كتب ـ نبيل شرف الدين :

في وقت مددت فيه عملية الإقتراع في مصر لمدة ساعتين إضافيتين، ليدلي مزيد من المصريون بأصواتهم في الإستفتاء المثير للجدل على التعديلات الدستورية التي إقترحها الرئيس حسني مبارك، وتقاطعها مختلف قوى وأحزاب المعارضة في البلاد، فقد حرصت الحكومة على إستخدام الوسائل التعبوية التي تذكر بعضها بالأساليب التي كانت تستخدمها دول الكتلة الشرقية، خلال سبعينات وثمانينات القرن المنصرم .

وقبيل إغلاق أبواب مراكز الإقتراع، قدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان نسبة المشاركة بأنها تتراوح بين إثنين إلى ثلاثة في المئة فقط، بينما مددت اللجنة العليا للإنتخابات التصويت لمدة ساعتين إضافيتين، لتغلق في التاسعة بدلاً من السابعة مساء بتوقيت القاهرة المحلي .

ورصدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إستمرار ضعف نسبة الإقبال الجماهيري على صناديق الإقتراع حيث تراوح متوسط معدلات التصويت بين 2% إلى 3% فقط على مستوى الجمهورية، وفق تقديرات المنظمة الحقوقية.

جولة رايس في شوارع مصر يوم الإستفتاء

إيلاف ترصد أجواء الاستفتاء على تعديل الدستور المصري

إنتهاكات وملاحظات

كما رصدت المنظمة الحقوقية غير الحكومية مظاهر العديد من الإنتهاكات تمثل أبرزها في منع مراقبي إحدى منظمات المجتمع المدني من مراقبة عملية الإستفتاء ومنعهم من دخول المقر الإنتخابي كما تم منع مراقبي المنظمة من دخول لجنة رأس التين في دائرة كرموز في محافظة الإسكندرية فضلاً عن بروز ظاهرة الرشاوى الإنتخابية في ذات المحافظة كما استمرت عمليات التصويت الجماعي.

ومن الحملة الإعلامية التعبوية التي ساهم فيها كل مؤيدي وأنصار الحكومة والحزب الوطني (الحاكم) من صحافيين وساسة ورجال أعمال وفنانين ، وصولاً إلى سيارات تجوب الأحياء الشعبية والقرى في دلتا مصر وصعيدها، لتدعو المواطنين إلى المشاركة في الإستفتاء، بينما إكتظت المقاهي بروادها، وازدحمت الشوارع بالمارة والعابرين، دون أن يتجاوز الإهتمام بالإستفتاء وتعديل الدستور لدى عامة الناس حدود السخرية والتأكيد على عدم الثقة في جدوى مثل هذه الفعاليات، منذ أكثر من نصف قرن على الأقل، وتحديدًا منذ العام 1952 بعد سقوط النظام الملكي في مصر .

سلاح الدين

وسط هذا العزوف الذي يبدو تقليديًا ومتجذرًا في نفوس المصريين، وإزاء شبه المقاطعة الشعبية تلك، التي تجدر الإشارة إلى أنها لا تأتي استجابة لدعوة المعارضة، بقدر ما هي سلوك مألوف لدى ملايين المصريين، الذين يحملون في وجدانهم تراثًا هائلاً من إنعدام الثقة في تلك الفعاليات، فقد إستخدم سلاح الدين في هذه اللعبة السياسية من شتى الأطراف، حكومة ومعارضة على نحو سافر .

فبينما قال معارضون محسوبون على التيار الإسلامي عبر عدة مواقع على الإنترنت إن المشاركة في هذا الإستفتاء عمل آثم يكاد يعادل شهادة الزور، فقد تصدى الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر لهم بقوله إن الإدلاء بالرأي في الإستفتاء على التعديلات الدستورية هو شهادة وعلى كل إنسان أن يؤديها كواجب ديني ووطني، يجب عدم التخلف عنه لإعلان رأيه .

جاءت تصريحات شيخ الأزهر عقب إدلائه بصوته، حيث كان يرافقه رئيس جامعة الازهر الدكتور أحمد الطيب ونواب رئيس الجامعة، وأمين عام مجمع البحوث الإسلامية، وحشد من كبار أساتذة جامعة الأزهر .

وجدد شيخ الأزهر دعوته للمصريين بضرورة الحرص على الإدلاء بأصواتهم للإستفتاء حول التعديلات الدستورية، وقال إنه من حق كل مواطن أن يدلي بصوته وأن يقول ما يشاء، ذلك لأنه لا إكراه لأحد في أن يقول رأيه الحر، على حد تعبيره .

ومضى شيخ الأزهر قائلاً: quot;لقد أدينا الواجب الديني والوطني باختيارنا، وهذا واجب على الجميع ليقول رأيهquot;. وشدد طنطاوي على أهمية مشاركة المواطنين بايجابية والبعد عن السلبية في مثل هذه المواقف، وأن كل من لديه صوت عليه التوجه إلى الإستفتاء.

إحتجاج المعارضة

وبينما يحق لنحو 5،36 مليون ناخب التصويت بالموافقة أو الرفض على التعديلات الدستورية، التي أقرها قبل نحو أسبوع البرلمان المصري الذي يهيمن الحزب الوطني (الحاكم) على ثلاثة أرباع مقاعده، فإن كل قوى وأحزاب المعارضة ومنظمات حقوقية مصرية ترفض هذه التعديلات وتقاطع الإستفتاء عليها، قائلة على ألسنة العديد من رموزها إنها تشكل quot;ردة سياسيةquot;، وتغلق أبواب الأمل في إجراء إصلاحات ديمقراطية في البلاد .

وتحتج المعارضة بصفة خاصة على تعديلات المادة 88 التي تلغي الإشراف القضائي الكامل على الإنتخابات العامة والمادة 179 التي تتيح لأجهزة الأمن إعتقال المشتبه فيهم في قضايا إرهابية، وتفتيش منازلهم ومراقبة مراسلاتهم والتنصت على هواتفهم كما تمنح رئيس الجمهورية سلطة إحالة المتهمين في هذه القضايا على المحاكم العسكرية أو الإستثنائية .

كما تعترض أيضًا جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; الذين يحتل أعضاؤها أكثر من ثمانين مقعدًا فيالبرلمان المصري، على تعديل المادة الخامسة من الدستور الذي يحظر تأسيس الأحزاب السياسية على أسس أو حتى مرجعيات دينية .

ومنذ مساء الأحد حاول عشرات من الناشطين الإصلاحيين، خاصة من أعضاء حركة quot;كفايةquot; تنظيم مظاهرات وسط القاهرة، وقد أمضى العشرات منهم الليل بطوله أمام مقر نقابة الصحافيين المصرية حيث كانوا يهتفون quot;باطل .. باطلquot; ويرفعون شعارات كتب عليها quot;لا لعبث مبارك بالدستورquot; .

ومنذ عدة أيام تفرد كل صحف المعارضة مساحات واسعة للدعوة إلى مقاطعة التعديلات الدستورية، التي تعتبرها بمثابة quot;شهادة وفاة للدستورquot; وستؤدي إلى تشييعه إلى مثواه الأخير، حسب الأدبيات الشائعة في أوساط المعارضة من شتى المشارب .
وبدا مألوفًا أن إنتشار أعداد كبيرة من قوات الشرطة وفرق مكافحة الشغب التي ترتدي ملابس مدنية في وسط القاهرة منذ ساعات الصباح الأولى خصوصًا أمام نقابتي الصحافيين والمحامين وسط العاصمة المصرية .

وألقت أجهزة الأمن القبض مساء الأحد على نشطاء لم يعرف بعد عددهم كانوا يحاولون التجمع في ميدان التحرير وسط العاصمة للتظاهر إحتجاجًا على تلك التعديلات الدستورية المثيرة للجدل .

نظيف وجيمي

وبينما بدا جمال مبارك نجل الرئيس المصري، هو quot;البطل الحاضر الغائبquot; من وراء تلك التعديلات ـ كما يعتقد كثيرون ـ فقد حرص عقب مشاركته في الإقتراع على الإدلاء بتصريح توقع فيه ألا تتجاوز نسبة المشاركة 30 في المئة فقط لأسباب تتعلق بطريقة تنظيم الإستفتاء، بينما أكد أحمد نظيف رئيس الوزراء المصري على أهمية مشاركة المواطنين في الإدلاء بأصواتهم في الإستفتاء على التعديلات الدستورية باعتبار المشاركة حقًا أساسيًا كفله القانون والدستور، على حد قوله .
ومضى نظيف قائلاً: quot;إذا كنا نتحدث عن الحرية والديمقراطية فإن من أهم مبادئ هذه الحرية والديمقراطية، أن نذهب جميعًا إلى صناديق الإقتراع وندلي برأينا سواء كنا موافقين أو غير موافقينquot; .

جاءت تصريحات نظيف عقب إدلائه بصوته بمدينة 6 تشرين الأول (أكتوبر)، حيث يقع مكتبه الشهير بالقرية الذكية، وأعرب عن إعتقاده بأن التعديلات الدستورية المطروحة تعد نقطة تحول مهمة في تاريخ مصر الحديث حيث جرت حولها مناقشات، وهناك من وافق عليها وهناك من رفضها .

وأشار نظيف إلى أن هذه التعديلات تضيف كثيرًا إلى مناخ الحرية والديمقراطية في مصر، كما تضيف أشياء جديدة لمسيرة الحياة السياسية وتمنح الفرصة للأحزاب أن تشارك في هذه الحياة بشكل أفضل كما تهيئ فرصة جادة للمرأة للمشاركة في الحياة العامة، وتكفل توزيعًا أفضل للسلطات بين الحكومة والبرلمان أو رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذيةquot;، على حد تعبيره .

اغلاق صناديق الاقتراع

اعلن وزير الاعلام المصري انس الفقي ان عمليات التصويت على التعديلات الدستورية انتهت في السابعة مساء اليوم الاثنين (17:00 تغ) وان متوسط نسبة المشاركة يراوح بين 23% الى 27% وفق تقديرات اللجنة العليا للانتخابات. وقال الفقي ان quot;الاقبال كان ضعيفا في الساعات الاولى ثم ارتفعت نسب المشاركة بعد الظهر بعد انتهاء مواعيد العمل ومغادرة الناس لاماكن عملهمquot;. واوضح ان بعض اللجان لم تغلق الصناديق في الساعة السابعة للسماح للناخبين الذين كانوا لا يزالون متواجدين داخلها بالاقتراعquot;.

واكد انه quot;وفق المؤشرات الاولية التي تجمعت لدي اللجنة العليا للانتخابات فان متوسط نسبة المشاركة في مختلف محافظات مصر يراوح بين 23% و27%quot;. واكد انه كان ملحوظا بصفة خاصة quot;ارتفاع نسبة مشاركة المراةquot;. واضاف ان نسب المشاركة تراوح بين 15 و30% في معظم المحافظات باستثناء محافظتي الاسماعيلية وشمال سيناء حيث ارتفعت النسبة الى ما بين 55% و66%.