ايلاف: سُمعَ صوت زلزال سياسي في إسرائيل حتى قبل أن تتوقف البنادق عن إطلاق الرصاص. ويواجه البلاد سؤال حالياً, هو: ما الذي سار في الاتجاه الخاطئ في الحرب مع لبنان؟ أحد جوانب الإجابة واضح للعيان, وهو أن إسرائيل بحاجة كبيرة إلى نظامٍ أفضل لصنع القرار في مجال الأمن القومي.

حسب الكاتب يورام بيري ndash; الأستاذ في جامعة تل أبيب والذي عمل مستشاراً سياسياً لرئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين ndash; فإنه ينبغي أن يتم بناء الجزء المدني من حكومة إسرائيل وآلية صنع القرار ليكون قوياً بما يكفي لموازنة الطاقة العسكرية, وإلا ستنشأ المزيد من الأحداث كالتي حدثت هذا الصيف, حيث لم يُقدَّم أي بديل معقول للوزراء للاشتراك في توصيات قوات الدفاع الإسرائيلية (IDF) في المباشرة بحملةٍ موسعة في لبنان.

فالخيار العسكري الذي تمت مناقشته في مجلس الوزراء لأقل من ثلاث ساعات لم يقابله أي خيارٍ دبلوماسي, وجاء التصديق عليه ضمن فراغٍ فكري. الأكثر من ذلك, أنه حينما أُقِر اتخاذ أسلوبٍ معين للتصرف حصل أمر تسبب بخطأٍ فادح في صنع وتطبيق القرارات.

وقال بيري في مقاله في صحيفة الواشنطن بوست أن الكلام بشأن تصحيح هذا الخطأ أسهل بكثير من نقله إلى حيز الفعل. ولتقدير حجم هذا التحدي يحتاج المرء إلى أن يأخذ في الحسبان التعقيد في العلاقات المدنية-العسكرية الإسرائيلية والمراوغات والأمور الشاذة المتأصلة في طبيعتها.

ولنبدأ بإحداها, ليس من الضروري أن يكون الجيش هو اللاعب العسكري في الميدان. إذ كانت في بعض الأحيان القيادات العسكرية لقوات الدفاع الإسرائيلية تمثل القوة المعتدلة, بدلاً من السياسيين. ففي منتصف الثمانينات أمر رئيس هيئة أركان قوات الدفاع موشي ليفي بانسحاب الجيش الإسرائيلي من شمال لبنان, في حين عارض هذه الخطوة رئيس الوزراء آنذاك إسحاق شامير (الذي ينتمي إلى حزب الليكود). يوضح بحثي الأخير عن سياسة إسرائيل الخارجية في التسعينات أن القوة التي كانت تقف خلف عملية السلام في أوسلو كانت الجيش الإسرائيلي.

المثال الأكثر إقناعاً بأن الجيش الإسرائيلي يفتقر إلى اعتماد الأسلوب العسكري كان موقفه تجاه سوريا في العام 1999. إذ نصح رئيس هيئة أركان قوات الدفاع شاؤول موفاز وخَلَفه موشي يعلون بإجراء مفاوضات سلام مع سوريا, وكانا مستعدين لتقديم تنازلاتٍ إقليمية هامة للتوصل إلى استقرار عملية السلام. أما رئيس الوزراء إيهود باراك وخلفه أرئيل شارون فقد عارضا بشدة هذا التوجه. ولو تم العمل بمقتضى تلك النصيحة لكان من الممكن أن تعيش كل من سوريا ولبنان وإسرائيل في سلامٍ الآن, وما كان سيحصل حزب الله على ذلك المصدر الضخم من التأييد والرعاية.

إن القاعدة المعروفة في كل بلد هي أن الحرب تقوي موقف كبار الضباط مقابل السلطات المدنية, وأن النفوذ السياسي المُضاف للجيش يمكنه أن يغير من طبيعة العملية الديمقراطية. ومع ذلك, فإنه بسبب الحرب طويلة الأمد في إسرائيل الممتدة منذ وجودها (ليس أقل من 10 حملات شاملة أو جزئية منذ 1948) اختلف الأسلوب بعض الشيء. فبدلاً من جيشٍ قيادي ينادي بإطلاق الصواريخ نيابةً عن السلطات المدنية, هناك شراكة عسكرية سياسية, ولو أنها شراكة يتمتع فيها الجنرالات بنفوذ غير اعتيادي في عملية صنع القرار السياسي.

نشأت المشاكل هذا الصيف من أكثر من مجرد القوة الاعتيادية للجنرالات, فقد كانت الظروف غير اعتيادية أيضاً, و كانت قوات الدفاع الإسرائيلية تمارس احتكاراً للمخابرات, كما كانت البلاد بقيادة رئيس وزراء غير محنّك وتحتاج إلى مجلس أمن وطني قوي. هذه الأمور بالإضافة إلى أوجه الضعف الأخرى في بناء آلية التحكم المدني في الجيش أنتجت حكومة إسرائيلية ضعيفة ركعت بتهور للموقف الذي أكد عليه الجنرالات.

كانت الحرب من عدة نواحٍ العامل الأكثر فعالية في المجتمع الإسرائيلي. لقد شكلت الحرب الأجندة السياسية لإسرائيل, وأشعلت الحملات العسكرية الفاشلة الحركات المناهضة للإطاحة برئاسة الوزراء وإعادة رسم الخريطة السياسية. وكانت الحرب في لبنان على الأرجح حدثاً حاسماً آخر.

ويضيف بيري قائلاً أن التركيز على الجدال في الأسابيع القادمة لن يكون ما إذا كانت الحرب مُبرّرة أم لا, فالغالبية العظمى من الإسرائيليين مقتنعون بذلك. سيكون السؤال بالأحرى ما إذا كان من الحكمة اختيار حرب شاملة كردٍ إسرائيلي على اختطاف جنديين. وإذا كانت بالفعل العملية العسكرية هي الرد المناسب, فما هو التوقيت المناسب لها وطبيعتها ونطاقها؟

سيعمل الجيش بلا شك على تحرير الاستنتاجات المهنية حول هذه الحرب, كما كان كذلك في الماضي. وفي النهاية سيعاقب الشعب القادة السياسيين لتصرفهم كذلك. لكن الموقف الأمني الأساسي في إسرائيل لن يتحسن إلى أن يتغير شكل العلاقات بين الجنرالات والقادة السياسيين ويتم تأسيس آلية أفضل لصنع القرار في شؤون الأمن القومي.

إن الحروب أمر خطير جداً لأن تُترك لقرارات الجنرالات المتحمسين أو السياسيين الضعفاء.

ترجمة: سامية المصري
الرياض
25 أغسطس 2006