نقاش في سياسة الصحافة وقوانين السلطة
لبنان وإعلامه... تشابه وتناقض

تابع ملف الصحافة العربية وفيه يعرض مراسلو إيلاف واقع الحريات الإعلامية في : الإمارات المتحدة، الأردن، اليمن، المغرب، سوريا، مصر، الجزائر، العراق، فلسطين، البحرين، السعودية، والحلقة الأولى من لبنان

إيلاف تفتح ملف الحريات الصحافية العربية

ريما زهار من بيروت: صحافة لبنان تشبهه... متناقضة بتناقضاته، حرة من جهة ومتداخلة ومتشابكة من جهة أخرى. هذه الصحافة المعروفة بأنها منبر حرّ لإيصال المعلومات وبصحافيّيها المشهود لهم بالكفاءة والخبرة، تعاني منذ مدة الإنقسام والتوزيع الطائفي والحزبي والسياسي، لكل وسيلته ولكل منبره. إنقسام ينسحب على الصحافيين، كما على مؤسسات الدولة. فكيف تتعامل المؤسسة الحكومية التابعة لخط سياسي ما مع صحافة المعارضة، وكيف تتعامل المعارضة مع إعلام الموالاة؟

إيلاف حملت مجموعة من الأسئلة إلى أكاديميين واعلاميين وحاورتهم في الحريات الصحافية في لبنان ودور وزارة الإعلام والقوانين والرقابة والحياد والتبعية.

يقول أمين سر المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع، ومدير تحرير صحيفة الانوار فؤاد دعبول لـ quot;إيلافquot; عن دور وزارة الاعلام إنها تغيرت بعد الأحداث الأخيرة التي ألمّت بلبنان quot;قبل الأحداث الأخيرة كانت وزارة الاعلام وزارة إعلام السلطة، أما بعد الاحداث الاخيرة فقد اصبحت عنوانًا للإعلام الفالت. فلا قواعد ولا نظام ولا دساتير تحكم الحركة الاعلامية فيه، ولذلك فإن وزارة الاعلام خصوصًا في عهد الوزير غازي العريضي، حرصت على أن تمثل دور حامي الحريات وحامي الاعلاميين من غدر السلطات ومن غدر الاعلاميين نفسهم بالسلطات، ذلك ان السلطة لا تتورع عن ضرب الاعلام والاعلاميين، كما ان الاعلاميين لا يتورعون انفسهم عن ضرب الحرية الاعلامية بممارستهم اعلامًا غير مسؤول غالب الاحيان... ولذلك، فإن الوزارة تحرص في مجالات ومناسبات عدة على ان تظهر أنها حامية للحريات لا قامعة لهاquot;.

وعن دور الحامي يعطي دعبول امثلة إغلاق عدد من وسائل الاعلام quot;يظهر دور الحامي في مناسبات عديدة، كالطريقة التي تم فيها اغلاق تلفزيون المر الذي كان مرًّا أحيانًا على السلطة ومرًا على نفسه، ذلك ان الايام لم تثبت بعد، وانا عضو في المجلس الوطني للاعلام وكنت حاضرًا كل الاجتماعات، لم تثبت السلطة يومًا انها وحدها هي الغادرة بالاعلام في عهد الرئيس اميل لحود، كما ان السلطة الاعلامية لم تظهر انها حرة في ممارسة الحريات طبقًا لقانون الحريات بل كانت اسيرة لمصالح خاصة، ولذلك فإن اغلاق محطة ال quot;م. تي .فيquot; لم يكن بريئًا بل ساهمت السلطة فيه، كما ان الإعلام نفسه اي اعلام الquot; م. تي . فيquot; لم يكن بريئًا، في جرّ الاعلام والمحطة نفسها الى التعطيل النهائيquot;.

اما في ما يتعلق بالقوانين فيصفها دعبول quot;بالمشبوهةquot; quot; لو نظرنا الى القوانين المعمول بها في لبنان، لوجدنا انها قوانين مشبوهة و ترمي الى ممارسة الصيد الوفير على الاعلاميين لجرهم الى التعطيل والسجون وهذا ما ظهر في 7 آب 2001quot;.

ويضيف quot;ما اريد قوله انه في لبنان قوانين اعلامية غير مكتملة ، فنحن في المجلس الوطني للاعلام نمارس اقصى درجات المسؤولية لكن اعلامنا نظري وليس عمليًّا، وقوانيننا هي قوانين تؤدي الى ممارسة السلطة الاستنسابية والاستشارية وليس السلطة التنفيذية، فكم قررنا الكثير من المواقف والمذكرات ورفعناها الى السلطة حتى في العهد الحاضر، وكم مارسنا الكثير من الادوار لنحمي الاعلام والمحطات من ان تلطّخه روائح مشبوهة... رفعناها كلها الى الحكومة وكانت تضرب بها عرض الحائطquot;.

وعن الاعلام المكتوب يصف دعبول نقابتي الصحافة والمحررين بالاستنسابية ويضيف quot; نقول بكل جرأة ووضوح ان نقابة الصحافة او ما يسمى المجلس الاعلى للصحافة الذي يضم نقابتي الصحافة والمحررين يمارس نوعًا من الاستنسابية السياسية والاعلامية.و على الرغم من أن نقابة الصحافة هي مرجع اساسي للحريات، الا اننا نجد ان نقابة المحررين هي مرجع اساسي للسلطات احيانًا، ونجد ان نقيب المحررين حريص بصورة شخصية على ان يكرس صفحاته لإرضاء رئيس الجمهورية، لا نجد هناك اكتمالاً في الممارسات بل شبهات وقد يكون مصير الصحافة رهنًا بنقيب الصحافة والمحررين عندما يتجردان كليًا من المؤثرات لأن الصحافة تبقى بحاجة الى السلطة لتمرير بعض مطالبها المحقةquot;.

اما عن مهام وزارة الاعلام وما قدمته للناس يقول دعبول: quot;مهام وزارة الاعلام منصوص عليها في قانون تنظيمها وهي ترعى الحريات كاملة في لبنان، ففي الوكالة الوطنية للاعلام، التي هي الوجه الاعلامي الاول لهذه الوزارة، نرى انها مارست على مدى العهود كلها إعلامًا حرًا فكانت تنشر اخبارًا تعود الى الصحافيين والاعلاميين، وأخبارًا تعكس الهيئات السياسية كلها من دون تفريق، من هذه الناحية نجد ان الوكالة الوطنية للاعلام التي هي لسان وزارة الاعلام، كانت لسانًا للبنان كله، ولم تقصّر مع احد في ايراد معلومة او نشر بيانات صادرة عنهم.لذلك يمكننا القول إن وزارة الاعلام من هذه الناحية تجسّد الحريات الاعلامية لكل الناس، اما من حيث الاذاعة اللبنانية فقد كانت حتى الامس اذاعة مغمورة نسمع بها ولا نسمع صوتها، ، الا انه منذ اشهر قليلة تم القيام بإصلاحات على محطة ال ف. أم جعلتها تُسمع كما سائر الاذاعات الاخرى لكن الناس لم يعتادوها بعدquot;.

والمحصلة كما يراها دعبول ان الاعلام الخاص والهوائيات الفضائية والاعلاميات في المحطات المختلفة قد غطّت قسمًا كبيرًا من النشاطات الاعلامية، ولكنها قصّرت عن اكتمال صورتها تجاه لبنان من حيث تمثيلها لكل الاعلام اللبناني واطيافه.

ويعتبر دعبول ان الاعلام اصبح دون سباق العصر، فهذا العصر كان يسمى قبل حقبات عصر الاعلام ولكنه اليوم اصبح إعلام الانسان، والفرق بين عصر الإعلام وإعلام الانسان أن الاعلام يغطي كل النشاطات الاعلامية وان عصر الانسان الاعلامي يغطي كل النشاطات الانسانية التي هي ابعد مدى من النشاطات الاعلامية ، ويضيف قائلاً quot; الاعلام عندما يغطي الاحداث في كل المناطق يبقى إعلامًا سريعًا تتمثل فيه سرعة الاخبار وسرعة توصيل الخبر والصورة الى المشاهد والقارئ ولكنه اليوم اصبح عاجزًا بعض الشيء عن ايصال الصورة الحديثة للانسان الحديث فمثلاً نجد ان الاعلام الفضائي والمرئي والمسموع قد يسابق الوقت لكنه لا يسابق العصر، فما حدث في عالم الانترنت من حيث التطور والتقدم سبق عصر الاعلام، وهذا ما يجعلنا نفكر بأن الاعلام الحديث ليس اعلام العصر بل عصر الاعلام المتخلف عن عصر الحياة الذي اجتاح المجالات كلها وجعلها دون تقدمها. لذلك نحن اليوم نسمع فضائيات ومحطات وتلفزيونات، لكن الاعلام الالكتروني هو السّباق والذي يجد الانسان فيه انه عاجز عن ادراكه، وكإعلاميين كنا نسابق الاعلام ونحرص على ان نسبق الحدث من حيث تغطيته اليوم اصبح الاعلام الالكتروني هو اعلام الانسان الحديث الذي يسبق بكثير الاعلام الذي عرفناهquot;.

الاكاديمي الدكتور انطوان مسرة
من جهته يعتبر الدكتور انطوان مسرّة (استاذ في الجامعة اللبنانية للاعلام والقديس يوسف، ورئيس الجمعية اللبنانية للعلوم السياسية) ان دور وزارة الاعلام يكمن في تعميم ونشر الاعلام ذات الطابع العام، الذي يصدر في اغلب الاحيان عن الادارات العامة ويضيف quot;الاعلام في لبنان ناشط جدًا والمادة 30 من القانون المرئي والمسموع تلزم محطات الاذاعة والتلفزيون بنشر برامج حول الشأن العام في لبنان لمدة ساعة، ولكن اغلب الاحيان لا تتوفر هذه المادة، وفي بلد حيث يتواجد الكثير من وسائل الاعلام وبعضها مرتبط بطوائف ومناطق ، على وزارة الاعلام ان تمارس دورًا ناظمًا لتشجيع الاعلام في كل ما يتعلق بالشأن العام الذي يجمع بين اللبنانيين، وهذه الوظيفة تسير بشكل افضل في الفترات الاخيرة خصوصًا مع الوكالة الوطنية للاعلام، ويمكن ان تتطور تطبيقًا للمادة 30 من القانون المرئي والمسموع، وعندما كان وزير التنمية يومها فؤاد السعد، انتجنا امورًا رائدة في الاعلام الاداري ومجموعة 16 فيلمًا وثائقيًا حول الاعلام الاداري، ولكن بعد ذهابه تراجع هذا النشاط، ويجب الاستمرار في هذا المنحى.

ويتابع مسرة: quot;قوانين الصحافة وجدت لإعلام الحرية ولا احب عبارة تُمارس الحرية ضمن اطار القانون، الحرية اعلى من القانون، وعندما توضع ضوابط لحرية التعبير يجب أن تكون لحمايتها، وليس للحد منها، وللاسف الكثير من الانظمة العربية تقول إن الحريات تمارس ضمن اطار القانون.

أما عن نظرته لنقص الرقابة فيقول مسرة: quot;بالفعل مقص الرقابة مجاله ضيق ونقرأ في كل الصحف كل الامور وكل شيء مكشوف، وكانت هناك مساع لضرب هذه الميزة في لبنان لكنها مترسخة، وفيها ضحايا وشهداء ومناضلون وجيل جديدمليء بالاندفاع والجرأة والحماسةquot;.
اما عن تقويم الاعلام اللبناني بالنسبة إلى العربي فيعتبر مسرة لا مجال للمقارنة وهو اعلام استثنائي كالاستثناء اللبناني بحد ذاته، ولكن في مصر والاردن شاهدنا تطورًا كبيرًا جدًا، من حيث نوعية الصحافة والاخبار.

ويضيف مسرة quot;ان مهمة وزارة الاعلام هي ان تكون الاطار الناظم للاعلام في الحياة العامة وبخاصة من خلال تلفزيون لبنان العام، وهو ليس ملك الحكام، وهو بحاجة الى استمراريةquot;.

ويتابع quot; ان الاعلامي يجب ان يكون متجردًا والقضية بحاجة الى وعي. وضعنا شرعة للاعلام في لبنان بالتعاون مع المكتب الاقليمي للاونيسكو والمجلس الوطني للاعلام وستُناقش لاحقًا عن الشرعة السلوكية للاعلاميين، وفي احيان كثيرة يكون الاعلامي ضحية ابتزاز، وملتصق بالسياسيين على اعتبار انهم مصدر الاخبار، والاعلامي اليوم يمارس عملاً تربويًا ولا يستطيع ان يقول انا فقط ادير حوارًا وانقل اخبارًاquot;.