زوبعة ديبلوماسية قبل زيارة ساركوزي إلى الجزائر
الوعود الانتخابية حاصرتها الأمطار الطوفانية

ساركوزي غير مرحب به في الجزائر

بدء الانتخابات المحلية بأجواء هادئة بالجزائر

سليمان بوصوفه من لندن: كان من المنتظر أن يتوجه أمس الخميس ستة عشر مليون ناخب جزائري مسجل إلى صناديق الإقتراع لانتخاب 1542 مجلسا بلديا في ثماني وأربعين ولاية لعهدة تمتد إلى خمس سنوات، فيما يسيطر هاجس المقاطعة الشعبية على رؤساء الأحزاب المتنافسة، خصوصا بعد نسبة المشاركة الضئيلة التي شهدتها الإنتخابات البرلمانية في مايو 2007 التي لم تتعد نسبة 35,51% الحملة الإنتخابية التي استمرت تسعة عشر يوما لم تلق إقبالا واسعا من المواطنين وإضطر المترشحون إلى تنشيط حملاتهم الإنتخابية في قاعات شبه فارغة. ودعا الرئيس السابق لحركة الإصلاح الوطني السيد عبد الله جاب الله إلى مقاطعة هذه الإنتخابات إلا أن حزب جبهة القوى الإشتراكية ألقى بكل ثقله في الحملة الإنتخابية بعد أن قاطع الإنتخابات البرلمانية سابقا. وفي ظل عدم إنشاء لجنة وطنية لمراقبة سير الاقتراع ارتفعت الأصوات المحذرة من التزوير، فحزب العمال الذي تقوده اليسارية لويزة حنون اتهم الإدارة بتسريب أوراق التصويت لصالح حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى ، فيما دعا حزب حركة مجتمع السلم إلى المشاركة الكبيرة لأن المقاطعة ستعطي الفرصة للإدارة لتزوير النتائج.

الأمطار الطوفانية تفضح الوعود الانتخابية

وبلغت حصيلة ضحايا الأمطار التي تهاطلت على وسط وغرب الجزائر اثني عشر قتيلا وعشرات الجرحى، بفعل السيول التي فاضت على الأحياء السكنية ، وانهيار بعض المباني على السكان مثلما حدث في حي القصبة العتيق وسط العاصمة حيث انهار جدار على طفل ليلقى حتفه، ما أثار سخطا وسط الأهالي بسبب تأخر المسؤولين في ترميم حيهم .مواطنون آخرون جرفتهم السيول في حين لجأت المئات من العائلات المشردة إلى المدارس والمؤسسات التربوية بعد انهيار مساكنها.

وأمام اهتراء الطرقات وغياب قنوات تصريف المياه وضعف البنية التحتية شكك المواطنون في تحقيق وعود المترشحين الانتخابية ورأوا فيها مجرد دعاية تنتهي بانتهاء موعد التصويت، ليعود رؤساء البلديات إلى مصالحهم وتصريف شؤونهم الخاصة ويواجه المواطنون البيروقراطية والمحسوبية مجددا، حتى أن أحد الشباب قال للصحافة المحلية، 'بما أن السلطات تمنح العمل للآلاف من الصينيين وتستورد اليد العاملة الأجنبية بينما الشباب الجزائري يعاني التهميش والبطالة فلماذا لا تدعو هؤلاء الاجانب للتصويت لرفع مستوى المشاركة'.

الشباب يعاني من البطالة ويحلم بالهجرة

ويعاني الشباب الجزائري الذي يمثل نسبة 75% من السكان البطالة والتهميش، ولليوم العاشر على التوالي تتواصل أعمال الشغب في ولاية ورقلة (الواقعة جنوب شرق الجزائر) رغم التواجد المكثف لرجال مكافحة الشغب ومحاولات التهدئة، إلا أن الشباب الذي انتفض أكثر من مرة في هذه الولاية التي تسبح على حقول من النفط، مصمم على إيصال معاناته إلى السلطات العليا، واشتكى من حرمانه من العمل في شركات النفط الجزائرية والأجنبية ، بفرض تلك الشركات شروطا تعجيزية لتوظيف مواطنين من مدن الشمال وبطرق ملتوية. أما في مدينة عنابة (شمال شرق) فيُشيع اليوم السكان جثمان الشاب (بوحدّة فتحي) ثلاثون عاما، وقد قذفته الأمواج إلى الشواطئ التونسية القريبة بعد أن حاول الهجرة إلى جزيرة سردينيا الإيطالية على متن زورق صيد، المدينة أصبحت تستقبل منذ أشهر مئات المرحلين الذين أعادتهم الشرطة الإيطالية إلى الجزائر وعشرات الجثث التي يرميها البحر يوميا.

ساركوزي والحملة الانتخابية

واستغلت بعض الشخصيات قروب موعد زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى الجزائر للّعب على عواطف الناخبين، ففي تصريحات له لصحيفة (الخبر) اعتبر وزير المجاهدين الذي ينتمي إلى حزب جبهة التحرير، أن ' ساركوزي وصل إلى سدة الرئاسة في فرنسا بفعل اللوبي اليهودي في فرنسا' وقال محمد شريف عباس' إن إسرائيل أصدرت طابعا بريديا عليه صورة ساركوزي أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية في فرنسا لتلميع صورته '. هذه التصريحات التقطتها صحيفة لوفيغارو ونشرتها في عددها الصادر يوم 28 -11-2007 ، ما أثار زوبعة إعلامية في فرنسا، وتحركت السلطات الفرنسية لترد على تصريحات الوزير على لسان الناطقة باسم الخارجية الفرنسية باسكال اندرياني التي قالت : 'لقد أدهشتنا هذه التصريحات التي نشرتها الصحف والتي لا تتفق مع أجواء الثقة والتعاون التي نُعدّ فيها لزيارة الدولة التي سيقوم بها رئيس الجمهورية إلى الجزائر'.

التنافس بين المغرب والجزائر حول الاستثمارات الفرنسية

ويرى المراقبون أن تصريحات المسؤولين الجزائريين، تترجم علاقة عدم الرضى السائدة بين باريس والجزائر، فالرئيس الفرنسي قام بزيارة سابقة إلى الجزائر (يوليو 2007) ورغم وعوده بتنمية استثمارات الشركات الفرنسية هناك، إلا أنه لم يحصل تغير ملموس على الأرض، في حين أن زيارة ساركوزي إلى المغرب (22-24 أكتوبر 2007) حققت نتائج كبيرة على صعيد الاستثمارات ، فشركة رونو الفرنسية للسيارات افتتحت في مدينة طنجة أكبر مصنع لها في إفريقيا ما سيوفر الآلاف من مناصب الشغل للمغاربة ، كماوقّعت الرباط وباريس اتفاقيات اقتصادية مهمة تأتي على رأسها إنجاز خط للقطار السريع الذي سيربط طنجة شمالا بمدينة مراكش جنوبا.

عزوف الفرنسيين عن الاستثمار في الجزائر يرجعه بعض المراقبين إلى تدهور الأوضاع الأمنية واستهداف ما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي للأجانب وخصوصا الفرنسيين، وأدت عملية استهداف ثلاثة رعايا فرنسيين في 21 من شهر سبتمبر 2007 في منطقة الأخضرية،أدت إلى طلب السلطات الفرنسية من رعاياها أخذ الحيطة والحذر، لكن هناك من المراقبين من أرجع هذا العزوف إلى العراقيل البيروقراطية التي تعرفها الإدارة الجزائرية وبطء الاصلاحات الاقتصادية التي حالت دون دخول المستثمرين الأجانب إلى السوق المحلية.

أنريكو ماسياس و الحملة الانتخابية

واستغلت الاحزاب المحسوبة على التيار العروبي والإسلاموي نية اصطحاب الرئيس الفرنسي للمغني الفرنسي الجزائري الاصل أنريكو ماسياس في زيارته ، لتشن حملة شعواء على المطرب اليهودي وقالت إنه إسرائيلي الهوى رغم أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة دعاه رسميا لزيارة الجزائر عام 2000 إلا أنه سرعان ما تراجع عن الدعوة أمام الحملة الإعلامية على المطرب. ماسياس ولد في مدينة قسنطينة شرقا عام ثمانية وثلاثين وتغنى كثيرا بهذه المدينة وجمالها وتمنى زيارتها يوما ما، وغنى ماسياس باللغتين الفرنسية والعربية وتلقى أغانيه رواجا كبيرا لدى الجزائريين، ولقد اضطر ماسياس للتراجع عن مرافقة ساركوزي إلى الجزائر لعدم إحراجه خصوصا وأن رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم هدد بعدم مصافحة المطرب( ماسياس) إذا التقاه.