الطاغية أو المستبد أو الديكتاتور لم ينزل علينا في المجتمعات العربية من أجرام سماوية بعيدة، بل هو جزء أساسي في الثقافة العربية من أقدم العصور، حيث سخّر العديد من الكتاب والشعراء والوعاظ أقلامهم وحناجرهم لمديح يرقى لحد النفاق أو التزلف أو الكفر، الذي يخجل منه أي وضيع في الدنيا، و إلا كيف نصف قول ابن هانىء الأندلسي في المعز لدين الله الفاطمي:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما أنت النبي محمد وكأنما أنصارك الأنصار

وقد عالجت هذه الظاهرة النفاقية الرخيصة لدى الصحفيين والكتاب العرب المعاصرين في دراسة طويلة بعنوان (القائد الضرورة عاريا، وكتاب عرب أكثر عريا) نشرت في إيلاف بتاريخ الثاني من حزيران لعام 2005، ذكرت فيها موثقا أسماء العديد من الصحفيين والكتاب العرب الذين سخّروا أقلامهم لمديح وتصنيع الطغاة ومنهم: فؤاد مطر، حميدة نعنع، أمير اسكندر، هاني وهيب، أنمار لطيف جاسم نصيف، صباح ياسين،حامد أحمد الورد، فاضل اسماعيل العاني، و حسين عجلان، ومن الشعراء: سامي مهدي، عبدالرزاق عبد الواحد،شفيق الكمالي، علي الياسري،عبد الكريم يونس الكيلاني، ونزار قباني شخصيا الذي قال في الديكتاتور صدام: (لقد جئت إلى بغداد مكسورا، فإذا بصدام يلصق أجزائي،وجئت كافرا بممارسات العرب وإذا بصدام يردّ إليّ إيماني ويشدّ أعصابي....وهكذا أعود من بغداد وأنا ممتلىء بالشمس والعافية...فشكرا لصدام الذي قطّر في عيني اللون الأخضر)، وربما كان نزار قباني يقصد (الذي قطّر الدولار الأخضر في جيوبي)، إذ لا معنى للون الأخضر في عيونه!!!. ويمكن قراءة الدراسة كاملة من خلال الرابط التالي:

http: //www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2005/6/66577.htm

وجاء دور المطربين والمطربات

وأخيرا التحق بعض المطربين والمطربات اللبنانيين تحديدا بركب المنافقين لرئيس شاب ما زال في بدايات تصنيعه كطاغية بعد أن تمّ تغيير الدستور السوري عام 2000 على مقاسه بالضبط ليتم توريثه السلطة، وهو الرئيس المفدى بشار الأسد الذي ورث سوريا شعبا وحكومة وثروة وأرضا و سماء، وبالطبع لولا وفاة شقيقه الأكبر سنّا (باسل) عام 1994 لتم توريث باسل بدلا من بشار. المثير للدهشة في مسألة نفاق وتصفيق المطربات والمطربين اللبنانيين للرئيس الشاب أمران:

الأول: هو أنهم كمغنين ومغنيات من الأثرياء وليسوا بحاجة للمال كبعض الكتاب والصحفيين الذين مدحوا وصفقوا طمعا في دولار الطاغية الأخضر.

الثاني: أنهم كلبنانيين بهذا المديح الرخيص يتنكرون لدماء اللبنانيين الذين اغتالتهم المخابرات السورية في لبنان، ويتنكرون لوطن ما زال نظام بشار الأسد يصادر حريته وكرامته، بدليل الغضب الشعبي اللبناني من أغنياتهم الرخيصة هذه، وهي أغنيات لا تستحق سوى الاستنكار لمن غناها وكتب كلماتها،ولن يستوعب القارىء حجم الاستنكار الذي تستحقه إلا إذا قرأ كلماتها المقززة التي لا تشرّف كاتبها ولا مغنيها... إقرأوا لتروا العجب ولست مسؤولا عن أية حالة غثيان أو تقيؤ تصيب أي قارىء.

هدى حداد

غنّت هدى حداد للطاغية الشاب:

بيوم البيعة جينا والفرحة بيتلاقينا
نهتف بالصوت العالي دايم عزك يا غالي
لو مهما صار وصار ما إلنا غير بشار

تصوروا مهما صار للوطن من كوارث ومصاعب، فليس لنا ربّ نلجأ إليه ليغيثنا وينقذنا ف (ما إلنا غير بشار).

نجوى كرم

غنّت للطاغية الشاب:

بدنا نحافظ بدنا نجاهد
بالروح البعثية
ونسلّم بشار القائد
رايتنا السورية
ويحملنا من نصر لنصر
بدنا الإستمرار
ونبايع بشار
وحدو كل الحافظ حافظ

لم يعد الحافظ هو الله تعالى، فالحافظ عند نجوى كرم وكاتب أغنيتها الرخيصة هو حافظ الأسد والد بشار، والجهاد عندهم ليس بالروح الإيمانية الوطنية ولكن بالروح البعثية التي رسّمت الحدود مع تركيا متنازلة رسميا عن لواء الإسكندرونة العربي السوري، بالروح البعثية التي لم تطلق رصاصة واحدة من عام 1967 لتحرير الجولان المحتل، بالروح البعثية التي لم تطلق رصاصة على الطيران الإسرائيلي الذي يخترق الأجواء السورية فوق القصر الجمهوري في اللاذقية، ويقصف مواقع عسكرية في العمق السوري، بالروح البعثية التي تمتلك حق الرد في المكان والزمان المناسبين، وهذا الزمان لم يحن بعد منذ عام 1967.

وائل كفوري

هذا الوائل غنّى للطاغية الشاب:

يا سوريا رشي طيوب
على بوابك دار دار
نحنا وشعبك صرنا قلوب
تا توسع أمة بشار
بشار جاي من بيوت
ربيانة على مجد كبير
عز متوّج بياقوت
لا صار متلو ولا بيصير
وحياة الشام وبيروت

نعم يا وائل كفوري، وحياتك العز اللي عايشه فيه الشام وبيروت (لا صار متلو ولا بيصير)
في حجم اعتقالاته وسجونه وقمعه في الشام واغتيالاته في بيروت...ويواصل هذا الوائل:

يا مخبي بقلبك الكبير
توأم سوريا ولبنان
ربيو أطفال بفرد سرير
كبروا للعزة عنوان
يا بشار الحلم كبير
وعم ينطرنا أمل كبير
لجبينك بيليق نهار

يا لله كم هو كبير قلب هذا البشار الذي يتسع لسوريا ولبنان وملايينها الخمسة وعشرين، وهذا الجبين العالي الذي يسطع عزة وشرفا وكرامة كالنهار المضيء!!!.

فارس كرم

أما هذا الفارس الكريم الذي لا أعرف هل هو شقيق نجوى كرم أم مجرد اسم على اسم، فقد تفوق وهو وكاتب أغنيته على كل من سبقوه في النفاق والدونية، فقد غنّى للقائد بشار:

بالدم بالدم ما بيصير مي الدم
لا تهتم أبو حافظ لا تهتم
نحنا أبو باسل علمنا ما نبايع إلا بالدم
نبصملك بالعشرة هالمرة وكل مرة
منقلك إنت قائدنا قائدنا إنت
إنت البي وإنت الأم
بالدم بالدم ما بيصير مي الدم
نحنا أبو باسل علمنا ما نبايع إلا بالدم
أمنتك ع بلادي ع أرضي ع أولادي

وهل سألت يا فارس ابن كرم ماذا فعل حافظ أبو باسل وبشار أبو حافظ بهذه الأمانة؟ ماذا فعل بالبلاد، وماذا فعل بالأولاد خاصة المغيب آباؤهم في سجونه منذ عشرات السنين؟

ويواصل فارس كرمه غير المعهود:

يا سيف العروبة ما يهاب الأعادي
يا رافع راية سورية بوجودك ما بتحمل هم

لماذا هذه الظاهرة العربية المخزية؟

ظاهرة النفاق والارتزاق هذه التي أصبحت صناعة عربية بامتياز، تحتاج لدراسات من علماء الاجتماع كي يضيفوا على ما رصده ووثقه الدكتور علي الوردي في كتابه (وعاظ السلاطين)، لأنه من غير المعقول الاستمرار في هذا الردح الدوني على حساب كرامة شعوب تعاني من السجون والاعتقالات، حيث في سوريا بشار تحديدا لا يمر أسبوع بدون اعتقالات جديدة، كان آخرها اعتقال الناشط السوري الباحث فايز سارة ليلتحق بالمئات من السجناء السياسيين والمفقودين في السجون السورية منذ عشرات السنين. والمبكي المضحك أن هذه الظاهرة الارتزاقية المذلة لا وجود لها في الثقافة الأوربية والأمريكية مطلقا، فالنقد الحاد الذي تعرضت له إدارة الرئيس جورج بوش من الكتاب الأمريكيين ووزارة توني بلير من الكتاب البريطانيين لا يجرؤ أي كاتب عربي أن يوجهه لجورج بوش أو توني بلير. وخطورة هذه المسألة دخول شيوخ وعلماء الدين الإسلامي على خط النفاق والارتزاق نفسه، بدليل أنه في حوالي ربع مليون مسجد في الأقطار العربية، يدعو حوالي ربع مليون خطيب في خطبة صلاة الجمعة ب (النصر لحاكم البلاد على أعدائه) وهم يعرفون أننا الشعوب نحن أعداؤه، أي أنهم يطلبون من الله تعالى أن ينصر ذلك الطاغية علينا كشعوب، وهذه الظاهرة لا تحدث مطلقا في الكنائس المسيحية، فلا يتطرق القسيس في موعظة صلاة الأحد للحاكم أو الرئيس ولا يدعو له بالنصر أو الهزيمة، وهذه العادة غير المنطقية في المساجد العربية والإسلامية تتناقض بالمطلق مع رسالة المسجد أو الجامع الذي كان يقف فيه أي عربي مسلم ليرد على الخليفة أمير المؤمنين شخصيا أو يسأله من أين لك هذا؟

وأين نقيب الفنانين السوريين من هذه الأغاني الرخيصة؟

وفي الشهور القليلة الماضية، نصّب نقيب الفنانين السوريين صباح عبيد نفسه واعظا وحاميا للأخلاق الرفيعة بمنعه بعض الفنانات اللبنانيات مثل هيفاء وهبي من الغناء في سوريا، بحجة أن أغانيهن هابطة وتسيء للأخلاق العامة، وأود أن أسأل الرفيق صباح عبيد أية أغاني أكثر رخصا وهبوطا وإساءة للأخلاق العامة: أغاني هيفاء وهبي وجسدها أم الأغاني التي ذكرتها لنجوى كرم وهدى حداد وفارس كرم و وائل كفوري؟. أقول للرفيق البعثي صباح عبيد: إن أغاني هيفاء وهبي ونانسي عجرم و روبي أشرف ألف مرة من تلك الأغاني الهابطة الرخيصة التي تروج للطغاة غنائيا متنكرة لكل ما ارتكبوه بحق الشعبين السوري واللبناني، والمعلومات أيها الرفيق أنك قمت بمنع المطربات اللواتي رفضن المشاركة في أغاني الردح الرخيصة التي تساهم في صناعة الطاغية غنائيا. لذلك ستظلّ هذه الأمة تهبط من حضيض إلى حضيض، طالما ينضم كل يوم أصحاب مهن جديدة لمديح الطغاة والترويج لتصنيعهم وبقائهم على صدورنا من المهد إلى اللحد، فهل يتذكر أي قارىء أية قصيدة أو أغنية أوربية أو أمريكية في مديح رئيس في بلادهم؟ فلماذا هذه الدونية وهذا الارتزاق في الثقافة والفن العربي؟. كنّا نقول إنهم الكتاب والصحفيون وخطباء المساجد فقط من يشاركون في هذه المهنة الوضيعة، فإذا بالمطربين والمطربات ينضمون لهذه المهنة، فمن سينضم لهم لاحقا؟
[email protected]

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه