الملك فهد ... رحيل بلا إستئذان ومسافر بمودعين


إقرأ أيضا

الأمن والإستقرار في عهد الملك فهد

درساته واساتذته

سلطان القحطاني من الرياض: تطوى اليوم صفحة هامة في حياة الزعيم السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز بعد تجربة مديدة في الحكم تجاوزت العشرين عاماً، ينهيها رحيلٌ بلا إستئذات وسفر نحو الآخرة أمام أعين مودعين كُثر،يستمر حدادهم أياماً ثلاثة على الرغم من عدم وجود أوامر رسمية بذلك. وولد الملك فهد في الرياض، وتلقى تعليمه الأولي بمدرسة الأمراء التي كان والده قد أنشأها داخل قصره لتعليم أبنائه في المرحلة الأولى، ثم بالمعهد السعودي بمكة المكرمة. وقبيل توليه الحكم، تقلد الملك فهد عدداً من المناصب، هي: أول وزير للمعارف في المملكة العربية السعودية عام 1953، ووزيراً للداخلية في عام 1962، ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، بالإضافة إلى منصب وزير الداخلية، في عام 1967.

وبعد مبايعة الملك خالد في عام 1975، تولى الملك فهد ولاية العهد، بالإضافة إلى منصب نائب لرئيس الوزراء. ومن ناحية أخرى، فقد شارك الملك فهد، ورأس العديد من الوفود السعودية في العديد من المؤتمرات العربية والدولية. وقد شهد عهد الملك فهد، وتحديداً في عام 1992، صدور ثلاثة مراسيم ملكية، يتصل الأول بتحديد النظام الأساسي للحكم، باعتبار المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية يتوارث العرش فيها أبناء عبد العزيز آل سعود وبحيث تتم مبايعة الأصلح منهم للحكم. أما المرسوم الثاني فيتعلق بإنشاء مجلس للشورى، مكون من رئيس وستين عضواً. فيما يرتبط المرسوم الثالث بنظام المناطق (المقاطعات) في المملكة. وإضافة إلى دوره المؤثر على صعيد محاولات احتواء الحرب الأهلية في لبنان، فإن اسم الملك فهد يرتبط على الصعيد العربي والإقليمي بالمبادرة التي قدمها عام 1982، إبان فترة ولايته للعهد، لحل القضية الفلسطينية، والتي عرفت بمبادرة فهد.

ووفقا لماذكره المؤرخ السعودي عبدالرحمن الرويشد ,فقد ولد الملك الراحل من أم هي الأميرة حصة بنت أحمد بن محمد بن أحمد السديري، وكانت قد أنجبت ولداً ذكراً قبل الملك فهد من أخ الملك عبدالعزيز الأمير محمد بن عبدالرحمن الذي فارقها بعد إنجابها لابنه الأمير عبدالله بن محمد فاستعادها الملك عبدالعزيز إلى عصمته، وكان قد تزوجها وهي صغيرة، ففارقها، وبعد استعادتها أنجبت له . ويقول المؤرخون أن الأميرة حصة والدة الملك فهد كانت من فضليات النساء، ومن أعقلهن وأقربهن إلى قلب الملك عبدالعزيز، وقد أشار إلى احترامه لهذه السيدة والإشادة بعظمتها وحصافة رأيها ودينها في أكثر من مناسبة. وكانت لها طريقتها الخاصة في تنشئتها لأبنائها تنشئة صالحة، كانت تعقد معهم ذكوراً وإناثاً اجتماعات خاصة تستعرض فيها معهم حسن سير تقدمهم في دراستهم وشؤون حياتهم وتناقش معهم بصراحة ووضوح كل ما يهمهم.

وكانت شديدة الاهتمام بالغة الحرص في تنشئة أبنائها على الدين القويم، والولاء الشديد لأسرتهم ووالدهم، وقد كان الملك عبدالعزيز يحب هذه السيدة ويقدرها حق قدرها حتى آخر رمق في حياته. شب وترعرع الملك فهد في حقل تلك البيئة وكان لأخيه الأمير عبدالله بن محمد الذي يكبره بأكثر من أربع سنوات فضل توجيهه إلى الشموخ ، وكان يلازمه وكل إخوته الآخرين ويعيش معهم في دار واحدة، كما كان لهذا الفتى الملك حاشية من أترابه منهم من يكبره والبعض الآخر في مثل سنه، وقد اختيروا بعناية وصحبوه وطالت بهم الصحبة ولازال بعضهم يصحبه حتى اليوم مما عد مأثرة لها مدلولها الإنساني الرفيع. وكان الفتى الملك وأخوه عبدالله بن محمد يستقبلان الناس في مجلس واحد، ويزوران الوالد العظيم الملك عبدالعزيز ويجتمعان به وبوالدتهما في وقت واحد مع إخوتهما ممن يصغرهما سناً، بل كانت مجموعة المرافقين والحاشية لهما ولإخوتهما الصغار واحدة فكان ذلك مما يلفت الانتباه ويثير الدهشة لدى والدهما ولدى الآخرين.

الملك الفارس

كان الفتى الملك يشارك إخوته الكبار وأبناء عمومته وعدداً من الفرسان في السباق، وكان الأمراء آنذاك والفرسان يمتطون صهوات جيادهم بأنفسهم عند انطلاق السباق، ومن بينهم الفتى الملك في منظر أخاذ، حيث تصطف الخيول جنباً إلي جنب عند بدء السباق على مدى المضمار الشمالي، يستعرضون بها مهاراتهم الفروسية، حيث يطلقون تلك الرماح والبنادق في الهواء ثم يلتقطونها وهم على ظهور الجياد، قبل أن تهوي إلى الأرض عند صرخات المشجعين والمشاهدين، وبلغ من حب الفتى الملك للفروسية وتعلقه باقتناء الخيل آنذاك أن أصبح يملك مربطاً مشهوراً في جنوبي الرياض، يملكه مع أخيه الأمير عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن، ويقع ذلك المربط قرب مربط الأمير محمد بن عبدالعزيز، وكلا المربطين يقعان فيما يعرف اليوم بمسجد العيد جنوبي الرياض.

وكان يمتلك فرساً مشهورة بلغت شهرتها حداً كبيراً وقد أقيم في حياة الملك عبدالعزيز حفل سباق حافل كسبت به تلك الفرس فوز السبق بين خيول كثيرة لها شهرتها وكان يمتطيها في ذلك السباق أحد أتباعه ويدعى «الهيلم» من فرسان العجمان من آل سفران، وهو لا يزال بحمد الله حياً يرزق، فأجزل الملك عبدالعزيز رحمه الله لصاحبها الجائزة لتميزها فتبرع بالجائزة للفارس، وانهالت على الفارس من المشاهدين والمعجبين بتلك الفرس الجوائز الكثيرة إعراباً عن إعجابهم بالفرس وحركات الفارس.

وعندما بلغ الفتى الملك السادسة عشرة من عمره سنة 1356هـ الموافق 1937م اختار له والده ابنة عمه الجوزاء ويدعونها «جوزاء» بنت الأمير عبدالله بن عبدالرحمن أخي الملك عبدالعزيز فتم زواجه منها، لكن ذلك الزواج لم يدم طويلاً، ثم تزوج بعد فترة من ابنة عمه تركي بن عبدالله بن سعود آل فيصل ثم تزوج أخرى بعدها من أخواله آل السديري الكرام، وأخيراً تم زواجه من ابنة عمه العنود بنت عبدالعزيز بن مساعد ابن جلوي التي أنجبت له عدداً من البنين والبنات وهم: فيصل الرئيس العام السابق لرعاية الشباب رحمه الله، ومحمد أمير المنطقة الشرقية، وسعود نائب رئيس الاستخبارات العامة، وسلطان الرئيس العام الحالي لرعاية الشباب، وخالد وهو رجل أعمال، أما ابنه الأخير الأمير عبدالعزيز فهو من الأميرة جواهر بنت الأمير إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم، ويشغل هذا الأمير اليوم رئيس ديوان مجلس الوزراء وعضو مجلس الوزراء .

وما دمنا بصدد الحديث عن طفولة هذا العاهل فلابد أن يمتد بنا الحديث إلى عهد الشباب عنده، وقبل أن يشغل مناصبه الرفيعة في عهد والده ثم في عهد إخوته الملوك: سعود وفيصل وخالد، الذين شغل في عهودهم مختلف المناصب الحساسة وحمل مسئوليات جساما ما جعله الملك الأكثر خبرة واستعداداً في تاريخ هذه الدولة. فقد كان في شبابه يقوم بمعالجة الكثير من شؤون البادية والحاضرة بأمر من والده مما أكسبه خبرة ظهرت قيمتها عند تولي مسئولياته الجسام بعد ذلك.. وكان وهو شاب لم يتجاوز الرابعة والعشرين من العمر إلا بقليل قد كلفه والده بمرافقة أخيه الأمير فيصل إلى الاجتماع التأسيسي لهيئة الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية في 16 رجب عام 1364ه الموافق 26 يونيو 1945م ثم بعد ذلك بعثه والده الملك عبدالعزيز ليمثل المملكة العربية السعودية في حفل تتويج ملكة بريطانيا، وعندما توفي الملك عبدالله ابن الحسين مغدوراً به في القدس سنة 1367هـ 1948م بعثه الملك عبدالعزيز نيابة عنه ليحضر الصلاة عليه ويشارك في العزاء مع رؤساء الوفود العربية التي شاركت في دفنه وتقديم العزاء لذويه، ثم بعث في مهمة مماثلة عند وفاة الشيخ أحمد الجابر الصباح نيابة عن والده للتعزيه وتهنئة الحاكم الجديد.

نبوغ وفطنة

وعندما تولى الملك سعود يرحمه الله الحكم عين الشاب الأمير فهد أول وزير للمعارف عام 1373هـ الموافق 1953م ومنذ ذلك الوقت أصبح الملك رائداً للتطور التربوي في المملكة العربية السعودية. وهكذا أخذت مسيرة العلو والصعود تجتذب ذلك الطفل المهذب ثم الشاب الذي عرف بتواضعه وتسامحه إلى درجة أذهلت كافة من عرفه سواء من المواطنين السعوديين أو من رفاق والده، أو من الضيوف الأجانب الذين التقى بهم والتقوا به، لكنهم مع ذلك يعترفون أنه مع ذلك التواضع والتسامح رجل المواقف الصعبة التي تظهر عندها عزيمته ويبدو حزمه للعيان، كما يعرفون جيداً وبعد ممارسة طويلة مدى قدرته الفائقة على اتخاذ القرارات الحازمة في المواقف التي يتردد عندها الكثيرون وتأخذهم الحيرة. وما من شك أن ما يميز ذلك العاهل في طفولته وشبابه وكهولته تلك المقدرة على الإحساس بآلام الآخرين، وهمومهم، وهذه الصفة بالذات تعد قاعدة أساسيه لديه مع مجموعة أخرى من الصفات النبيلة.
ولعل من أبرز صفاته طفلاً وشاباً وكهلاً أنه من الخطباء المعدودين في المملكة بل وفي العالم العربي، كما أنه ممن لا يقرأون من ورقة أو يخطب من سجل معد مسبقاً، بل إنه يتحدث دائماً إلى مستمعيه بشكل تلقائي، وعلى الرغم من ارتجاله للكلمات فإنها تجيء آية في البلاغة والإحكام، ويقول الذين يعرفونه حق المعرفة إن كلامه العادي مليء بالملاحظات الذكية والأمثال والاستطرادات التي تجعل سامعه يود ألا يتوقف عن الحديث، وله من الكلمات المتألقة ذات الدلالة على عمق صلته بثوابت أمته في شؤون الدين والمجتمع والحكم والسياسة ماهو مبثوث في خطبه ومقابلاته. وما من شك أن ذلك مرده إلى النشأة الأولى التي تلقاها على يد والده الملك عبدالعزيز.

وقد ورث عن والده عبدالعزيز شخصية جذابة وقوية شديدة الهيبة سواء في المملكة أو خارجها وقد أعرب العديد من القادة والزعماء الذين التقى بهم في العديد من المناسبات عن قوة شخصيته في المباحثات والمفاوضات. كلف الملك عبدالعزيز ابنه الأمير فهد بالعديد من الأعمال السياسية والإدارية ، وذلك من خلال إشراكه في مهمات ووفود رسمية للمملكة العربية السعودية ؛ بل كلفه برئاسة بعضها واستمر تكليفه في عهد إخوانه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد – رحمهم الله – بكثير من الأعمال الدبلوماسية والمشاركات السياسية والمناصب الحكومية . وقد أكسبه ذلك خبرة وتوفيقاً في اتخاذ القرار السديد والحكيم في الشؤون الداخلية والخارجية.

ومن أبرز تلك المشاركات :-

; عضويته في الوفد السعودي الذي رأسه الأمير فيصل للمشاركة في المؤتمر الأول لمنظمة الأمم المتحدة ، وللتوقيع على ميثاق الأمم المتحدة الذي عقد في (سان فرانسيسكو) بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1364هـ / 1945م .
; مشاركته مع والده الملك عبدالعزيز لدى زيارته مصر في 10/2/1365هـ 13/1/1946م حيث قلده الملك فاروق الوشاح الأكبر من نيشان النيل .
; تمثيله للملك عبدالعزيز في حضور حفل تتويج الملكة (إليزابيث) ملكة بريطانيا في عام 1372هـ /1952م .
; مرافقته الرئيس اللبناني (كميل شمعون) أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية في عام 1372هـ/1952م .
; مشاركته في الدورة التاسعة للمؤتمر الثقافي لجامعة الدول العربية وافتتاحه الاجتماع الذي انعقد بجدة في 21/5/1374هـ الموافق 15/1/1955م .
; رئاسته للوفد السعودي إلى اليمن في 13/8/1374هـ الموافق 6/4/1955م .
; رئاسته وفد المملكة العربية السعودية للمشاركة في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية بالدار البيضاء في 27/2/1379هـ الموافق 31/8/1959م .
; رئاسته الوفد السعودي المشارك في حضور اجتماعات مؤتمر وزراء الخارجية العرب في 1/3/1380هـ الموافق 23/8/1960م .
; رئاسته الوفد السعودي المشارك في مؤتمر رؤساء حكومات الدول العربية المنعقد في جامعة الدول العربية بالقاهرة في 6/9/1384هـ الموافق 8/1/1965م .
; رئاسته الوفد السعودي في المؤتمر الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة بتاريخ 16/12/1384هـ الموافق 18/4/1965م .
; رئاسته الوفد السعودي في الدورة الثانية لمؤتمر رؤساء الحكومات العربية المنعقد في القاهرة بتاريخ 26/1/1385هـ الموافق 27/5/1965م .
; رئاسته الوفد السعودي خلال زيارته إلى فرنسا بهدف توثيق العلاقات السعودية الفرنسية بتاريخ 2/7/1387هـ الموافق 5/10/1967م .
; رئاسته الوفد السعودي في زيارته إلى الصومال في 4/4/1388هـ الموافق 29/6/1968م .
; رئاسته الوفد السعودي في زيارته إلى تركيا في 4/5/1388هـ الموافق 29/7/1968م .
; رئاسته الوفد السعودي في زيارته إلى لبنان في 9/5/1388هـ الموافق 3/8/1968م .
; رئاسته الوفد السعودي في زيارته إلى بريطانيا في 28/7/1389هـ الموافق 9/10/1969م .
; رئاسته الوفد السعودي عند زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 2/8/1389هـ الموافق 13/10/1969م .
; رئاسته الوفد السعودي إلى بريطانيا للمشاركة في المحادثات المتعلقة بمستقبل منطقة الخليج العربي بعد انسحاب بريطانيا منها عام 1389هـ / 1969م .
; رئاسته الوفد السعودي في المباحثات السعودية اليمنية بجدة في 17/5/1390هـ الموافق 20/7/1970م .
; رئاسته الوفد السعودي في المحادثات السعودية البريطانية بلندن في 7/10/1390هـ الموافق 5/12/1970م .
; افتتاحه مؤتمر ميثاق التضامن الإسلامي في 27/4/1391هـ الموافق 20/6/1971م .
; رئاسته الوفد السعودي إلى ليبيا في زيارة رسمية في 25/12/1393هـ الموافق
18/1/1974م.
; رئاسته الوفد السعودي خلال زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 14/5/1394هـ الموافق 4/6/1974م .
; رئاسته الوفد السعودي إلى الإمارات العربية المتحدة في 8/11/1395هـ الموافق
11/11/1975م .
; رئاسته الوفد السعودي إلى جمهورية مصر العربية في 29/11/1395هـ الموافق 2/12/1975م .
; رئاسته الوفد السعودي في مؤتمر القمة العربية الحادي عشر بالأردن في 18/1/1401هـ الموافق 25/11/1980م .
وأول منصب تولى مسئولياته خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، هو وزارة المعارف حيث أصدر الملك سعود بن عبدالعزيز أمره الملكي بتعيينه أول وزير للمعارف في 18/4/1373هـ – 24/12/1953م ، وذلك عندما استحدثت وزارة المعارف وأسهم خادم الحرمين الشريفين في بناء النهضة التعليمية وإرساء معالمها الأساسية التي امتدت لترتقي بنواحي التعليم في أنحاء المملكة العربية السعودية واستمر وزيراً للمعارف حتى 3/7/1380هـ ، ثم عُين - حفظه الله - وزيراً للداخلية في عام 1382هـ/1962م ثم نائباً لرئيس مجلس الوزراء عام 1387هـ / 1967م، بالإضافة إلى منصبه وزيراً للداخلية. كما كلف برئاسة اللجنة العليا لسياسة التعليم عام 1385هـ /1965م.
وعندما بويع الملك خالد بن عبدالعزيز بالحكم في عام 1395هـ / 1975م أصبح خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء . وكلف برئاسة مجلس إدارة الخدمة المدنية عام 1397هـ / 1977م .
بويع الملك فهد ملكاً للمملكة العربية السعودية عقب وفاة الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله في 21/8/1402هـ الموافق 13/ 06/1982م .
وفي 24/2/1407هـ الموافق 27/10/1986م أعلن الملك فهد بن عبدالعزيز استبدال لقب صاحب الجلالة ليكون اللقب الرسمي : (خادم الحرمين الشريفين) .

ولخادم الحرمين الشريفين مجلس أسبوعي يستقبل فيه عموم جمهور المواطنين، حيث يطلع الملك من خلاله على أحوالهم ، ويتلمس احتياجاتهم، ولولي العهد مجلس مماثل لهذا أيضًا. كما يخصص خادم الحرمين الشريفين يومًا آخر لمقابلة العلماء والمسؤولين ، والنظر فيما يستجد من أحداث تتعلق بمهامهم ، وما له علاقة بأمور المسلمين عامة، وذلك مبدأ درج عليه الملك عبدالعزيز، وسار عليه أبناؤه من بعده.

ويحرص خادم الحرمين الشريفين على مشاركة شعبه في المناسبات والاحتفالات العامة، ورعاية وافتتاح المشاريع التنموية التي تعود على الوطن والمواطن بالنفع والفائدة، كما يشارك أيضًا في رعاية الأنظمة الرياضية والثقافية والاجتماعية، ودعم كل تلك الفعاليات من خلال رصد الجوائز وتقديم الحوافز للمتميزين فيها، مثل: جائزة الدولة التقديرية، وجائزة الملك فيصل العالمية، والمهرجان الوطني للتراث والثقافة ( الجنادرية ) .

شهدت العشرون عاماً من عهد خادم الحرمين الشريفين نهضة حضارية شاملة في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية تمثل امتداداً للنهضة الحضارية التي شهدتها المملكة العربية السعودية منذ بداية التخطيط التنموي في عام 1390/1391هـ ، (1970م) والتي استطاعت تحقيق أهداف كثيرة من أبرزها رفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة للمواطنين ، وتنويع القاعدة الاقتصادية، وتخفيض الاعتماد على إنتاج النفط الخام وتصديره كمصدر رئيسي للدخل الوطني ، وتنمية الصادرات غير النفطية ، والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتنمية الموارد البشرية وتعزيز دور القطاع الخاص، وتحقيق التنمية المتوازنة، واستكمال تنمية التجهيزات الأساسية .

وقد شهد عهد خادم الحرمين الشريفين تنفيذ خمس خطط تنموية وذلك حينما تولى حفظه الله الحكم عام 1402هـ/1982م ليستكمل خطة التنمية الثالثة ثم التخطيط والتنفيذ للخطط الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والتي ركزت في مجملها على المحافظة على القيم الإسلامية ، وتطبيق شريعة الله وترسيخها ونشرها، والدفاع عن الدين والوطن ، والمحافظة على الأمن والاستقرار الاجتماعي للبلاد وتكوين المواطن العامل المنتج بتوفير الروافد التي توصله لتلك المرحلة ، وتنمية القوى البشرية والتأكد المستمر من زيادة عرضها ورفع كفاءتها لتخدم جميع القطاعات ودفع الحركة الثقافية إلى المستوى الذي يجعلها تساير التطور الذي تعيشه المملكة، والاستمرار في إحداث تغيير حقيقي في البنية الاقتصادية للبلاد بالتحول المستمر نحو تنويع القاعدة الإنتاجية ، وبالتركيز على الصناعة والزراعة وتنمية الثروات المعدنية وتشجيع استكشافها واستثمارها، والتركيز على التنمية النوعية بتحسين أداء ما تم إنجازه من منافع وتجهيزات خلال خطط الدولة التنموية الثلاث والعمل على تطويره ، وإكمال التجهيزات الأساسية اللازمة لتحقيق التنمية الشاملة.
وانطلاقاً من ذلك، حققت المملكة في ظل الخطط التنموية المتعاقبة ، بتوفيق من الله تعالى ، ثم بفضل التوجيه السديد من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – حفظه الله – ومؤازرة سمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله - ، منجزات تنموية بارزة شملت أبعاد التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية كافة . فتمكنت المملكة خلال هذه الفترة الزمنية الوجيزة من تحقيق منجزات متميزة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية كافة توجت بتطور كبير في المجتمع انعكس على الارتقاء بمستوى المعيشة ونوعية الحياة في ظل استتاب الأمن وتكريس الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي . ففي المجال الاقتصادي ، حققت المملكة إنجازا كبيراً في مستوى معيشة المواطنين ودخولهم الحقيقة فضلاً عن إحراز تقدم ملموس في تنويع القاعدة الاقتصادية ، ومصادر الدخل ، وبناء منظومة ضخمة من التجهيزات الأساسية ، وتعزيز التوجه نحو تهيئة الاقتصاد الوطني للتعامل بمرونة وكفاءة مع المتغيرات والمستجدات المحلية والإقليمية والدولية .

وعلى الصعيد الاجتماعي ، ارتفع - إلى حد كبير - مستوى الرفاه الاجتماعي للمواطنين من خلال الارتقاء بالجوانب التعليمية والصحية ، وتطورت الموارد البشرية بدرجة سمحت بسعودة أغلب الوظائف الحكومية ، كما اتسع نطاق سعودة وظائف القطاع الخاص . وشمل الإنجاز في الجانب التنظيمي النهوض بكفاءة الخدمات الحكومية من خلال تطوير التنظيم الإداري ، وإعادة هيكلة بعض الأجهزة الحكومية بغية تحسين نوعية الخدمات العامة ، وإنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى ، والمجلس الأعلى لشئون البترول والمعادن ، والهيئة العليا للسياحة ، والهيئة العامة للاستثمار ، للإسهام في ترشيد اتخاذ القرارات ذات العلاقة بالنشاط الاقتصادي وتسريعها .

وكما عملت المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين على تحقيق المزيد من الرقي والتطور الاقتصادي والاجتماعي الداخلي فقد حرصت على المحافظة باستمرار على مكانتها اللائقة عربياً وإسلامياً وعالمياً والنهوض بواجباتها تجاه الأسرة الدولية سواء كان ذلك في تقديم الدعم والمؤازرة للقضايا الإنسانية ، أو في تبني قضايا الحق والعدل والانتصار لها أينما كانت وكله بفضل توفيق الله - سبحانه وتعالى - ثم بفضل ما حظيت به تلك المسيرة المباركة من توجيه دائم من القيادة الحكيمة لهذا البلد، وتفاعل من مواطنين تزكيهم قيم الولاء والانتماء .

يأتي في قمة إنجازات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز توسعة الحرمين الشريفين وعمارتها، كي يستوعب الحرم المكي الشريف أكثر من مليون مصلٍّ، والحرم المدني الشريف أكثر من مليون ومائتي ألف مصلٍّ؛ بالإضافة إلى حركة الإنشاء والتعمير التي شملت الأراضي المحيطة بالحرمين . ففي 2/2/1409هـ الموافق 13/9/1988م وضع – حفظه الله - حجر الأساس لتوسعة المسجد الحرام بمكة المكرمة بحيث تتألف من الطابق السفلي ( الأقبية ) والطابق الأرضي والطابق الأول ؛ وقد صمم وتم بناؤه على أساس تكييف شامل ، وعمل محطة للتبريد في أجياد ، وروعي في الأقبية تركيب جميع الأمور الضرورية من تمديدات وقنوات وعمل فتحات في أعلى الأعمدة المربعة حيث يتم ضخ الهواء والماء البارد فيها من المحطة المركزية للتكييف في أجياد ، ومبنى التوسعة منسجم تماماً في شكله العام مع مبنى التوسعة الأولى ، وقد كسيت الأعمدة بالرخام الأبيض الناصع كما كسيت أرضها بالرخام الأبيض ، وأما الجدران فكسيت من الخارج بالرخام الأسود المموج والحجر الصناعي ، وكذلك من الداخل مع تزيينها بزخارف إسلامية جميلة ويبلغ عدد الأعمدة للطابق الواحد ( 530) عموداً دائرياً ومربعاً.

وجعل في هذه التوسعة أربعة عشر باباً فبذلك صارت أبواب المسجد الحرام (112) باباً ، وصنعت الأبواب من أجود أنواع الخشب وكسيت بمعدن مصقول ضبط بحليات نحاسية وصنعت النوافذ والشبابيك من الألمونيوم الأصفر المخروط وزينت بمعدن مصقول بحليات نحاسية .
وعمل لهذه التوسعة مبنيان للسلالم الكهربائية في شماله وجنوبه وسلمان داخليان وبذلك يصبح مجموع السلالم الكهربائية في المسجد الحرام تسعة سلالم هذا عدا السلالم الثابتة الموزعة في أنحاء مبنى المسجد الحرام .
في سنة (1411هـ / 1991م) أحدثت ساحات كبيرة محيطة بالمسجد الحرام وهيئت للصلاة . لا سيما في أوقات الزحام ـ بتبليطها برخام بارد ومقاوم للحرارة وإنارتها وفرشها وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه الساحات ( 88.000) متراً مربعاً.
وفي سنة ( 1415هـ / 1994م) تم في المسجد الحرام توسعة منطقة الصفا في الطابق الأول تسهيلاً للساعين وذلك بتضييق دائرة فتحة الصفا الواقعة تحت قبة الصفا .
وفي سنة ( 1417هـ / 1996م) تم أيضاً إعادة تهيئة منطقة المروة لغرض القضاء على الزحام في هذا الموقع ، حتى صارت مساحة المنطقة (375) متراً مربعاً بدلاً من المساحة السابقة وهي (245) متراً مربعاً .
وفي سنة ( 1417هـ / 1996م) حصلت أيضاً توسعة الممر الداخل من جهة المروة إلى المسعى في الطابق الأول وأحدثت أبواب جديدة في الطابق الأرضي والأول للدخول والخروج من جهة المروة .
كما تم في سنة ( 1418هـ / 1997م) إنشاء جسر الراقوبة الذي يربط سطح المسجد الحرام بمنطقة الراقوبة من جهة المروة ، لتسهيل الدخول والخروج إلى سطح المسجد الحرام . ويبلغ طول الجسر ( 72 ) متراً و ( 50 ) سنتيمتراً ويتراوح عرضه من عشرة أمتار ونصف إلى أحد عشر متراً ونصف متر ، وتم تنفيذه وفق أحد ث التصاميم الإنشائية وبما يتناسق مع الشكل الخارجي للمسجد الحرام .
وتم في سنة ( 1418هـ / 1997م ) أيضاً توسعة الممر الملاصق للمسعى الذي يستعمل للطواف بالطابق الأول في أوقات الزحام من منطقة الصفا إلى ما يقابل منتصف المسعى حيث تمت توسعته فأصبح عرضه تسعة أمتار وعشرين سنتيمتراً ، ويبلغ طوله سبعين متراً .
وتم في 22 شوال سنة 1418هـ الموافق 19 فبراير 1998م تجديد غطاء مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام من النحاس المغطى بشرائح الذهب والكريستال والزجاج المزخرف وتم وضع غطاء من الزجاج البلوري القوي الجميل المقاوم للحرارة والكسر على مقام إبراهيم ـ علية السلام ـ ، وشكله مثل القبة نصف الكرة ووزنه ( 1.750 ) كجم ، وارتفاعه ( 1.30 ) م ، وقطره من الأسفل (40) سم، وسمكه (20) سم من كل الجهات ، وقطره من الخارج من أسفله (80) سم ، ومحيط دائرته من أسفله (2.51) م .
فأصبح مجموع المساحات بعد توسعة خادم الحرمين الشريفين ثلاثمائة وستة وستين ألفا ومائة وثمانية وستين (366168) متراً مربعاً وأصبحت طاقة استيعاب المصلين في المسجد الحرام في الظروف العادية بعد توسعة خادم الحرمين الشريفين أربعمائة وستين ألف ( 460.000 ) مصل بحث يبلغ مجموع عدد المصلين في داخل المسجد الحرام والسطوح والساحات ثمانمائة وعشرين ألف ( 820.000 ) مصل . ويمكن في ذروة الزحام استيعاب أكثر من مليون مصل .
أما المسجد النبوي الشريف فقد أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ بتوسعته فبدئ بعمارته وتوسعته في يوم الجمعة 9 من شهر صفر عام 1405هـ الموافق 29 أكتوبر 1984م .
وتتألف التوسعة من طابق الأقبية والطابق الأرضي والطابق الأول مشتملاً على تكييف كامل للتوسعة ، حيث روعي في الأقبية تركيب جميع التمديدات والحوامل التي تحملها ومجاري الهواء وعملت أربع فتحات حول كل عمود لمرور الهواء البارد عن طريق محطة التكييف الواقعة غرب المسجد النبوي .
وقد عمل في سقف المسجد النبوي في هذه التوسعة سبع وعشرون فتحة وركبت فيها قباب متحركة كهربائية تغلق وتفتح عند الحاجة .
واشتملت التوسعة على واحد وأربعين باباً ركبت فيها أبواب ضخمة يبلغ ارتفاع الباب الواحد منها ستة أمتار في عرض ثلاثة أمتار ، وأنشئت فيها ست مآذن جديدة، ارتفاع كل واحدة منها (104) أمتار .
وتم بناء (6) سلالم كهربائية متحركة أربعة منها في كل ركن من التوسعة وواحد في منتصف الجانب الشرقي وواحد في منتصف الجانب الغربي ، بجانب (18) سلماً ثابتاً من الخرسانة المكسو بالمرمر الأبيض الناصع .
وأنشئت ساحات خارجية للاستفادة منها أثناء شدة الزحام . وبني حول المسجد مواقف للسيارات تحت الأرض بطابقين ، تحتوي على ستة مداخل ومخارج للسيارات ، وتسع هذه المواقف (4.200) سيارة ومن الممكن أن تستوعب في أوقات الزحام (4.500) سيارة ، وتتصل المواقف بساحات المسجد بواسطة مداخل خاصة للناس وفيها (28) سلماً كهربائياً متحركاً
وتشتمل المواقف على مبان للخدمات تتوفر فيها وحدات للوضوء ودورات للمياه وصنابير لشرب الماء البارد ومبان أخرى لمراكز الأمن وعيادات طبية وغيرها.
ومدت الأنابيب لضخ المياه المبردة لغرض التكييف إلى المسجد النبوي داخل نفق يمتد من محطة التبريد إلى داخل القبو طوله سبعة كيلو مترات وعرضه (6.2) م وارتفاعه الداخلي (4.1) م .
واستمر العمل في هذه التوسعة الكبرى قرابة عشر سنوات وانتهى بوضع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ اللبنة الأخيرة في الحادي عشر من ذي القعدة عام 1414هـ الموافق الثاني والعشرين من أبريل عام 1994م .
فأصبحت مساحة المسجد النبوي الشريف بعد توسعة خادم الحرمين الشريفين (82000) م ، ومجموع المساحة الإجمالية (985000) وتستوعب (16000) مصل .
ومساحة السطح ( 67000) م2 وتستوعب (90000) مصل وبذلك أصبح المسجد النبوي يستوعب أكثر من ( 257000) مصل وبمساحة إجمالية تبلغ (165500) م2.
ومساحة الساحات (135000) م2 ، تستوعب (250000) مصل ، وفي حالة استعمال كامل المساحة للصلاة فإنها تستوعب (450000) مصل مما يجعل الطاقة الاستيعابية للمسجد والساحات المحيطة به تزيد عن (700000) مصل في الأيام العادية . وفي أوقات الزحام يستوعب المسجد والساحات حوالي (1.200.000) مصل .
أما الكعبة المشرفة ففي أواخر سنة ( 1401هـ / 1981م ) ظهر تسرب ماء غسل الكعبة من أعلى موضع الحجر الأسود وسبق ذلك ظهور تصدع في الرخام المفروش في داخل الكعبة المشرفة ، ولما رفع الأمر إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أمر بتكوين لجنة للنظر في الموضوع واقتراح ما يلزم نحوه فقرر أعضاء اللجنة ضرورة تغيير رخام أرض الكعبة مع وضع مادة عازلة وكذا تغيير الإطار الحديدي المثبت عليه الإطار الفضي الخاص بالحجر الأسود وأن يكون من معدن غير قابل للصدأ ثم أمر خادم الحرمين الشريفين بتنفيذ الاقتراح وبدئ بالإصلاح في (14/7/1403هـ الموافق 27/4/1983م) وتم العمل المطلوب في (15/8/1403هـ الموافق 27/5/1983م) .
وقد حصل في عام 1417هـ / 1996م ترميم عظيم للكعبة المشرفة لم يحصل مثله منذ بناء الكعبة الأخير في سنة (1040هـ ) وذلك عندما لوحظ أنه بدا التلف في بعض أجزاء الكعبة المشرفة المصنوعة من الخشب، وكان السقف أكثر تعرضاً للتلف من غيره بسبب تكوينه من عوارض ولوحات خشبية ، وكذلك الأعمدة الخشبية ، إذ قد أصابت الأرضة جزءاً كبيراً من السقف والأعمدة . فخيف من إصابة الضعف والتآكل في الأجزاء الأخرى من بناء الكعبة .
فأمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ بترميم الكعبة المشرفة ترميماً كاملاً شاملاً من داخلها وخارجها على أحسن وجه فبدئ العمل بترميمها في العاشر من شهر محرم سنة 1417هـ الموافق السابع والعشرين من شهر أبريل 1996م ، وانتهى العمل من ترميمها في الثلاثين من شهر جمادى الآخر سنة 1417هـ الموافق الحادي عشر من شهر أكتوبر 1996م في الثلاثين من شهر جمادى الآخر سنة 1417هـ .

خدمة العرب والمسلمين
ولخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أياد بيضاء ومواقف عربية وإسلامية نبيلة تجاه القضايا العربية والإسلامية، تأتي في مقدمتها القضية الفلسطينية من حيث الدعم السياسي والمادي والمعنوي. وفي مجال التأثير الدولي والعالمي تدخَّل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد لدى الدول الكبرى لتخفيف حدة الألم والمعاناة التي واجهها الشعب الفلسطيني في لبنان عام 1402هـ / 1982م. وعرض ورقة عمل سعودية في قمة فاس بالمغرب في العام نفسه لحل القضية الفلسطينية وذلك في مبادرة السلام التي ارتبطت باسمه حفظه الله ، وظل يؤكد على شرعية القضية، ويقدم لها الدعم في المحافل الدولية. كما أولى المشكلة اللبنانية اهتمامه، وبذل جهوداً كبيرة في حلها، وأسهم في إعادة إعمار لبنان، كما ركز جهوده لنصرة المسلمين في البوسنة والهرسك، وذلك من خلال الدعم المالي والسياسي والمعنوي للشعب المسلم كي يدافع عن حقوقه وهويته الإسلامية في ظل المبادئ السياسية الدولية .
كما نذرت المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز نفسها وجندت طاقاتها لخدمة الإسلام وقضايا المسلمين المختلفة ، ومن الصعب حصر نشاطها وإسهاماتها في هذا المجال، ولكن يمكن ذكر أمثلة لبعض أوجه هذا النشاط بإيجاز:
أ ـ تبني المملكة لقضايا المسلمين ودعم الشعوب الإسلامية .
ب ـ إرسال المعونات وجمع التبرعات العينية والنقدية لبعض البلدان الإسلامية والصديقة المتضررة من الجفاف، والفيضانات، والزلازل وغيرها من الكوارث؛ وقد أنشئت لجان وهيئات إسلامية بعضها رسمي تشرف عليه الدولة مثل الهيئة العليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة والهرسك والصومال، واللجنة الشعبية لمساعدة مجاهدي فلسطين التي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ، وبعضها أهلي كهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، وهدف هذه اللجان والهيئات جمع التبرعات وإرسالها لمستحقيها من المسلمين.
ج ـ الإسهام في نشر الإسلام عن طريق إرسال الدعاة أو عن طريق بناء المساجد والمراكز الإسلامية في بلدان كثيرة من العالم مثل المركز الإسلامي في لندن، والمركز الإسلامي في واشنطن والمساجد والمراكز التي أسهمت المملكة بإنشائها في الكثير من عواصم أوربا أو أمريكا الجنوبية وبعض دول أفريقيا وآسيا .
وهدف إنشاء هذه المراكز والمساجد دعم الأقليات المسلمة في تلك البلدان. ويأتي ضمن هذا تقديم المملكة المساعدة للجامعات وإنشاء الكراسي العلمية وتبنيها مثل كرسي الملك فهد للدراسات الإسلامية بجامعة هارفارد وغيرها، وتهدف المملكة من وراء ذلك إلى نشر اللغة العربية، والتعريف بالإسلام ، وبحاضر العالم الإسلامي ، والعمل على إظهار الصورة الحقيقية عن الإسلام والمسلمين.
د ـ الإسهام في إنشاء المدارس لأبناء المسلمين في البلدان التي بها أقليات إسلامية. وقد أنشأت المملكة العديد من الأكاديميات السعودية مثل أكاديمية الملك فهد بلندن وواشنطن وبرلين وغيرها، وذلك لتعليم أبناء الطلاب السعوديين المبتعثين هناك وأبناء الجاليات الإسلامية في تلك المدن تعليمًا إسلاميّاً، وتقوم هذه الأكاديميات بدور ملموس في ربط المسلمين بدينهم وتراثهم وذلك عن طريق التعليم الإسلامي المتزن الذي يفتقده بعض أبناء المسلمين حتى في مواطنهم الأصلية.


خُطب وكلمات
نظام الحكم ومبادئ الدولة
من منطلق الإسلام والدعوة إليه تتحدد سياستنا في الداخل في جميع المرافق والمجالات، وأهمها على الإطلاق أسلوب الحكم وطريقته، والحكم في الإسلام شورى يتلمس فيه الحاكم آراء أهل الحل والعقد، ويطلب مشورتهم، ويستعين بهم في إدارة دفّة الحكم، هذه سياستنا وعليها سار أسلافنا.
من كلمة وجهها خادم الحرمين الشريفين
بمناسبة عيد الفطر المبــارك
3/10/1402هـ ـ 23/7/1982م
لقد تأسست هذه المملكة - بعون اللَّه وتوفيقه، ونصب عينيها هدف سام هو العمل على إعلاء كلمة الله، والالتزام الكامل بشريعته ومنهاجه.
من كلمة ألقاها خادم الحرمين الشريفين
بمناسبة بدء الأسبوع السنوي السادس
للعناية بالمساجد ( الرياض 13/5/1403هـ ـ 26/2/1983م)
إن طبيعة هذه البلاد وواجبات أهلها عليها تختلف عن أي بلد آخر. وعلى هذا الأساس لن نقتبس أي مبدأ كان من المبادئ التي يعدونها تنظيمية لحياتهم الاجتماعية إلا ما جدّ من الأمور المفيدة للإسلام والمسلمين بشرط ألا تختلف أو تخالف ما أوضحه رب العزة والجلال في كتابه العزيز، ورسوله النبي الكريم، وخلفاؤه الراشدون، وأئمة المسلمين.
من كلمة خادم الحرمين الشريفين لدى استقباله
العلماء والمشايخ والمواطنين الذين
توافدوا لتهنئته بتحرير الكويت
( 19/8/1411هـ ـ 5/3/1991م )
وعلى هذا الأساس أريد أن أوضح بصفتي كلفت أو وجدت نفسي في هذا المركز الذي أنا فيه، فأقول: أعاهد الله - عزوجل - أن تكون العقيدة الإسلامية هي الأساس والقاعدة، والمنطلق وما خالفها لن نهتم به ولن نتبعه ولا يهمنا من أراد أن يقول أو يتكلم كبيرًا كان أو صغيرًا.
من كلمة خادم الحرمين الشريفين لدى استقباله
العلماء والمشايخ والمواطنين الذين
توافدوا لتهنئته بتحرير الكويت
نحن لا يمكن - بحول الله - أن ننصاع لأي مبادئ كانت، ولن نقبل أي مبادئ تختلف مع العقيدة الإسلامية سواء أكانت تتعلق بالدولة، بدءًا من رئيس الدولة وانتهاء بأي مواطن كان في الأمور العامة، أم في الأمور الخاصة.
من كلمة خادم الحرمين الشريفين لدى استقباله
العلماء والمشايخ والمواطنين الذين
توافدوا لتهنئته بتحرير الكويت
( 19/8/1411هـ ـ 5/3/1991م )
نحن نتقيّد في جميع أمورنا، أكررها مرة أخرى، بالنسبة للخاص وللعام والأمور الخاصة والعامة بالشريعة الإسلامية، ولا يمكن للدولة أن تتصرف لا في قليل ولا في كثير إلا بعد أن يعرض على المحاكم الشرعية، وينظر فيه من الناحية الشرعية. ولئن كانت العقيدة والشريعة هي الأصول الكلية التي نهضت عليها هذه الدولة، فإن تطبيق هذه الأصول يتمثل في التزام المنهج الإسلامي الصحيح في العقيدة والفقه والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي القضاء وفي العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
من كلمة خادم الحرمين الشريفين بمناسبة
صدور النظام الأساس للحكم ونظام مجلس الشورى
( الرياض 27/8/1412هـ ـ 11/3/1992م )
إن هذه الأنظمة الثلاثة إنما هي توثيق لشيء قائم، وصياغة لأمر واقع معمول به. وستكون هذ الأنظمة خاضعة للتقويم والتطوير حسب ما تقتضيه ظروف المملكة ومصالحها. والأنظمة الثلاثة صيغت على هدي من الشريعة الإسلامية، معبرة عن تقاليدنا الأصيلة وأعرافنا القويمة، وعاداتنا الحسنة.
من كلمة خادم الحرمين الشريفين بمناسبة
صدور النظام الأساس للحكم ونظام مجلس الشورى
( الرياض 27/8/1412هـ ـ 11/3/1992م )
النظام الجديد لمجلس الشورى، إنما هو تحديث وتطوير لما هو قائم، عن طريق تعزيز أطر المجلس ووسائله وأساليبه بمزيد من الكفاية والتنظيم والحيوية، من أجل تحقيق الأهداف المرجوة منه. وإن الكفايات التي سيضمها هذا المجلس ستختار بعناية، بحيث تكون قادرة على الإسهام في تطور المملكة العربية السعودية ونهضتها، واضعة في اعتبارها المصلحة العامة للوطن والمواطنين.
من كلمة خادم الحرمين الشريفين بمناسبة
صدور النظام الأساس للحكم ونظام مجلس الشورى
( الرياض 27/8/1412هـ ـ 11/3/1992م )
لقد شهدت البلاد في الحقبة الأخيرة تطورات هائلة في مختلف المجالات. وقد اقتضى هذا التطور تجديدًا في النظام الإداري العام للبلاد، وتلبية لهذه الحاجة والمصلحة، جاء نظام المناطق ليتيح مزيدًا من النشاط المنظم من خلال وثبة إدارية مناسبة. وليرفع مستوى الحكم الإداري في مناطق المملكة.
من كلمة خادم الحرمين الشريفين بمناسبة
صدور النظام الأساس للحكم ونظام مجلس الشورى
( الرياض 27/8/1412هـ ـ 11/3/1992م )
لقد تم وضع هذه الأنظمة بعد دراسة دقيقة ومتأنية من قبل نخبة من أهل العلم والرأي والخبرة. وأخذ بعين الاعتبار وضع المملكة المتميز على الصعيد الإسلامي، وتقاليدها وعاداتها وظروفها الاجتماعية والثقافية والحضارية، ومن ثم فقد جاءت هذه الأنظمة نابعة من واقعنا، مراعية لتقاليدنا وعاداتنا، وملتزمة بديننا الحنيف.
من كلمة خادم الحرمين الشريفين بمناسبة
صدور النظام الأساس للحكم ونظام مجلس الشورى
( الرياض 27/8/1412هـ ـ 11/3/1992م )
لقد التزمت المملكة العربية السعودية في مختلف مراحلها منهج الإسلام، حكمًا وقضاء ودعوة وتعليمًا، أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، وأداء لشعائر الله.
من كلمة خادم الحرمين الشريفين بمناسبة
صدور النظام الأساس للحكم ونظام مجلس الشورى
( الرياض 27/8/1412هـ ـ 11/3/1992م )
إن دستورنا في المملكة العربية السعودية هو كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى. ما اختلفنا فيه من شيء رددناه إليهما، وهما الحاكمان على كل ما تصدره الدولة من أنظمة.
من كلمة خادم الحرمين الشريفين بمناسبة
صدور النظام الأساس للحكم ونظام مجلس الشورى
( الرياض 27/8/1412هـ ـ 11/3/1992م )
كان الحكام والعلماء في المملكة العربية السعودية ولا يزالون متآزرين، متعاونين، وكان الشعب - ولا يزال - ملتفًا حول قيادته، متعاونًا معها، مطيعًا لها بموجب البيعة الشرعية التي تتم بين الحاكم والمحكوم.
من كلمة خادم الحرمين الشريفين بمناسبة
صدور النظام الأساس للحكم ونظام مجلس الشورى
( الرياض 27/8/1412هـ ـ 11/3/1992م )
إن المملكة في حاضرها - كما هي في ماضيها - ملتزمة بشرع الله، تطبقه بكل حرص وحزم في جميع شؤونها الداخلية والخارجية وسوف تظل - بحول الله وقوته - ملتزمة بذلك، حريصة عليه أشد الحرص.
من كلمة خادم الحرمين الشريفين بمناسبة
صدور النظام الأساس للحكم ونظام مجلس الشورى
( الرياض 27/8/1412هـ ـ 11/3/1992م )
إننا ثابتون - بحول الله وقوته - على الإسلام، نتواصى بذلك جيلاً بعد جيل، وحاكمًا بعد حاكم، لا يضرنا من خالفنا، حتى يأتي وعدالله.
من كلمة خادم الحرمين الشريفين بمناسبة
صدور النظام الأساس للحكم ونظام مجلس الشورى
( الرياض 27/8/1412هـ ـ 11/3/1992م )
إن هذه النظرة المتأنية والعميقة لبلادنا نحو دورها ومسؤوليتها العربية والإسلامية ما هي إلا تجسيد للمبادئ التي انتهجتها المملكة العربية السعودية منذ أن الله أسست على العقيدة السمحة والحق والإيمان والأخلاق. وسوف تستمر المملكة العربية السعودية - بمشيئة الله تعالى - على هذا المنهج، وتسعى بكل ما وسعها الجهد إلى تعميقه وترجمته إلى أعمال خلاقة وسياسات بناءه، تريد الخير كل الخير للجميع، وتتبناه وتسعى إليه، وتقدمه عبر كل مؤسساتها الوطنية.
من كلمة وجهها خادم الحرمين الشريفين
إلى حجاج بيت الله الحرام
( منى في 11/12/1412هـ ـ 12/6/1993م )
نحن في المملكة العربية السعودية شعبًا وقيادة، نشعر بأننا جزء من هذه الأمة، وأن علينا مسؤولية كبيرة وتاريخية تجاه كل عربي وكل مسلم، كما نشعر أن تقدير الجميع لنا يحتم علينا أن نكون في موضع القدوة والمثل وقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بأن جعلنا خدّامًا لأقدس البقاع وأطهرها.
لقد خطت المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة خطوات واسعة وجادة في مجالات التنظيم والإدارة فوفقنا الله لإصدار النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الوزراء الجديد، ونظام مجلس الشورى وتأسيسه، ونظام المناطق واللوائح الملحقة بها، والإجراءات المكملة لها; لتفعيل هذه الأنظمة وتحقيق المزيد من الخير والتقدم لشعبنا ولأمتنا من بعد. وقد حرصنا في هذه المرحلة التنظيمية الجديدة أن تسهم هذه الأنظمة وتلك المجالس في تحقيق المزيد من الحقوق والرفاهية والطمأنينة لكل مواطن; كي يتضاعف عطاؤه، وترتفع معدلات إنتاجيته في ظل العدل والمساواة والوفرة والأمن والرعاية الفائقة من قِبَل الدولة.
إن المواطن السعودي الذي نعتز به كثيرًا قد بلغ من التفوق وتأكيد الذات مبلغًا رشحه للعمل بالهيئات والمؤسسات والمنظمات الدولية، وقيادتها على اختلاف أغراضها ومسؤولياتها ومهامها، العلمية، والسياسية، والأمنية، الاقتصادية، والطبية، والزراعية; وأصبحت بعض تلك الهيئات والمؤسسات تدار بكفاءات سعودية على درجة عالية من التأهيل والخبرة والأداء المميز وُ الحمد، لكننا رغم كل ما وصلنا إليه إلا أننا لا نزال نواصل جهودنا لإسعاد هذا المواطن ورفعة شأنه.
من كلمة وجهها خادم الحرمين الشريفين
إلى حجاج بيت الله الحرام
( منى في 11/12/1414هـ ـ 22/5/1994م )
صدر النظام الأساس للحكم، ونظام مجلس الوزراء، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، وهي في مجموعها توثيق لشيء قائم وصياغة لأمر واقع. وهي في مجموعها كذلك تهدف إلى تحقيق ما نتطلع إليه جميعًا من تعزيز مسيرة هذه البلاد واستمرار تنميتها الاقتصادية والاجتماعية بما يحقق - بإذن الله - المزيد من الرخاء والأمن والاستقرار لشعبها وأجيالها المتتابعة.
إن بلادنا - وُ الحمد - في أوج قوتها; فهي أولاً غنية بعقيدتها، وبما حباها الله به من النعم الكثيرة والثروات الطبيعية الوفيرة. وإن من هذه النعم التي وفقنا الله لها ما قمنا به من توسعة كبرى للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وتجهيزها بكل الوسائل والتسهيلات مما يسّر لإخواننا الحجاج والمعتمرين والزوّار الراحة الكاملة لأداء مناسكهم. ومع أننا نعد هذا واجبًا نلتزم به فإننا نذكره فقط لنحمد الله تعالى على ما يسّره لنا من أدائه.
من كلمة ألقاها خادم الحرمين الشريفين
بمناسبة الجلسة السنوية لمجلس الشورى
( الرياض في 13/9/1417هـ ـ 22/1/1997م )
نحن هنا في المملكة العربية السعودية نؤمن بأن الخروج من الخلاف يكمن في تحكيم كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - في جميع أمورنا وأحوالنا; لأن ذلك هو السياج القوي والسبيل الوحيد لحل أيّ مشكلة والتغلب على كلّ أزمة مهما كانت درجتها، ولن تتحقق لنا العزة والكرامة إلا إذا سلكنا الطريق الذي رسمه الله لنا في قوله تعالى: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ) [النساء،الآية:65].
من كلمة وجهها خادم الحرمين الشريفين
إلى حج