"إيلاف" تكشف خلفية انتخابية لأحداث إسكندرية الطائفية
مرشح الحكومة القبطي ومنافسه الإخواني بدائرة التوتر


إقرأ أيضا

إيلاف ترصد ميدانياً الأحداث الطائفية بالإسكندرية

نبيل شرف الدين من القاهرة : ما أن استعادت مدينة الإسكندرية الساحلية التي كانت يوماً درة مصر وعروس المتوسط، بعضاً من هدوئها، حتى بدأت تتكشف شيئاً فشيئا خلفيات جديدة قد تفسر ما شهدته من مصادمات عنف طائفية، إذ تحققت (إيلاف) من معلومة بسيطة لكنها كفيلة بتوجيه دفة الأمور صوب مصدر النيران الطائفية القادمة من مستصغر الشرر، ومفاد هذه المعلومة أن قبطياً يدعى ماهر خله، هو أحد مرشحيّن قبطييّن اثنين فقط ـ الثاني هو وزير المالية يوسف بطرس غالي ـ هما اللذان دفع بهما الحزب الوطني (الحاكم) لخوض الانتخابات البرلمانية عن دائرة "محرم بك" بالإسكندرية، التي اندلعت فيها المواجهات الطائفية، وأن خله قدم اعتذرا ليلة أمس إلى الحزب الحاكم عن خوض الانتخابات المقرر إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، مبرراً اعتذاره بحرصه "على الوحدة الوطنية ووئداً للفتنة في مهدها" كما ورد بخطاب اعتذاره.

ومن المعلوم والمستقر في كافة الخبرات الانتخابات البرلمانية وحتى المحلية السابقة في مصر، أن حصول أي مرشح ـ كائناً من كان ـ على فرصة الترشيح عبر قوائم الحزب الحاكم "الذهبية" يعني أنه أنجز أكثر من نصف المعركة لصالحه، ولم يبق له سوى جهد لا يزيد عن عشرة بالمائة ليحسم الأمر لصالحه، وإن شذت عن هذه القاعدة بعض الحالات فهي تشكل إستثناءات محدودة تؤكد القاعدة العامة ولا تنفيها، وفي دائرة "محرم بك" السكندرية لم تكن هناك ثمة حالة استثنائية، بل كان مقعد البرلمان في طريقه إلى المرشح القبطي الثاني ماهر خله، ليكون نجاحه مضموناً مع المرشح القبطي الآخر يوسف بطرس غالي، وزير المالية الذي يخوض الانتخابات في دائرة شبرا بالقاهرة، ذات الكثافة المسيحية، ليصبح بذلك هناك نائبان قبطيان منتخبان، يمكن تعزيزهما بثلاثة أو أربعة من بين العشرة المعينين الذين يختارهم رئيس الجمهورية، حتى تكتمل "حصة الأقباط" داخل البرلمان المصري المقبل، وفق ما يبدو أنه الترتيبات غير المعلنة التي يتبناها الحزب الوطني (الحاكم) في خريطة المقاعد النيابية البالغ عددها 454 مقعداً، منها عشرة مقاعد يختارهم رئيس الجمهورية بموجب صلاحياته الدستورية .

دور الإخوان

إذن وباعتذار المرشح القبطي ماهر خله عن خوض الانتخابات البرلمانية إثر المصادمات الطائفية التي شهدتها دائرته الانتخابية في حي "محرم بك" السكندري يعني أن هناك وراء الكواليس ما ورائها من تفاصيل ليست بعيدة عن المعركة الانتخابية، التي يبدو أنها أكثر شراسة مما يتوقع أو يتصور كثيرون، إذ تجري رحاها على كل شبر في مصر، وسيترتب على نتائجها "ترسيم" خارطة سياسية جديدة في البلاد، تتحدد بموجبها أوزان كافة الأحزاب والقوى السياسية في مصر، بما في ذلك تلك المصنفة خارج الشرعية القانونية كجماعة "الإخوان المسلمين" التي دفعت هذه المرة بمائة وسبعين مرشحاً من أبرز كوادرها لخوض الانتخابات، وهو تقريباً ضعف العدد الذي خاضت به الانتخابات السابقة عام 2000، ونجحت حينئذ في الحصول على 17 مقعداً لتكون بهذا صاحبة أكبر رقم لقوة سياسية معارضة رسمية أو غير رسمية داخل البرلمان السابق، بل وأكبر من عدد نواب كافة أحزاب المعارضة مجتمعين، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد أيضاً وفقاً للمؤشرات الأولية للانتخابات المزمعة .

وإذا أضفنا لما سبق بعض المعلومات التي تكشفت لنا أيضاً أثناء النبش في النيران الكامنة تحت رماد الأحداث الطائفية التي شهدها حي "محرم بك" بالإسكندرية، يتضح أن المرشح المنافس في ذات الدائرة هو الإخواني المعروف أسامة جادو، الذي صرح في عدة صحف بمطالبة البابا شنودة الثالث بالاعتذار، وهو ذات المطلب الذي تبنته حشود المتجمهرين، الذين اتضح أن غالبيتهم ليسو من أبناء حي "محرم بك"، بل قدموا إليه من أماكن أخرى، كما أكد لـ (إيلاف) الشيخ محمد هيكل إمام مسجد "أولاد الشيخ" الذي انطلقت منه المظاهرات أمام كنيسة "مارجرجس" المجاورة للمسجد، ونفى الشيخ هيكل بشكل قاطع أن يكون هؤلاء المتظاهرون من أبناء الحي، أو ممن اعتادوا التردد على المسجد، وقال إنهم قدموا من أماكن أخرى ولم يتسن له التعرف على أي منهم من قبل، بل وزاد أن بعضهم تطاول عليه حين حاول منعهم .

وأيدت رواية الشيخ هيكل ما ساقه العشرات من أبناء الحي الذين استمعت (إيلاف) إلى شهاداتهم، واتفقوا على أن أبناء الحي لم يكونوا ليتورطوا أبداً في تحطيم المحال والسيارات الخاصة بأبناء الحي الذي يقيمون به، وأشار السكان في رواياتهم إلى أن هؤلاء المتظاهرين جرى جلبهم وحشدهم بواسطة "شخص ما"، أو "جهة ما"، من المناطق العشوائية على أطراف الإسكندرية، ومن بعض المناطق في محافظة البحيرة المتاخمة، وهي المناطق التي تتمتع فيها جماعة "الإخوان المسلمين" بنفوذ واسع وحضور واضح.

وهكذا تتضح أكثر صورة البعد الانتخابي للأحداث الطائفية الخطيرة التي ارتفع عدد ضحاياها إلى أكثر من مائة جريح، فضلاً عما يربو عن خمسين موقوفاً، يجري الآن التحقيق معهم للوقوف على ملابسات الأزمة وخلفياتها التي لا يمكن استساغة التسليم بكونها وقعت عفوياً، بل هناك بالتأكيد تدبير محكم يقف خلفها، بدءاً بحشد كل هذه الآلاف من المتظاهرين، وتوزيع الأقراص المدمجة (CD) وقصاصات عما نشرته صحيفتا الإثارة عن المسرحية التي جرى استنهاضها من مواتها قبل عامين سابقين . وفي هذا السياق أيضاً يطرح الباحث في الشؤون القبطية هاني لبيب العديد من علامات الاستفهام، التي يصفها بأنها تحاصر هذه الوقائع الغامضة، فالمسرحية التي قيل إنها تسئ إلى الإسلام عرضت قبل عامين لمرة واحدة، ثم توقف عرضها حينئذ، لكن يبقى السؤال عن هو الشخص أو الجهة التي وقفت وراء توزيع أقراص المدمجة على آلاف المتظاهرين ؟، وهل هناك صلة بين حدث والانتخابات البرلمانية الوشيكة ؟، خاصة وأن المرشح لهذه الانتخابات عن دائرة "محرم بك"، التي شهدت الأحداث هو واحد من اثنين قبطيين رشحهما الحزب الحاكم على قوائمه كما أسلفنا، بينما يخوض المنافسة في ذات الدائرة مرشح إخواني من الوزن الثقيل هو أسامة جادو .

يبقى في الختام القول إنه ربما يختلف كثيرون فيما يمكن أن يكون سبباً وراء ما حدث، ويجتهد البعض في رسم ما يراه من سيناريوهات معلنة وخفية، غير أن اتفاقاً بين الجميع على أن هذه الأحداث لم تكن الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، ما لم تتخذ الحكومة المصرية إجراءات حاسمة وجذرية، تبدأ أولاً باعتبار الملف القبطي شأنا سياسياً يحل في إطار سياسي، بدلاً من تركه في عهدة أجهزة الأمن وحدها، لكن الأهم من هذا الهدف البعيد، هو سؤال أكثر إلحاحاً حول ما يمكن أن تقدم عليه السلطات المصرية إذا كشفت التحقيقات عن ضلوع جماعة "الإخوان المسلمين" أو غيرها، في تدبير ما جرى من مواجهات طائفية، وماذا يمكن أن تفعله من إجراءات حفاظاً على النظام والدولة والمجتمع معاً، بينما مازالت أفواه المراقبين فاغرة إزاء فهم السر وراء وصلة الغزل التي نشرتها صحيفة (الأهرام) شبه الرسمية بحوارها غير المسبوق منذ تأسيس الجماعة مع مرشد العام محمد مهدي عاكف .