أنيس منصور

إنها فنانة من أفغانستان عمرها 27 عاما واسمها نادية انجومان، جميلة الملامح: الوجه والعينان والجبهة.. اما الحزن ففي عينيها والصمت الرهيب ففي شفتيها.. حملها إلى قبرها عدد من أفراد أسرتها.. كل جريمتها أنها شاعرة رقيقة وان زوجها رجل غليظ القلب واليد واللسان.

ضبطها تقول شعرا. وفي شعرها ـ وهذا طبيعي ـ جاءت كلمات الحب والآسى والشوق والجمال والدلال.. ونجوم السماء وزهور البستان ووحشية الغابة والأمل في أن تتخلص من قيودها وتحطم السلاسل وتهرب من القفص وتنهي القسوة عليها من كل الناس.

ولكن مثل هذه الكلمات هي اكبر من احتمال زوجها الذي يرى من المرأة عورة : خروجها ودخولها وخطيئة الخطايا أن تقرأ وتكتب.. وان يكون كلامها موسيقى وان تلتقي بالفنانين والأدباء من أمثالها ويدور بينهم جميعا كلام غريب وان تكون هناك ألفة ومودة وهو كلام لا يفهمه الزوج.. حذرها كثيرا.. أن تمضي في خيالها الشعري، وان تغرد وحدها والناس تقول لها: الله عليك يا فنانة عظيمة..

وظهر ديوانها الأول بعنوان (الزهرة الكئيبة). وتستعد لديوانها الثاني.. وكان عندها ذلك الشعور اللعين الذي يصاب به الفنان عندما يشعر بان أيامه قليلة.. يشعر بأنه مثل (طائر النار).. أو (طائر الشوك) عندما يدرك انه في طريق اللاعودة الى القبر فإنه يظل يطير من مكان الى مكان حتى يجد شجرة الشوك، ويدور حولها ويتخللها حتى يجد شوكة طويلة.. أطول شوكة ويلقي بنفسه عليها. ويصرخ وتكون اجمل صرخاته، معلنا أن هذه هي النهاية. كذلك فعلت نادية انجومان. وكان ضرب زوجها قد أفضى الى موتها.. وتركها ساعات حتى تأكد من نهايتها وأبلغ البوليس أنها انتحرت!

إنها مأساة الأديبة المصرية عنايات الزيات.. فقد عرفتها هي ونادية لطفي في جلسة واحدة.. فقد كنا ـ ناصر النشاشيبي الصحافي الفلسطيني وأنا ـ في زيارة لصاحبة اكبر اصطبل للخيول في مصر السيدة وجدان البربري ـ وكانت صداقتي لعنايات الزيات طويلة وعميقة. وقرأت كل ما كتبت. ونشرت لها انا قصتها الوحيدة وصرختها الحزينة النهائية. ولا تزال عندي بخطها..

وعندما كنت ضمن وفد الأدباء في اليمن 42 عاما قرأت إنها انتحرت ـ وسألت نادية لطفي صديقتها وزميلتها في المدرسة الألمانية فعرفت انها نفس المأساة.

تقول نادية انجومان في ديوانها (الزهرة الكئيبة): لا رغبة في أن افتح فمي أغني. سواء فعلت أو لم افعل فأنا ملعونة.. كيف أتغنى بالجمال وفمي مليء بالمرارة .. احلم بيوم ارفع فيه رأسي واغني.. ولأنني تعيسة فلا بد أن ابكي.. دعوني..