرى أن موسى كان يشتكي من كثرة الناس، في سفر العدد، وكانوا أقل من ذلك بألف مرة. وكان يقول ليهوه محتجا: (من أين أطعم هذا الشعب؟ عدد 11/11-15)، فكيف إذن سيطعمه الآن بعد تضاعفه ألف مرة؟
يقول موسى لبني إسرائيل: أنظر. قد جعل يهوه هذه الأرض أمامك فاصعد، وخذها، لا تخف ولا تفزع (تثنية 1/21). وهو متيقن من الانتصار. بما يعني أن حربه ضد الشعوب الأخرى لإبادتها والاستيلاء على أراضيها، هي حرب مقدسة، أمر بها الإله يهوه، الذي سيقاتل عن شعبه الخاص (لا تخافوا منهم، إن إلهكم السائر أمامكم هو يقاتل عنكم- تث 1/29-30). ويتابع موسى:(سمع يهوه كلامكم فغضب منكم وأقسم قائلا لن يرى أحد من هذا الجيل الشرير هذه الأرض الطيبة التي أقسمت أن أعطيها لآبائكم.. تث 1/34-38). تنبئنا هذه السطور أن يوم موسى قد اقترب، وسيبدأ دور يشوع بن نون. لكن ما يلفت النظر هنا. هو المرات العديدة التي يقسم فيها يهوه أن يفعل كذا وكذا. وما يلفت النظر أيضا هو: لماذا يصف هذا الجيل أنه شرير، مع أننا لم نر في الأسفار السابقة ما يستوجب هذا الوصف! فقد أطاعه هذا الشعب وخرج من مصر وتشرد في البراري والقفار، وتاه أربعين عاما، وجاع ومرض وعطش خلال هذا الزمن، وقتل منهم يهوه عشرات وعشرات الآلاف. فلماذا إذن شرير؟ بل لماذا يخلف يهوه وعده ويقسم أن يميت هذا الشعب، ويحرمه من رؤية الأرض التي وعده بها، بعد كل هذا التشرد والعذاب والشقاء المرير؟ هل من حكمة في الأمر لا يستوعبها العقل البشري؟ لاشك أن كل هذه الأمور غير مبررة وغير مقنعة، وغير منسجمة مع بعضها بعضا، وغير مفهومة أيضا، فلماذا يوم يرضى يهوه ويوم يغضب؟ يوم يقسم، ويوم يخلف وعده؟
يدلهم يهوه إلى الطريق الذي يجب أن يسلكوه للوصول إلى الأرض الموعودة وهو طريق بحر القصب. ومما يبعث على الحيرة أيضا، أن يهوه يعيش ليله ونهاره مع هذا الشعب، وكأنه لا عملله غيرهم، أو كأنه لا توجد في الكون شعوب أخرى! فهو دائما معهم، يدلهم، يرشدهم، يوبخهم، يشجعهم، يطعمهم، يعاقبهم، يتمشى في مخيمهم وكأنه بشر مثلهم. والسبب في ذلك كما يعتقد بعض الحاخاميين هو أن في التوراة أربعة تقاليد،(التقليد اليهوي، التقليد الإيلوهي- التقليد الكهنوتي- وتقليد سفر التثنية) في التقليد اليهوي: يتعامل يهوه مع الناس وجها لوجه، وبشكل مباشر، وكأنه زعيم أو قائد يعيش معهم، يكلمهم ويأمرهم: قفوا، اجلسوا، اجتمعوا...الخ. والتقليد الإيلوهي، يكون فيه يهوه مترفع عن بني إسرائيل، متعالٍ عليهم، مسكنه السماء، لا يكلمهمولا يكلمونه. ويقول هؤلاء الحاخاميون أن يهوه الثاني أعلى مرتبة من يهوه الأول.
يتابع موسى خطابه فيذكرهم بأقوالهم القديمة عن العمالقة العناقيين: قلتم إلى أين نحن صاعدون؟ هو شعب أعظم منا، وأطول قامة، ومدنه عظيمة، وأسوارها تبلغ السماء، ورأينا أيضا بني عناق هناك- (تث 1/28).
إن بني عناق (العمالقة) المذكورين في التوراة، أو العناقيين هي أسماء أسطورية للسكان الأوائل في فلسطين وعبر الأردن (انظر سفر التكوين 14/5) وقد وصفتهم التوراة بالعمالقة،وجعلتهم على صلة مع الجبابرة الخرافيين (انظر سفر التكوين 6/4 وعدد 13/13) وينسبون إليهم الآثار الحجرية الضخمة التي تعود إلى ما قبل التاريخ. وتعيد التوراة أصل هؤلاء الجبابرةإلى زواج أبناء الله (أي الملائكة) ببنات الأرض( تماما كما تقول الأساطير الإغريقية التي تزاوج الآلهة مع بنات الأرض أو العكس أي رجال الأرض مع الآلهة الإناث) فولد من هذا الزواج الجبابرة والعمالقة وهم الأبطال المعروفون منذ القدم (تكوين 6/1-4)، ويحدثنا (سفر العدد13/13) عن مدى ضخامة بني عناق فيقول أن بني إسرائيل بدت حجومهم أمام العناقيين بضآلة الجراد. ولا بد هنا من التوضيح أن اليهودية اللاحقة رأت في بني الله، ملائكة مذنبين. لكن آباء الكنيسةndash; لإيجاد مخرج لكلام التوراة- قالوا أن بني الله، هم أبناء شيت، وبنات الناس هم ذرية قايين. فالمسيح يقول أن الملائكة لا يتزوجون (إنجيل متى 22/30) و(إنجيل مرقس 12/25) (فالناس في القيامة لا يتزوجون ولا يُزوجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء- المسيح). وكي يبرر بنو إسرائيل أعمالهم ضد الشعوب التي قتلوها وسبوا نساءها وسلبوا أرزاقها واحتلوا أراضيها، يقولون إن يهوه هو الذي يملك الأرض، وهو الذي يوزعها على الشعوب! ولأن بني إسرائيل هم شعب يهوه الخاص المختار، فقد خصهم بأفضل الأراضي التي تدر لبنا وحليبا وعسلا. ومن مقولة (شعب يهوه الخاص) يمكن للمرء أن يستنتج أنه لكل شعب إلهه الخاص. وهذا المفهوم هو مفهوم وثني. أي أن بني إسرائيل كانوا يعتقدون بتعدد الآلهة، وأن لهم إلههم الخاص، كما للشعوب الأخرى آلهتها الخاصة بها. فسفر التثنية يقول: (أية أمة عظيمة لها آلهة قريبة منها مثل إلهنا يهوه في كل ما ندعوه- تث 4/7)
ينبه يهوه شعبه الخاص وكأنه قائدهم أو زعيمهم أي كأنه بشر مثلهم كما أسلفنا، فيقول: ( إنكم مجتازون حدود إخوتكم بني عيسو المقيمين بسعير.. لا تتحدوهم، فإني لست معطيكم من أرضهم شيئا، ولا موطئ قدم، لأن جبل سعير قد وهبته لعيسو ميراثا- تثنية 2/4-5) وهذا النص يدللوا به على أن يهوه يوزع الأراضي على الشعوب. تماما كما كان سلاطين بني عثمان، يمنحون الأراضي بمن فيها من الفلاحين الغلابة المساكين، لخدمهم وأتباعهم وقادة جندهم.
(لأن يهوه إلهك قد بارك لك في جميع أعمال يديك وعرف مسيرك في هذه البرية الشاسعة، ويهوه معك ولم يعوزك شيء (تث 2/7). نعم بعد الجوع والعطش. بعد تيه وضياع دام ثمانية وثلاثين عاما. بعد كل ما ذبح يهوه منهم! بعد كل ما حرق وأفنى وشنق منهم! بعد كل الذين لدغهم بالأفاعي! يقول لهم أنه كان معهم، ولم يدعهم يحتاجون شيئا. وماذا سيحتاجون أكثر من ذلك؟ (ثماني وثلاثين سنة إلى أن انقرض كل جيل رجال الحرب من وسط المخيم كما أقسم يهوه- تث 2/14) وتعداد جيل الحرب الذي أقسم يهوه أن يبيده، وقد أوفى بقسمه وأباده هو بحسب (سفر العدد 1/46و 2/32) هو (603550- ستمائة وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسون) محاربا.
يتابع موسى: (ثم تحولنا ورحلنا إلى البرية على طريق بحر القصب كما أمرني يهوه، ودرنا حول جبل سعير أياما كثيرة- تثنية 2/1) والغريب، وربما ليس غريبا، لأن التناقضات كثيرة في هذه الأسفار، بحيث لا تستطيع أن تثق بمعلومة. فسعير في برية أدوم حسب سفر التكوين 32/4 وسفر العدد24/18 وهي أرض عيسو أخي يعقوب ( تكوين 33/14 و 36/8 -9 وأقام عيسو بجبل سعير، وعيسو هو أدوم. وهذه سلالة عيسو أبي أدوم في جبل سعير) حيث كان هذا الجبل (سعير) شرقي العربة. لكنه بقدرة قادر أصبح جبل سعير في سفر التثنية يقع في منطقة قادش بالقرب من حرمة (تثنية 1/44).
ثم يخاطب يهوه موسى ويخبره أنه قد أسلم له سيحون ملك حبشون الأموري وأرضه، فليبدأ بالتملك، ويهوه سيقوم بما عليه القيام به- تث 2/24-25. ( فخرج سيحون لملاقاتنا، فأسلمه يهوه إلهنا بين أيدينا، فضربناه هو وبنيه وكل شعبه، واستولينا على جميع مدنه، وحرّمنا كل مدينة، رجالها ونساءها وأطفالها، ولم نبق باقيا. وأما البهائم فغنمتاها- تث 2/32-35). وماذا حدث بعد ذلك (ثم تحولنا فصعدنا في طريق باشان، فخرج لملاقاتنا عوج ملك باشان، فقال لي يهوه: لا تخفه فإني قد أسلمته إلى يدك، هو وكل شعبه وأرضه.... فضربناه حتى لم نبق له باقٍ- تث3/1-7) ويعد يهوه موسى بالنصر والقتال عن بني إسرائيل ( كذلك سيصنع يهوه بجميع الممالك التي أنت عابر إليها، فلا تخافوهم فإن إلهكم يهوه هو المقاتل عنكم- تث 3/21-22) وماذا تستطيع أنتفعل تلك الشعوب التي لا يقاتل عنها آلهتها؟ كما يقاتل يهوه عن شعبه الخاص المختار بني إسرائيل. هل من حل أمام تلك الشعوب سوى أن تستسلم ذليلة صاغرة.

خطاب موسى الثاني
يتابع موسى كلامه إلى بني إسرائيل فيقول: (وجها إلى وجه كلمكم يهوه في الجبل من وسط النار، وأنا قائم بين يهوه وبينكم، لأنكم خفتم بسبب النار، ولم تصعدوا الجبل- تث 5/4-5) وبالعودة إلى سفر الخروج (19/21-24) نرى أن يهوه هو الذي أمر موسى أن يُرعب الشعب ويخوّفه ويمنعه من الصعود إلى الجبل لرؤية يهوه. (فقال يهوه لموسى: انزل ونبّه الشعب أن لا يتهافت على يهوه ليرى، فيسقط منه كثيرون- سفر الخروج 19/21). (وأما الكهنة والشعب فلا يتهافتوا ليصعدوا إلى يهوه كيلا يبطش بهم- خروج 19/24). كيف إذن سيصعد الشعب أو الكهنة لرؤية يهوه؟ ويهوه يخوفهم ويحذرهم، ويقول لهم إياكم ثم إياكم الصعود لرؤيتي، وإلا بطشت بكم. والشعب قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، شعب ساذج مسكين، سمع وأطاع، وخاف من الموت والبطش به، فلم يصعد.
ويختم موسى خطابه الثاني بالتوصيات. فيقول اذكروا إلى أبد الآبدين أعداءكم اذكروا ما صنعه بكم العملاقة عند خروجكم من مصر. ويعني بذلك حربهم مع العمالقة في سفر الخروج (17/8) وقصة هذه الحرب قصة جميلة ممتعة، على طريقة أفلام الكرتون، سنتحدث عنها حين نقرأ سفر الخروج. لكنها غير صحيحة لأن العمالقة بحسب سفري التكوين و سفر العدد، هم في الشمال وليسوا في الجنوب. ويتابع موسى خطابه بالتمني أن تحل عليهم اللعنات إن لم يعملوا بوصيته، ويدعو عليهم أن يصابوا بالبواسير والجرب والحكة، وأن يخطبوا امرأة فيغتصبها رجل آخر. وأن تُسلب حميرهم، وتُذبح ثيرانهم...الخ إن لم يفعلوا بوصيته. ويفرد لذلك ثلاثين فقرة.

خطاب موسى الثالث
يبدأ موسى خطابه الثالث بالقول: (ولم يعطكم الرب إلى هذا اليوم قلوبا لتعرفوا،وعيونا لتبصروا، وآذانا لتسمعوا. وقد سيرتكم في البرية أربعين سنة، لم تبلَ ثيابكم عليكم، ولا بليت نعلك في رجليك- تثنية 29/3-4). لا شك أنها معجزة(يهويه) أن يسيروا أربعين سنة في البرية دون أن تبلى ثيابهم أو نعالهم. لكن هذه المعجزة لم تفتح قلوب بني إسرائيل ولا عيونهم ولا آذانهم. ومع ذلك يختارهم يهوه ليكونوا شعبه الخاص المختار.
ولما أنهى موسى خطابه، صعد من برية موآب إلى جبل نبو إلى قمة الفسجة تجاه أريحا، فأراه يهوه الأرض كلها وقال له هذه الأرض التي أقسمت لإبراهيم وإسحق ويعقوب قائلا: لنسلك أعطي هذه الأرض التي أريتك إياها بعينيك. ولكنك إلى هناك لا تعبر.
فمات موسى هناك في أرض موآب بأمر من يهوه، ودفنه (أي أن يهوه هو الذي دفن موسى) في الوادي في أرض موآب (تثنية 34/1-6) وللأسف لا يُعرف لموسى قبر حتى يومنا هذا، بالرغممن وجود- بعد مضاعفة العدد ألف مرة- ستمائة مليون رجل معه، عدا من هم دون العشرين، وعدا النساء والشيوخ، وسبط اللاويين.. وبالرغم من أن بني إسرائيل سجلوا ويسجلون كل شيءمن أصغر التفاصيل إلى أهمها. إلا أنهم لم يسجلوا هذا الحدث أعني مكان القبر. ولم تنتقل تلك المعلومة شفاها بينهم.
يتبع مع مقتطفات من تشريعات سفر التثنية.

[email protected]