السبت 16 ديسمبر2006

د. عبدالله جمعة الحاج

تشير معظم الدراسات النظرية والتطبيقية، التي أجريت منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، إلى أن موارد الكرة الأرضية من المياه العذبة، تواجه مشاكل حقيقية وتسير باتجاه ما هو أسوأ. وتتوصل تلك الدراسات إلى نتائج تؤكد أنه ما لم تتخذ إجراءات وخطوات عملية لتغيير الطرق والوسائل التي تستنزف بها المياه وتستخدم وتُدار، فإن العالم سيواجه نقصاً حاداً في موارده المائية، ربما يؤدي إلى تداعيات بيئية واقتصادية وسياسية وعسكرية كارثية.

ويقول خبراء المياه والبيئة، إن مشكلة المياه العالمية، ربما تقود إلى دمار بيئي ونقص حاد في إنتاج الغذاء على مستوى العالم، الأمر الذي سيقود إلى المجاعة وانتشار الأمراض. ويرى المتفائلون منهم أن البشرية تستطيع أن تتفادى مستقبلاً مخيفاً بالنسبة لنقص المياه إذا ما تم الاعتراف أولاً بوجود مشكلة حقيقية على هذا الصعيد، مصحوباً برغبة حقيقية في مواجهة تلك المشكلة وحلها، إن اعترافاً من هذا النوع يعد الخطوة الأولى التي ستقود إلى حل المشكلة.

وفي دراسة نشرت مؤخراً في الولايات المتحدة تحت عنوان quot;أطلس المياهquot; أجراها كل من quot;روبين كلاركquot; وquot;جانيت كنجquot;، يقدم الكاتبان للعالم ثلاثة سيناريوهات لموارد العالم المائية.

السيناريو الأول هو: أن العالم يتصرف تجاه المياه، وكأن شيئاً لم يحدث، في الوقت الذي من المحتمل فيه للكرة الأرضية أن تتوقع زيادة في استهلاك المياه مقدارها 39 في المئة مع حلول عام 2035، وهذا يعني زيادة في استهلاك العالم من المياه مقدارها 5270 كيلومتراً مكعباً في العام. وبهذا الشكل، فإن الرقم يتغير من 3800 كليومتر مكعب في العام كانت مسجلة عام 1995، والنتيجة المحتملة جراء ذلك هي نقص في الغذاء ودمار على نطاق واسع للبيئة العالمية.

والسيناريو الثاني هو: أن العالم يتصرف وكأن شيئاً هامشياً يحدث، وهذا يكشف عن مشكلة أقل حدة بشكل طفيف عن الوضع السابق. ووفقاً لهذا السيناريو، فإن زيادة عملية التصنيع في الأقطار النامية سينتج عنها استخدام متزايد للمياه لأغراض الصناعة والأغراض المنزلية مقدارها 2300 كيلومتر مكعب، أي بنسبة 13 في المئة تقريباً. وفي هذه الحالة فإنه مع وجود توسع محدود في الأراضي المستصلحة، فإنه من المتوقع حدوث نقص ملحوظ في الغذاء.

والسيناريو الثالث والأخير هو: أنه حتى مع حدوث تغير جذري يتم من خلاله استخدام المياه العذبة المتاحة بشكل كفؤ ينتج عن تغيرات جذرية في إدارة موارد المياه، فإن الاستهلاك الإجمالي للمياه سيزداد أيضاً. إن الإدارة الكفؤة لمصادر المياه تتضمن المحافظة على مصادر المياه عن طريق صيانة الأنابيب تحت الأرض، واستخدام وسائل ري أكثر اقتصاداً، وتركيب معدات تسهم في المحافظة على المياه المستهلكة في المنازل.

إن وجهة نظر الخبراء تجاه المحافظة على المياه متضادة، فالبعض منهم يرى أنه لكي يتم الاقتصاد في المياه، لابد للجهات المختصة من أن تفرض على البشر رسوماً عالية مقابل استهلاكهم للمياه، وأن تطبق ذلك عليهم بطريقة صارمة. ويرد بعض المعارضين لهذه الفكرة بأن الماء يعتبر جزءاً من حقوق الإنسان التي يجب أن تكون للبشر إليها مداخل سهلة ورخيصة، بغض النظر عن قدرتهم على تسديد ثمن ما يستهلكونه منه. وفي الوقت الذي تتنافس فيه أمم الأرض على هذه السلعة المهمة فإن صناعة العالم المائية من المتوقع لها أن تصبح ذات قيمة مالية مقدارها تريليون دولار أميركي في العام خلال عقد واحد فقط من الآن.

خاتمة القول هي، إن إدارة مياه تنظر إلى الصورة الشاملة للوضع وتشرك معها المجتمعات المستخدمة للمياه تعتبر أمراً ضرورياً للحفاظ على موارد العالم المائية. ويضاف إلى ذلك أيضاً تمويل الأبحاث العلمية المتعلقة بتطوير تكنولوجيا الاقتصاد في استهلاك المياه وبدعم تعاون الأقطار المستهلكة لمياه الأنهار والمياه الجوفية بشكل مشترك.